ازدهار اقتصادي متصاعد واستقرار سياسي لافت:
السعودية تضع قدميها على طريق 2006

سلطان القحطاني من الرياض: وسط ازدهار اقتصادي متصاعد واستقرار سياسي لافت تمضي المملكة العربية السعودية إلى العام الجديد بخطىً واثقة عبر ساقين ثابتتين تستندان على مجريات الحقبة الملكية الجديدة التي دشنها العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز وقت اعتلائه سدة الحكم في أوائل أغسطس الماضي،وذلك الصعود المتواتر لأسعار النفط الذي تستحم به المملكة السعودية عبر مخزونها النفطي الذي يبلغ ربع الإنتاج العالمي وأسهم في ارتفاع فائض الميزانية السنوية لكافة قطاعات الدولة.

ووفقاً لما يراه اقتصاديون ضليعون واكبوا أحداث الطفرة الأولى في المملكة الغنية بالنفط فإن ما يجري الآن اقتصادياً شبيه بحقبة الطفرة الأولى على حد ما يصفون في أرض الواقع.إلا أنه ليس شبها تاماً،ومرد ذلك إلى الاهتمام المتصاعد من قبل دوائر صنع القرار العليا في السعودية بالاستفادة من الارتفاع العارم في أسعار النفط لتوظيفها في خطط التنمية المستقبلية،والتي تكلل آخرها بالإعلان عن إنشاء مدنية الملك عبد الله الاقتصادية بقيمة قاربت الستة وعشرين مليار دولار.

وأسهم الانتقال السلس للسلطة بعد وفاة الملك السعودي الراحل فهد بن عبد العزيز في تهيئة الأرضية اللازمة للتسريع بوتيرة الإصلاحات في المملكة المحافظة بعد أن قطعت شوطاً كبيراً تكلل بإجراء أول انتخابات بلدية للمرة الأولى في تاريخها أستثني النساء من المشاركة فيها،إضافة إلى استمرار سلسة جلسات الحوار الوطني الذي جمع السعوديين بكافة أطيافهم على طاولة واحدة للتحدث بصراحة عما يموج به مجتمعهم من حراك حي.

وفي أول تلويحتين سياسيتين من لدن الملك السعودي الجديد عبد الله بن عبد العزيز أقر الإفراج عن خمسة سجناء سياسيين كان سبق وأن صدرت بحقهم أحكام سجن تتراوح من 6 إلى 9 سنوات،أربعة منهم أدينوا بدعوتهم إلى الملكية الدستورية كبديل لنظام الحكم الحالي،وآخر حوكم بسبب تأييده للعمليات الإرهابية التي طالت المملكة العربية السعودية منذ الثاني عشر من أيار مايو عشية استهداف مجمعات سكنية يقطنها غربيون،وهي دشنت بذلك مسلسل العنف في المملكة التي تنتهج المنهج الديني السلفي في إدارة شؤون الحكم.

وكانت التلويحة الأخرى تجاه البعد السياسي العربي في الصميم حين أقر الإفراج عن خمسة ليبين بينهم عناصر في الاستخبارات الليبية ألقي القبض عليهم عشية الكشف عن مخطط ليبي لاغتياله حين كان ولياً للعهد،وجاءت الخطة على خلفية التلاسن الذي تم بينه وبين الزعيم الليبي في القمة العربية التي احتضنتها شرم الشيخ،كشفت عن تفاصيلها دوائر غربية ألقت القبض على أحد العملاء الليبيين المتورطين في أهم فصول المخطط.

وقام الملك السعودي الجديد بإعادة رسم خارطة المناصب المقربة من القصر الملكي بإجراء ثلاث تغييرات طالت رئاسة المراسم الملكية والحرس الملكي والديوان الملكي،مفسحاً المجال أمام الكفاءات الشابة التي كانت تضطلع بمهام ذات حساسية مُطلقة إلى جواره منذ أن كان ولياً للعهد،لعل من أبرزهم رئيس الديوان الملكي الحالي خالد التويجري الذي يعد من أبرز رجالات الحقبة الملكية الجديدة بعد أن اكتشف الملك مواهبه وجرأته.

