واشنطن: بعد مضي أكثر من ستة أشهر من تقديمها للبرامج الباهتة ونشرات الأخبار الضعيفة، خرجت قناة الحرة التي تبث من واشنطن عن نمطيتها وفاجأت مشاهديها مساء الثلاثاء الماضي بحلقة ساخنة من برنامج ساعة حرة كانت بالفعل اسما على مسمى. اختارت الحرة أن تناقش موضوع قناة الجزيرة المثيرة للجدل واستضافت في استوديوهاتها بواشنطن الدكتور مأمون فندي كبير الباحثين في معهد السلام الأميركي فيما مثل الجزيرة حافظ الميرازي مدير مكتبها في العاصمة الأميركية ولكن كانت مشاركته عبر الأقمار الاصطناعية من استوديوهات الجزيرة في الدوحة قطر حيث كان موجودا هناك لحضور مؤتمر الجزيرة الإعلامي الذي تمخض عن ميثاق شرف إعلامي كان أحد محاور الحلقة المثيرة.

في تلك الحلقة التي قدمها الصحفي اللبناني نديم قطيش شن الدكتور مأمون فندي هجوما كاسحا تجاوز فيه كل الخطوط الحمراء كاشفا أوراقا لم تكن معروفة إلا لقلة محدودة من المشاهدين العرب.

واستخدم الميرازي استراتيجية الدفاع ولكن يبدو أنه فوجئ من لجوء فندي لاستخدام أسلحة الدمار الشامل التي لم يسلم منها شخص الميرازي نفسه ولا المحطة التي يمثلها بل ولا حتى الدولة التي تبث من أراضيها

وقد بدأ فندي هجومه على قناة الجزيرة بتقييمها من الناحية المهنية البحتة قائلا إنها تقول عن نفسها بأنها قناة الرأي والرأي الآخر ومنبر من لا منبر له وبالتالي فإنها من وجهة نظره ليست قناة إخبارية وإنما قناة رأي باعترافها في الشعار الذي ترفعه.

وتابع قائلا إن صحفيي الجزيرة لم يبذلوا أي جهد في أي سبق صحفي حققوه لأن ما يسمونه سبقا يأتي جاهزا على شكل بيان بجهاز الفاكس من جماعة مسلحة هنا أو هناك أو على شكل شريط فيديو لأسامة بن لادن أو جماعة التوحيد والجهاد أو غيرها ولا يكلف المحرر في الجزيرة من جهد سوى وضع الشريط في جهاز الإرسال أو قراءة نص البيان في نشرة الأخبار.

وعن دولة قطر تجاوز مأمون فندي كل الحدود بإثارته قضايا حساسة جدا في إمارة قطر لم تجرؤ أي مؤسسة عربية من قبل على إثارتها علنا لأنها لا تثير مشاعر السلطات القطرية فحسب بل تثير شجون المواطنين القطريين أنفسهم الذين مازال جزء كبير منهم يتحسرون على العهد السابق للإنقلاب الذي كانت قناة الجزيرة أبرز ملامحة.

لقد أثار مأمون فندي من على شاشة الحرة موضوع أمير قطر الأب واصفا إياه بالرجل الطيب الذي يفترض أن تستضيفه قناة الجزيرة في برنامج شاهد على العصر ليقدم مالديه من شهادة.

وتهكم فندي على الجزيرة قائلا إن أمير قطر السابق أصبح بلا منبر وبالتالي فإن على الجزيرة أن تتيح له الفرصة ليقول ما عنده بصفتها منبر من لا منبر له.

كما زعم فندي خلال الحوار أن دولة قطر دولة محتلة وليست حرة بسبب الوجود العسكري الأميركي فيها الذي قال إنه يتجاوز حجم الوجود العسكري الأميركي في العراق بالمقارنة بين عدد سكان قطر وعدد سكان العراق، وبالإضافة إلى ذلك فإنه تطرق إلى قضية إخراج بني مرة من قطر وقضية تغيير ولاية العهد في قطر وهما من قضيتان ذات حساسية بالغة لدى الحكومة القطرية وشعب قطر على حد سواء.

وفيما يتعلق بخصمه في الحوار ومواطنه حافظ الميرازي فقد شن عليه فندي هجوما لم يخلو من التعريض الشخصي كاشفا أن زوجة الميرازي تعمل في راديو سوا الأميركي وأن الميرازي نفسه عمل أكثر من خمسة عشر عاما في خدمة الحكومة الأميركية في إذاعة صوت أميركا بعد خدمته في صوت العرب.

وحاول فندي أن يوضح للمشاهد العربي أنه شخصيا وكذلك حافظ الميرازي يحملان الجنسية الأميركية ويسافران بجوازي سفر أميركيان وبالتالي فإن المزايدة ضد الولايات المتحدة فيها شيئ من النفاق والإزدواجية.

ومن جانبه رد حافظ الميرازي متهما مأمون فندي بالعمل مع البنتاغون لمدة عام كامل فلم ينكر ذلك فندي وقال إن عام واحد لا يساوي شيئا أمام خمسة عشر عاما، كما حاول الميرازي أن يدافع عن الجزيرة قائلا إنها ليست منحازة ضد الولايات المتحدة مستشهدا بالقول إن مشاهديها ملوا من كثرة ظهور بوش ورامسفيلد وباول في نقل حي ومباشر على الهواء من على شاشة قناة الجزيرة.

