"إيلاف" من لندن: علم اليوم من مصادر بريطانية قريبة من قرار 10 داونينغ ستريت أن رئيس الوزراء توني بلير الذي نجا أمس من الانتقاد الشديد على أدائه في الحرب التي أطاحت حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين، ، بدأ اليوم مشاورات مكثفة مع أركان حكمه وأجهزة عديدة لوضع خطة ستقود إلى انقلاب شامل في مهام شخصيات جهاز الاستخبارات الخارجي (إم آي 6 ) الذي وجه إليه تقرير باتلر انتقادات شديدة.

وكانت الحكومة البريطانية وافقت قبل فترة من الزمن على وضع ميزانية خاصة لجهاز الاستخبارات الخارجي لتعيين ألف عميل جديد لاستيعابهم في أماكن مختلفة داخل بريطانيا وخارجها، وستتركز التعيينات على أبناء الجاليتين العربية والإسلامية ممن يحملون الجنسية البريطانية ويتحدثون اللغة الإنجليزية واللغة الأم بطلاقة.

وحاز تقرير اللورد باتلر على تغطيات واسعة في جميع الصحف البريطانية من دون استثناء، كما أن غالبية المقالات والتحليلات التي كتبها كبار الكتاب البريطانيون تركزت على التقرير وخلفياته والموقف من الحكومة العمالية برئاسة بلير ومصيرها، وكذلك أداء جهاز الاستخبارات ومصير قادته.

وقالت غالبية الصحف البريطانية في ملخص لتقرير اللورد باتلر أن المعلومات الاستخبارية بشأن أسلحة العراق للدمار الشامل كانت "معيبة"، وان الملف الذي أعدته أجهزة الاستخبارات عن هذه الأسلحة " لا يعطي الحقيقة وهو مراوغ"، كما أن قدرة العراق على نشر أسلحة دمار شامل في 45 دقيقة كان خاطئا.

وتقول صحيفة (إنديندانت) في تقرير لها أن كثيرا من نواب البرلمان البريطاني شعروا بخيبة أمل لان تقرير اللورد باتلر لم يضع مسؤولية الأخطاء التي أشار إليها على عاتق أفراد محددين، واكتفى بالقول ان هناك مسؤولية جماعية عن هذه الأخطاء.

وتضيف انه يعتقد أن فريق التحقيق الذي اعد هذا التقرير شعر بان المسؤولية يتحملها في نهاية المطاف رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، لكن التقرير لم يتضمن ذلك صراحة.

ومن جانبه، قال المحرر السياسي لصحيفة "فاينانشيال تايمز" جيمس بليتز في تعليقه اليوم "تقرير باتلر لم يؤكد أن بلير قدم المعلومات الاستخبارية عن العراق بشكل يجعلها اكثر مصداقية وثبوتا مما هي عليه في حقيقة الأمر"، مشيرا إلى أن "التقرير يخلص إلى انه قبل الحرب على العراق لم يكن لديه أي مخزون ذي قيمة من أسلحة الدمار الشامل في حالة صالحة للاستخدام". وأضاف بليتز " وعلى الرغم من ذلك لم يلق باللوم على بلير او غيره مكتفيا بإعلان المسؤولية الجماعية عن الأخطاء التي وقعت قبل الحرب وخلالها".

وركز النقاد السياسيون البريطانيون على القول أنه "لم يكتف التقرير بتوضيح العيوب في المعلومات الاستخبارية، بل أيضا انتقد الطريقة التي يتبعها بلير في اتخاذ القرارات المهمة مثل قرار الحرب، إذ انه يعتمد على "دائرة صغيرة" من الوزراء والمستشاريين دون التشاور بشكل كاف مع مجلس الوزراء".

وحسب ما نقل موقع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) اليوم، فإن المحرر السياسي للفاينانشيال تايمز يقارن بين تقرير بتلر، وتقرير مماثل كانت أصدرته لجنة الاستخبارات في الكونغرس الأميركي، فيقول "أن الأول أخفى كثيرا، وانه انتهى إلى انه لا يوجد ما يستلزم استقالة جون سكارلت رئيس الاستخبارات البريطانية "إم آ ي 5"، فيما أدى تحقيق الكونغرس غلى استقالة جورج تينيت رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية "سي آي أيه".

