أميمة أحمد من الجزائر: رحبت فرنسا بما تقدمه السلطات الجزائرية من تسهيلات لعودة ما يعرف بالأقدام السوداء والحركي إلى الجزائر كما ورد في تصريح وزير الخارجية الفرنسي ميشيل بارنيه خلال مؤتمر صحافي عقده في ختام زيارته الرسمية للجزائر. والحركي هم جزائريون كانوا مع فرنسا في حرب التحرير، بينما الأقدام السوداء هم المعمرون في الجزائر، من أصول غير فرنسية.

هذه المرة الثانية التي تتناول فيها المباحثات الفرنسية-الجزائرية، ملف عودة الأقدام السوداء، والحركة إلى الجزائر، وقد صرح وزير الخارجية الفرنسي ميشيل بارني في ختام زيارته الأخيرة للجزائر، بأن ملف عودة الحركة طرح في مباحثاته مع المسؤولين الجزائريين، وأنه شكر السلطات الجزائرية على التسهيلات المقدمة لهم للعودة، وهناك حالات قيد الدراسة وأن بلاده تسعى إلى تسوية قضية استعادة أو تعويض ممتلكات الأقدام السوداء في الجزائر، ويُسوى مع هذه الملفات ملفاتٌ أخرى كالأرشيف ".

ويرى المحللون السياسيون أن هذا الإعلان الذي لم يُعلق عليه وزير الخارجية الجزائري عبد العزيز بلخادم في المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيره الفرنسي بارنيه، جاء في سياق الضغوط الفرنسية بعد زيارة الرئيس الفرنسي جاك شيراك للجزائر العام الماضي، حيث صرح بأن حرية تنقل الأفراد ينبغي أن تشمل جميع الفئات بما فيهم الحركي والأقدام السوداء "، وهو ما يعني التوجه نحو مصالحة تاريخية تطوي دفاتر الماضي.

وجاء الرد الرسمي على تصريحات وزير الخارجية الفرنسي ميشيل بارنيه بشأن الحركي بعد يوم على انتهاء زيارة بارنيه، وقد فند وزيرُ الخارجية الجزائري عبد العزيز بلخادم تصريحات وزير الخارجية الفرنسي ميشيل بارنيه، وقال في مؤتمر صحفي " إن المباحثات مع وزير الخارجية الفرنسي ميشيل بارنيه الذي زار الجزائر يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، لم تُسفر عن أي نتائج عملية فيما يتعلق بملف الحركي من المتعاملين الجزائريين مع سلطات الاحتلال الفرنسي ، ووصف ما تناقلته الصحافة الجزائرية عن عودة الحركي للجزائر " بسوء الفهم لتعليق وزير الخارجية الفرنسي ، الذي أثنى فيه على الجزائر للتسهيلات المقدمة لعودة الحركي ، وأوضح بلخادم أن " الحركي يحملون الجنسية الفرنسية ، وبالتالي فليس هناك شيء مميز في تعامل السلطات الجزائرية معهم ، فهم يحملون نفس الجنسية وجواز السفر مع الفرنسيين ، وبالتالي تعاملنا لهم واحد سواء كان اسمه جوزيف أو محمد "

غير أن الوزيرة السابقة وعضو مجلس الأمة والأديبة المجاهدة الدكتورة زهور أونيسي ، وقد عاشت آلام حرب التحرير ، وترجمتها في روايــاتها ، صرحت لإيــلاف: لنطوي الصفحة ، ومافيش مصالحة -كما قالت -، نطوي الصفحة ولكن أن نمزق الصفحة لا نمزق الصفحة ، وفرنسا مدعوة للاعتذار للشعب الجزائري عما ارتكبته في حق أبناء الجزائر إبان حقبة الاستعمار ، وأن تجاهل الرئيس الفرنسي جاك شيراك الأمر يوم زار الجزائر في3 مارس من العام الماضي، فسوف يحدث الاعتذار مستقبلا ، كما حصل يوم كانت فرنسا تعتبر الثورة الجزائرية وما أدراك بالثورة الجزائرية الأحداث ، لكنها اعترفت بحرب الجزائر ، وسوف يأتي اليوم الذي تعتذر فيه فرنسا للجزائر ، المستعمر( بكسر الميم ) هو المجرم ، وليس المُستعمر (بفتح الميم ) هو المجرم " .

وأكدت الدكتورة أونيسي على أن " أبناء الحركي لا ذنب لهم ليؤخذوا بذنب آبائهم، فهكذا الحروب، فيها المخلص، والعميل، والجزائر استقلت وانتصرت حتى على نفسها والأيام تدملُ الجراح ".

وكان وزيرُ المجاهدين محمد شريف عباس، قد صرح في مؤتمر صحافي، بأنه لا نستطيع مطالبة فرنسا بالاعتراف بجرائمها في الجزائر إبان الاحتلال، لأنه لو رفضت، سيحدث قطع العلاقات بين البلدين. وفُسر التصريح أنه لا يوجد طلب رسمي باعتذار فرنسا للجزائريين . غير أن المحلل السياسي عبد العالي رزاقي، وهو ابن شهيد في حديثه لإيلاف يرى أن " الاعتذار اعترافٌ فرنسي رسمي بالجزائر، وإذا لم تطلب السلطة الاعتذار لحسابات سياسية، فهناك جمعيات تطالب بذلك، منها جمعية 8 مايو ( أيار ) 1945 ، تطالب باسترجاع أموال الجزائر التي استولت عليها فرنسا خلال احتلالها للجزائر، ومعاقبة مرتكبي جرائم ضد الجزائريين، والاعتذار للجزائريين عن تلك الجرائم، وعدم الاعتذار يعني فرنسا لا تعترف بالجزائر ، ويوجد تيار قوي في فرنسا يطالب الحكومة الفرنسية بالاعتذار رسميا للجزائر ، في هذه الحالة يمكن أن تحدث مصالحة تاريخية، وأعتقد أن الرئيس بوتفليقة خلال زيارتـــــه لفرنسا في 15 من آب ( أغسطس) القادم سيلتقي الحركي، ويمكن آنذاك أن يُعلن عن مصالحة، تشمل الحركي، ولكن نحن كأسرة ثورية من أبناء الشهداء والمجاهدين نرفض المصالحة مع من ارتكبوا جرائم في حقنا من الجزائريين أنفسهم، وليس مع الفرنسيين، طبعا انتهت الحرب، واستقلت، فمن حق الفرنسيين أن يدخلوا الجزائر حتى لو كانوا من مرتكبي الجرائم في الجزائر، أما الجزائريون الأصل الحركي، ومازالت عائلاتهم هنا فإن عودتهم قد يسيء إلى الجزائر " وأكد رزاقي " أن الأمر لا يُعد انتهاكا لحقوق الإنسان بحرية التنقل، بل هناك فرق – حسب رأيه - بين حق مشروع للإنسان، وبين أناس ارتكبوا جرائم الخيانة العظمى، من حقنا أن نعاقبهم، بمتابعتهم قضائيا، فهؤلاء ارتكبوا جرائم وهربوا إلى فرنسا، ولو لم يرتكبوا جريمة خيانة الوطن ما هربوا لفرنسا ".

هذا واحد من الملفات الشائكة بين فرنسا والجزائر مستعمرتها السابقة، يسعى الطرفان لطي صفحة الماضي خدمة للأجيال القادمة.