واتسم دفاع الميرازي بالانفعال قائلا إن مهمته ليست الدفاع عن دولة قطر لأنه لا يمثلها عارضا فكرة الاتصال بناطق من الخارجية القطرية للرد على اتهامات مأمون فندي، وحاول فندي من جانبه تصنع الانفعال ولكن كان من الواضح أنه حضّر للحلقة جيدا وكان انفعاله مفتعلا.

ولم ينقذ الميرازي والجزيرة وقطر سوى انقطاع الصوت عبر الأقمار الصناعية الذي أثار تساؤلات لدى المشاهدين عن مدى كفاءة القائمين على الحرة تقنيا ومهنيا إذ أن الميرازي مقيم بصفة شبه دائمة في واشنطن واختارت الحرة أن تدفع تكاليف للنقل المباشر بالأقمار الصناعية أثناء زيارته لقطر بلا أي مبرر منطقي ولو استضافت شخص آخر يمثل قطر أو قناة الجزيرة في مركزها بالدوحة لكان الأمر أكثر قبولا لدى المشاهدين.

ويبقى التساؤل المطروح عن أسباب الحدة والطرح الشديد اللهجة الذي ظهر فيه مأمون فندي على غير عادته في برامج كهذه وأسباب تبادله للتهم مع مواطنه حافظ الميرازي؟

توجهنا بالتساؤول ذاته لصاحب الشأن عبر الهاتف فرد على اتصالنا في وقت كان مجتمعا مع وزير الخارجية الأميركية كولن باول أثناء زيارة الأخير لمعهد السلام الأميركي في واشنطن فنفى فندي أن يكون قد تطرف أكثر مما يجب قائلا إنه لم يقل سوى جزء بسيط من الحقائق التي يعرفها مشيرا إلى أنه لم يبلغ مسبقا أن حافظ الميرازي سيشارك في الحلقة بل قيل له إن مدير عام الجزيرة وضاح خنفر سيمثل الجزيرة ، لكنه فوجئ بوجود حافظ في آخر لحظة.

ورفض فندي الإدلاء بتفاصيل أكثر متعللا بضيق الوقت الأمر الذي جعلنا نتوجه بالسؤال ذاته إلى أطراف أخرى من أصدقاء الرجلين فكشف أحد المصادر الذي طلب عدم الكشف عن هويته أن الدكتور مأمون فندي يعتقد أن القطريين استعانوا بحافظ الميرازي في شن حملة ضده في صحيفة الأسبوع المصرية ومنابر أخرى وأن فندي أراد الانتقام من الجتهين عندما أتيحت له الفرصة. وألمح المصدر ذاته إلى أن أحمد أبو صالح الذي كتب سلسلة مقالات لمهاجمة فندي في الأسبوع ما هو إلا اسم مستعار لحافظ الميرازي ذاته.

وقال مصدر ثان إن حافظ الميرازي حاول لدوافع شخصية إقناع الجهات القطرية أن مأمون فندي غير مؤثر في واشنطن فتبنت تلك الجهات الإساءة إليه الأمر الذي جعله يرد الصاع صاعين تارة عن طريق العلن على شاشتي سي إن إن وفوكس نيوز، وتارة أخرى من تحت الحزام عن طريق استغلال نفوذه لدى صناع القرار في العاصمة الأميركية

ولدى سؤالنا لمصدر ثالث عن تعليقه على الحلقة المشار إليها أجاب أنه لم يشاهدها لأن قناة الحرة لا يشاهدها العرب الأميركيين ولكنه سمع عن مضمونها من العاملين في الحرة مضيفا أن الحلقة المشار إليها نجحت بفضل المتحاورين أما مقدم الحلقة فقد كان عاجزا عن إدارة دفتها مستشهدا بسخرية عدد من زملائه العاملين في الحرة من سؤاله لحافظ الميرازي عن القيم التي يستحضرها في ذهنه أثناء توجهه يوميا للعمل في مكتب الجزيرة وهو الأمر الذي أتاح للميرازي أن يسخر منه قائلا إن القيم ليست حقيبة أحملها معي. واستهجن غرابة السؤال.

ويبقى القول هنا هل ستكون الحلقة المشار إليها بداية لتصعيد أكبر بين مأمون فندي وخصومه في العالم العربي أم ستضع حدا للمواجهة التي سيكون لها تبعات سياسية على أكثر من جهة وبالذات إذا فاز الديمقراطيون في الانتخابات الرئاسية القادمة بحكم أن رؤيتهم للمنطقة تتفق إلى حد كبير مع رؤية الخبراء العرب المقربين منهم.

وفيما يتعلق بقناة الحرة هناك تساؤول آخر هو هل ستكون تلك الحلقة بداية لتطور مهني أم ستؤدي إلى خنق الأصوات الداعية في القناة لمناقشة القضايا المحظورة في العالم العربي؟