علي عبد الأمير: تتبدل حال العراق بشكل يفاجىء حتى المتفائلين، فثمة حال انفتاح سياسي واعلامي وحرية تعبير عن الرأي لامثيل لهحتى في بلدان متقدمة ، وبدا من البديهي ان يندفع عدد من "المحللين السياسيين" العراقيين لكيل اتهامات للحكومة ووصف رموزها بالعمالة دون ان يرف لهم جفن ودون ان يسألهم احد عن تبييضهم صفحة " المقاومة" التي لا تتردد في تفجير مجلس عزاء يقام لمن كانت قد قتلتهم ، فتجعل العزاء مضاعفا ( حصل هذا قبل اكثر من اسبوع في الخالص) ، وفيما يجلس "المحللون" في صدر مكاتب قنوات عربية كثيرة في بغداد ليقولوا ما يشاؤون وبحسب اهوائهم ومرجعياتهم السياسية المرتبطة بالماكينة الدعائية والمعلوماتية المخابراتية لنظام القسوة والموت ، لا يبدو ان احدهم في وارد المراجعة واثارة السؤال: في حين يحلو لنا ان نشرّق بالكرم ونغرّب وهلى هوانا ، ما بالنا كنا نوصم كل عراقي يقول كلمة لا تعجب رأس نظام " ام المعارك" بالخيانة ويقوم " النشامى" بما يلزم في تمزيق جسده اذا كان تحت السيطرة في داخل اسوار الوطن ، او تدمير حياته باشكال التهديد التصفوية اذا كان في خارج " جنة الشيطان" ؟
لا احد من " المحللين" الذين خرجوا بالجملة بعد سقوط النظام في بغداد ، يسأل مثل هذا السؤال وهم يتلذذون في لعبة التحريض ضد العراق الديمقراطي الذي يشكل لبنة لبنة ، بل انهم يفهمون الحرية على طريقة المتظاهرين دفاعا عن صدام في الأعظمية وبعقوبة وتكريت والعوجة ، فحين يسأل مصور متظاهرا في الأعظمية عن سبب تأييده لصدام فيرد" هم قالوا انها الديمقراطية ، لذا من حقنا ان نحرق قلوبهم بالدفاع عن صدام "، وهم يستغلون اجواء الإنفتاح الحقيقية ويستخدمون حرية التعبير التي تفننوا في حرمان العراقيين منها في الدفاع عن نهج الموت والحروب والقسوة ، وان كان ذلك بشكل غير مباشر ، فهم يجدون في سلطة الإحتلال و" نقص السيادة" و " الحكومة غير المنتخبة" اقنعة لتغطية خطابهم الملىء بالحنين لأيام " القائد الفذ" ، وكأنهم بنقدهم الحاد والتهكمي بل والتحريضي للحكومة الجديدة ، قادمون من اكثر قلاع الديمقراطية والتجارب الإنتخابية رصانة واصالة !
المحللون العراقيون الذين تفضلهم الفضائيات العربية حاليا هم من رموز اعلام صدام وضباط مخابراته، فنحن كنظّارة نستهلك ، مجبرين ، في تحولات القضية العراقية اكبر ما يمكن للإنسان ان يحتمل من ركام من الكلام ، نجد " محللين" من نوع د. ظافر العاني ، وليد الزبيدي ، هاني ابراهيم عاشور ، سمير خيري وغيرهم من نتاج " الإبداع " الصدامي داخل العراق وخارجهم ، وهؤلاء هم اما من الإعلاميين الذين برعوا في تحويل مواسم الموت العراقية الى ايام " عز وكبرياء ومجد" والمتصلين بتنسيق مركزي بالمخابرات التي لطلما عرفت للعراقيين ب" اللياقة العالية" لمنتسبيها وحرصهم علة ان يصيبوا في تحقيقاتهم الجد الأول حتى السابع عشر فقط لكل من تجرأ ومسّ اطراف " الباب العالي" ، وهنا يحضر الدور الذي قام به " المحلل السياسي" المقيم في عمّان حاليا ضابط المخابرات سمير خيري الذي كان اشرف على زيارة وفد جماعة فاضل الربيعي الى بغداد قبيل سقوط النظام ، وتحت شعار " جماعة عراقية معارضة تحاور صدام وتدافع عنه " ، وهو من كان " محللا مفضلا" لقناتي " الجزيرة" و" ابوظبي" خلال " معركة الحواسم" الأخيرة التي حسم فيها نظام صدام امره بهزيمة هي الأكثر اذلالا في التأريخ .
ويذكر صاحب السطور خلال الأيام الأولى من سقوط صدام ان المحلل السياسي د.ظافر العاني الذي كان يعمل ل" قناة ابوظبي" حينذاك ، زاره في مكتبه لتأمين مقابلة مع القناة بصفته مسؤولا عن الإعلام في حركة الوفاق الوطني بزعامة الدكتور اياد علاوي ، فسأله عن تلك الحماسة التي كان يتحدث بها مؤكدا " انتصار النظام في بغداد وهزيمة العدوانيين" فردّ العاني مطالبا التزام الديمقراطية ! وعاد صاحب السطور اليه: ترى اذا كان الأمر كذلك فلم كنت توصف العراقيين في المعارضة ، ونحن منهم ، و المطالبين بالديمقراطية، باعتبارهم خونة ؟
وعلى قدر ارتباط "المحللين" بالمؤسسة الأمنية للنظام البائد في العراق ، كانت حركتهم بعد سقوطه ، فالعاني وخيري في خارج البلاد اليوم ، ينسقون مع " المقاومة" ويمنحون عملياتها التي توغل عميقا في اجساد العراقيين " بعدا وطنيا" ، فيما يواصل وليد الزبيدي ( مراسل حزمة من الصحف والمجلات العربية خلال اشراف مخابرات صدام على المراسلين العراقيين) وجماعته من المحللين الذين تفوح من احاديثهم رائحة الطائفية العفنة ، ومن يفضلهم صاحب " المدار" جاسم العزاوي في قناة" ابوظبي" العمل في بغداد ، ودائما عبر استغلال منهجي لحال الإنفتاح الإعلامي والسياسي ، في الترويج لصاحب نظرية هزيمة المشروع الإسرائيلي عبر احتلال الكويت ، وان كان ذلك يتم بشكل مباشر ، عبر تبييض صفحة قتلة العراقيين في " المقاومة" التي تضم بقايا البعث والمتورطين بالجرائم من اجهزة الأمن والمخابرات وسلسلة " النشامى" من رجال المهمات الصعبة الذين اظهرتهم كاميرات التلفزة يهربون من مواقعهم في القصر الجمهوري بالملابس الداخلية في صباح التاسع من نيسان بعد ان سبقهم صدام للهروب عبر الاعظمية .