وفي تناوله لذات الموضوع قال المحرر السياسي لصحيفة "ديلي تلغراف "، جورج جونز أن النتيجة التي انتهى إليها تقرير باتلر هي "أن بلير بالغ في تقديم أسباب الحرب في العراق، ولم يخبر الرأي العام البريطاني بمدى محدودية المعلومات الاستخبارية المتاحة عن أسلحة الدمار الشامل العراقية"، مضيفا أن التقرير انتقد أيضا اللغة التي استخدمها بلير حين قال "أن أسلحة الدمار الشامل العراقية "تشكل تهديدا جديا وقائما"، وذلك في الملف الذي اعد عن هذه الأسلحة في سبتمبر (أيلول) العام 2002 "وهو ما ترك الانطباع لدى الجمهور أن هناك معلومات كاملة وموثوق بها في هذا المجال".

واعتبر كل من المحرر السياسي لصحيفة "التايمز" فيلب ويبستر ومحررها لشؤون الدفاع مايكل إيفانز أن ما جاء بتقرير اللورد باتلر يعني أن بلير ضمن الاستمرار في منصبه بعد أن تجنب التقرير إلقاء اللوم عليه شخصيا فيما وصفه التقرير بأنه "عيوب خطيرة" في المعلومات الاستخبارية بشأنااسلحة العراق، حيث اعتبر اللورد باتلر أن بلير تصرف "بحسن نية".

* ابرز نقاط تقرير باتلر

وفي الآتي أبرز ما جاء في تقرير اللورد باتلر حسب نسخة رسمية أعدتها هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي):

ـ لم يوجه تقرير باتلر انتقادات لأشخاص مصداقية المعلومات.

ـ ألقيت ظلال من الشك على "نسبة كبيرة" من المصادر الاستخبارية البشرية ، وبالتالي على تقييم المعلومات التي قدمت للوزراء والمسؤولين.

ـ ترجع المشكلات جزئيا إلى أوجه قصور في الطريقة التي تحقق منها جهاز إم آي 6 الاستخباري البريطاني من المصادر.

ـ تم نقل المعلومات حول وجود أسلحة كيماوية وبيولوجية عراقية من مصدر إلى مصدر قبل أن تصل إلى إم آي 6 ، وهو جهاز الاستخبارات الخارجي.

ـ تحدث مصدر لإم آي 6 عن ثقة عن بعض المسائل غير أنه فيما يتعلق بمسائل أخرى كان "ينقل ما سمعه في محيطه".

ـ تم سحب التقارير من مصدر رئيسي ثالث لإم آي 6 لعدم الاعتماد عليها .

ـ كانت المعلومات التي قدمتها استخبارات دولة أخرى حول إنتاج العراق لعناصر بيولوجية وكيماوية "معيبة بشكل خطير" و"انتفت" الأسس التي بني عليها التقييم البريطاني بأن العراق أنتج مؤخرا كميات من تلك العناصر.

ـ لم يتم الاعتماد "بشكل أكثر من اللازم" على مصادر المنشقين العراقيين.

* الأسلحة العراقية

وبالنسبة للسلاحة العراقية قال التقرير :

ـ من غير السابق لأوانه الجزم بأنه لن يتم أبدا العثور على أدلة لبرامج أسلحة دمار شامل عراقية.

ـ قبل الحرب أراد العراق الحصول على أسلحة محظورة، من بينها برامج نووية.

ـ كان العراق يعمل على تطوير صواريخ ذاتية الدفع بمدى أطول من المدى المسموح به.

ـ لم يملك العراق أي كميات يعتد بها من الأسلحة الكيماوية أو البيولوجية في حالة مناسبة للاستخدام، كما لم يخطط لاستخدام تلك الأسلحة

*قرار الحرب :

وحول قرار الحرب أوجز تقرير اللورد باتلر الآتي:

ـ لم تكن هناك "معلومات حديثة" تقود إلى الاعتقاد بأن العراق يشكل قلقا آنيا أكثر من بلدان أخرى، رغم أن سجله عزز الاعتقاد بضرورة وجود تهديد بالقوة لضمان انصياع صدام حسين.


ـ يعرب التحقيق عن دهشته لأن الوزراء والمسؤولين ووكالات الاستخبارات لم تعيد تقييم نوعية المعلومات التي لديها بينما لم يعثر مفتشو الأمم المتحدة على ما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل في الشهور التي سبقت الحرب مباشرة.

ـ لم تلعب المعلومات الاستخبارية إلا دورا "محدودا" في تحديد مشروعية الحرب.

