علي اوحيدة من بروكسل: يخطط الاتحاد الأوروبي الى إطلاق شبكة فضائية باللغة العربية موجهة إلى العالم العربي والجاليات العربية والإسلامية المقيمة في دول الاتحاد كخطوة جديدة على طريق الترويج للسياسة والقيم الأوروبية في المنطقة و بغية احدث تقارب مع الرأي العام العربي.
ولكن المسألة تضل شديدة الحساسية ولن تحسم دون شك سوى بعد مؤتمر شراكة برشلونة المزمع عقده خلال شهر تشرين الثاني (نوفمبر) القادم .
وتدفع حكومات فاعلة داخل الاتحاد الأوروبي بالهيئات الاتحادية في بروكسل لاتخاذ مثل هذه الخطوة بالسرعة الضرورية وتكريس مخصصات مالية لها .

و يأتي التحرك من جانب دول محددة مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا ذات المصالح القوية في الشرق الأوسط وفي شمال إفريقيا والتي يعيش أيضا فوق أراضيها زهاء عشرة مليون من الرعايا المنحدرين من اصل عربي. وتقول مصادر المجلس الوزاري الأوروبي في بروكسل إن مثل هذه الفضائية الأوروبية الناطقة بالعربية قد تعوض عددا من مشاريع الحكومات الوطنية بإطلاق قنوات مماثلة وخاصة مشروع الفضائية العالمية الفرنسية والذي بلغ طورا متقدما من الإعداد .

وتخطط فرنسا للإنشاء قناة إخبارية باللغات الفرنسية والإنجليزية والعربية تضاهي قناة "سي آن آن" الأميركية ولكن طرح فضائية أوروبية سيحد من المشروع الفرنسي وسيجعل الأفكار والسياسات الأوروبية اكثر قبولا في المنطقة حسب خبراء الاتحاد الأوروبي. وتقول المصادر الأوروبية ان الاتحاد الأوروبي قرر منذ فترة مواجهة ما يمكن تسميته بالعجز الديمقراطي في العالم العربي من جهة وتجاوز الصورة السلبية وتحديدا بالنسبة لبعض من دوله من جهة أخرى.

ويبدو التحرك الأوروبي مرتبطا بشكل وثيق مع تحركات الإدارة الأميركية الحالية تجاه المنطقة ومشروع الإصلاح السياسي المعلن من قبل واشنطن منذ سنتين. ويرى المسؤولون الأوروبيون انه وعلاوة على وجود تنسيق أميركي أوروبي للتحرك الاعلامي في المنطقة فان إطلاق فضائية أوروبية باللغة العربية يستوجب استشارة ولو أولوية وديبلوماسية مع الحكومات المعنية . وتقول المصادر انه لم يتم تسجيل معارضة مفتوحة من قبل أية حكومة عربية تم الاتصال بها ضمن آليات التشاور ولكن المسالة تضل شديدة الحساسية ولن تحسم دجون شك الا بعد مؤتمر شراكة برشلونة المزمع عقده خلال شهر تشرين الثاني القادم على مستوى رؤساء الدول والحكومات.

وسيعقد المؤتمر على خلفية إحياء الذكرى العاشرة لانطلاق الشراكة الأوروبية المتوسطية وسوف يكرس في جانب كبير منه الى بحث سبل الدفع بالديمقراطية في المنطقة بعد فشل المحاولات المبذولة في هذا الاتجاه حتى الآن. وتريد بعض الدول الأوروبية وخاصة دول الشمال الأوروبي القلبية الارتباط بالمنطقة و ذات الثقل المالي الأكيد في تمويل الشراكة ان يخرج المؤتمر توصيات فعلية هذه المرة ويرسم أجندة للعمل الديمقراطي في الشرق الأوسط و شمال إفريقيا تمتد بشكل مفصل الى عام 2010 وكذلك اتخاذ مبادرة مثل إطلاق فضائية اوربية من شانها التعبير عن هذا التوجه الاستراتيجي الأوروبي.

ويعكف خبراء من المفوضية الأوروبية حاليا بدراسة الجانب الفني والعملي لمشروع إطلاق الفضائية الأوروبية العربية وتم وحسب المصادر تجاوز عدد من الإشكاليات لخاصة بتمويلها رغم وجود خلافات بين عدد من العواصم الأوروبية ورغم مأزق الموازنة الاتحادية القائم حاليا. ويقول أحد هؤلاء الخبراء إن الخلاف الرئيسي لا يتعلق بمبدأ إطلاق القناة الجديدة ولكن بالحجم المالي الإجمالي الذي سيكرس لها في نهاية المطاف وان عدة مصاعب لازالت قائمة(...).

وتأمل أوروبا ان تنقل مثل هذه الفضائية الأفكار والقيم والسياسات التي يتبنها الاتحاد بشكل مباشر للمشاهدين العرب والجاليات المقيمة في دول الاتحاد.
و ولدت هجمات السابع من تموز ( يوليو) الماضي في لندن شعورا بالإحباط لدى مختلف المسؤولين الأوروبيين بسبب اكتشافهم الهوة العميقة التي ازالت تفصل بين قطاع واسع من الرأي العام العربي والإسلامي وما يروجونه له في الشرق الأوسط والمتوسط. ويرى نفس خبراء المفوضية في بروكسل ان السنوات القليلة الماضية وتحديدا منذ تفجر أزمة الإرهاب كشفت العمق الاستراتيجي لوسائط الإعلام في توجيه السياسية. ويتوقع نفس الخبراء منافسة شديدة ستعترض لها أية قناة أوروبية موجهة وان تحديها قد يتمثل في تمكنها من تفجير جدل سياسي وحوار بين المجتمع المدني بشكل مستقل عن أية جهة عربية خلافا للقنوات القائمة حاليا.

وتواجه الأوساط الأوروبية إشكالية تجنيد المشرفين والعالمين في هذا التحرك الإعلامي حيث أثبتت تجربة القسم العربي لشبكة يورونيوز حدود الخبرة الأوروبية في هذا المجال وشح المورد المالية والبشرية على حد سواء. وكرست أوروبا عام 1990 مبلغ 3 مليون يورو للقسم العربي لشبكة يورونيوز والتي أغلقت أبوابها بعد عامين فقط من تقديمها لبرامج محدودة التأثير.ويردد مسئولو يورونيوز حاليا انهم على استعداد لمعاودة المغامرة ولكن وبوسائل افضل وانهم يفاوضون عددا من الشركاء في هذا الاتجاه. ومن المتوقع ان يعقد خبراء أوروبيون ومتوسطيون اجتماعا خاصا يوم الثامن من شهر تشرين الثاني نوفمبر المقبل للتوصل الى أرضية اتفاق حول هذه المسالة والتي تثير حساسية العديد من الحكومات العربية حاليا وقبل أن تتجسد على ارض الواقع.