وبعدها أعاد الملك عبد الله بن عبد العزيز تشكيل مجلس الأمن الوطني ليتولى الأمير بندر بن سلطان أمانته العامة بعد أن قدم استقالته من تولي سفارة بلاده لدى واشنطن لأكثر من عقدين كان خلالها السفير الأكثر حظوة عند الزعماء الأميركيين الذين تعاقبوا على كرسي البيت الأبيض،ما جعل quot;البندريينquot; ndash; وهم محبو الأمير ومعجبوه - يتفاءلون بخطوات أكثر تفعيلاً لمجلس الأمن الوطني استناداً على ما يمتلكه الأمير السعودي من خبرات متراكمة في مجال الشؤون الدولية والإستخباراتية.

وكذلك تم شغر منصب رئاسة الاستخبارات السعودية بتعيين الأمير مقرن بن عبد العزيز خلفاً للأمير نواف الذي ترك منصبه بعد أن تردت حالته الصحية وتحوّل إلى مستشارٍ خاص للملك عبد الله،في حين تم تعيينه ابنه الأمير محمد بن نواف سفيراً للمملكة العربية السعودية لدى بلاط سانت جيمس في بريطانيا العظمى بعد أن كان يشغل كرسي السفارة السعودية في روما،تلتها عدة تغييرات أخرى في كراسي السفارات السعودية المنتشرة حول العالم.

وقد يكون عام 2006 هو عام السعد بالنسبة إلى المرأة السعودية بعد أن حققت في العام السابق عدة مكاسب على الرغم من إقصاءها من الترشح أو الانتخاب في انتخابات المجلس البلدية في السعودية،من خلال حديث الملك عبد الله بن عبد العزيز التلفزيوني الأول مع المذيعة الأميركية الشهيرة باربرا والترز الذي قال فيه إن قيادة المرأة السعودية للسيارة أمرٌ يحتاج إلى الوقت،بينما استقبل في وقت لاحق وفدين نسائيين في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ المملكة العربية السعودية.

أما على الصعيد الأمني فقد استطاعت القوى الأمنية السعودية إلحاق الهزائم المتلاحقة بقادة الفرع السعودي لتنظيم القاعدة الذي يشن أعمالاً إرهابية منذ أزيد من ثلاثة أعوام،مسببةً له نوعاً من quot;الاضمحلال التدريجيquot; كما يرى المراقبون المخضرمون للشؤون الأمنية،فاقداً بذلك فاعليته على الساحة السعودية نتيجة اليقظة الأمنية التي يقودها الأمير السعودي الذي قلم أظفار القاعدة الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية السعودي منذ أكثر من ربع قرن.

وكان آخر الإنجازات وقتاً تولي الملك السعودي زمام القمة الإسلامية الطارئة التي دعا إليها واحتضنتها مكة المكرمة مهد الإسلام تم فيها تجمع أكثر من ثلاثين زعيم دولة تحت سقف واحد،أقر من خلالها تطبيق خطة عشرية تستهدف إعادة ترتيب البيت الإسلامي والنهوض به من جديد،ليكون لاعباً مؤثراً على الساحة العالمية استنادا على ما يمتلكه من ثروات وصفات مهيأة للقيام بأدوار أكثر أهمية على المسرح العالمي.

وساعد الملك السعودي في الرمق الأخير من العام المنصرم على فرج أزمة تتصاعد فصولها ما بين الحكومة السورية والمجتمع الدولي بعد أن توصل إلى إقناع قادة خمس دول بالموافقة على أن يتم استجواب ضباط سوريين طُلب التحقيق معهم في حادثة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري على أرض سوى الأرض اللبنانية،إضافة إلى المقترحات الفاعلة التي حملتها الحكومة السعودية إلى دول الخليج تتعلق بإعادة تشكيل خارطة قوات درع الجزيرة التي تقف على البوابة الشمالية للخليج.