ـ لم يتم العثور على ما يدلل على أن بريطانيا خاضت الحرب لضمان استمرار الوصول إلى إمدادات النفط

ـ أما فيما يتعلق بزعم الـ45 دقيقة التي قيل أن العراق كان مستعدا خلالها لاستخدام أسلحة الدمار الشامل، ما كان ينبغي أن يجد الزعم بأن بإمكان العراق استخدام أسلحة دمار شامل في غضون 45 دقيقة، طريقه إلى ملف الحكومة الخاص بالأسلحة دون إيضاح السياق الذي كان الزعم يشير إليه


ـ يقول جهاز إم آي 6 الآن إن هذا الزعم "كان محل شك" مع وجود شكوك حول إحدى الصلات التي تم تناقل الزعم عنها.

* اليورانيوم من النيجر:

ـ كانت معلومات الاستخبارات البريطانية حول الزعم بأن العراق سعى من قبل للحصول على يورانيوم من النيجر "جدير بالتصديق"، غير أنه لم تتوافر أدلة تجزم بأن العراق اشترى فعلا اليورانيوم، ولكن الحكومة البريطانية لم تزعم أيضا أنه وصل إلى حد الشراء.

* المعامل المتنقلة للأسلحة البيولوجية:

ـ كان من المعقول أن يخرج مسؤولو الاستخبارات بتقارير عن سعي العراق للحصول على مزيد من المعامل المتنقلة للأسلحة البيولوجية، غير أن المعلومات من المصدر لم تظهر أن العراق لم ينتج مؤخرا كميات مخزونة من العناصر البيولوجية، وما كان لهذا الدليل أن يوجد لو كان جهاز إم آي 6 قد تحدث للمصدر مباشرة من عام 2000 وبعد ذلك.

* ملف الأسلحة:

وقال تقرير باتلر في فقراته : كان من "النقائص الخطيرة" أنه لم يتم إيضاح تحذيرات مسؤولي الاستخبارات حول محدودية أحكامهم إيضاحا كاملا، وأضاف "وصلت الأحكام التي تضمنها الملف "إلى أبعد حدود المعلومات المتاحة" (وإن لم تتجاوز تلك الحدود)، وقال "تعزز الانطباع بوجود معلومات "أقوى وأكثر شمولا" تدعم الملف بتصريح بلير أمام النواب يوم نشر الملف بأن الصورة التي رسمتها أجهزة الاستخبارات "واسعة ومفصلة وتحظى بمصداقية".

* لجنة الاستخبارات المشتركة:

وحول دور لجنة الاستخبارات المشتركة، قال تقرير اللورد باتلر "لم يتم العثور على أدلة على "تحريف متعمد أو إهمال جنائي" ، وأضاف "ولكن عموما "تم نقل المعلومات الأساسية نقلا صحيحا في تقييم لجنة الاستخبارات المشتركة، فيما عدا زعم الـ45 دقيقة"، وهو أشار إلى أنه " كان ينبغي إطلاق خبراء رئيسيين في أركان استخبارات الدفاع على تقرير استخباري مهم في صياغة الملف، وكان هؤلاء الخبراء محقين في الشكوى من ذلك ولا ينبغي أن ينسحب رئيس لجنة الاستخبارات المشتركة جون سكارليت من تولي وظيفته الجديدة كمدير لـ "إم آي 6 ".

وقال "هناك ما يعزز كثيرا المقترحات بأن يكون من يتولى رئاسة لجنة الاستخبارات المركزية في المستقبل شخصا لديه خبرة في التعامل مع الوزراء في مناصب رفيعة وأن يكون هناك ما يعزز "بشكل واضح أنه خارج دائرة النفوذ" كأن تكون رئاسة اللجنة على الأرجح آخر منصب يتولاه قبل التقاعد.

وفي الأخير، فإن تقرير اللورد باتلر تناول أساليب عمل الحكومة، وقال "يعرب فريق التحقيق عن قلقه من "الشكل غير الرسمي" الذي تسير عليه المجريات الحكومية بما يقلل "مدى إمكان التوصل إلى حكم سياسي جماعي مطلع"، في إشارة إلى اتخاذ القرارات في مجلس الوزراء داخل حكومة بلير، مشيرا من جانب آخر إلى دور الدول الأخرى في مواجهة أسلحة الدمار الشامل، معتبرا أن الكشف عن برامج الأسلحة الليبية كان "نجاحا استخباريا رئيسا"، هذا إضافة إلى "القضاء على شبكة العالم النووي الباكستاني عبد القدير خان لبيع تقنيات نووية لدول تثير القلق"، وأثنى التقرير على التعاون الجيد بين الوكالات الأمريكية والبريطانية للاستخبارات.