علي محمد مطر من إسلام آباد: بلد كافغانستان يشتهر بعقود من المواجهات الدموية التي ان لم يجد سببا لها فانه يختلقه، فهل لديه الكثير ليظهره في عامه المنصرم الا استمرار المواجهات المسلحة والهجمات الانتحارية ndash; الجديدة عليه نسبيا- وعمليات الاختطاف وارتفاع معدلات الجريمة بشتى اشكالها. اما الاقتصاد الذي انتعش انتعاشة لا مثيل لها بعد اخراج طالبان عنوة من السلطة فانه لا يزال اقتصاد بلد فقير معدم بل وافقر اقتصاد في العالم كما تفيد تقارير البنك الدولي. غياب الاستقرار السياسي امر عادي وسط تناحر الجميع على المناصب القليلة المتاحة وهو ما مؤداه ان المناطق خارج العاصمة كابل هي مناطق غير متاحة للزائرين بالسهولة الواجبة أي انها مناطق لا يمكن الذهاب اليها.

رغما عن كل هذا تمكن الأفغان من عقد انتخابات ديموقراطية في سبتمبر الفائت والتي ادت الى وصول امراء الحرب المخضرمين؛ وقادة المجاهدين السابقون؛ وبارونات تجارة المخدرات المتنفذين سواء لدى السلطات الافغانية او لدى القوات الدولية المتمركزة في افغانستان وبدون هذا النفوذ لا يمكنهم انتاج وتسويق الاطنان الكبيرة من المخدرات الى العالم. والجديد في عام 2005م هو ان الافغان استطاعوا ان يدفعوا بعدد كبير من نسائهم الى البرلمان في سابقة غير معهودة على هذا الشعب الذي يبالغ ايما مبالغة في المحافظة على تقاليده وعاداته القديمة التي تشكل في جوهرها مخابئ حصينة تلوذ اليها المراة الافغانية لحماية عرضها وشرفها والتي تطالب الحداثة الجديدة بافغانستان الى نبذها او على الاقل اعادة تشكيلها. سجلات بعض اعضاء البرلمان الجديد الذي ادى القسم في نهاية العام وكأن القائمين عليه قد حرصوا حرصا شديدا على لصقه بعام 2005م؛ سجلاتهم لم تكن بدون شوائب او حتى شوائب كثيرة لا يمكن ازالتها، الا ان الاحتجاجات على هذه الشوائب قد تم اخمادها والتغاضي عنها.

ولا توجد الاحزاب السياسية بصورتها الحقيقية بهذا البلد ومعظم المشاركين بالانتخابات يحملون بطاقات المستقلين ولهذا فان البرلمانيين الجدد وبمختلف توجهاتهم قد منحوا الرئيس الافغاني حامد كرزاي دعمهم وتاييدهم الذي لا شائبة فيه ولا تردد. والرئيس كرزاي الذي يتمتع بدعم امريكي كامل وبتواجد قوات امريكية لحماية نظامه لم يتمكن من التعامل مع تجدد عمليات التمرد التي تقودها حركة طالبان في عدة اجزاء من البلاد. فتواجد افراد حركة طالبان قد ظل بارزا للعيان على الرغم من قتل الكثير من مؤيديها ومقاتليها في المداهمات المختلفة ndash; قتل منهم 76 مقاتلا في غضون ايام قليلة من شهر يونيو الماضي ndash; وهم لا يزالون يشكلون تهديدا حقيقيا له. ولكن من غير المحتمل ان تكون حركة التمرد هذه متمتعة بدعم شعبي من سكان افغانستان الذين يرغبون في التفرغ للانشطة التجارية والاقتصادية. حيث ان تهديدات الحركة للناخبين بالامتناع عن التصويت لم تلقى اي تجاوب يذكر.

ومما ياسف له الافغان ان العراق قد احتل الصدارة في صفحات الاخبار المحلية والاقليمية والدولية وان اوضاع افغانستان قد انسحبت للصفحات الداخلية او انها غابت بالكامل ولم تعد تذكر. فالعالم لم يعد يكترث بعودة افغانستان لاوضاع الاستقرار طالما ان هناك مشكلة اكبر في مكان اخر. فقصص الامل الافغانية الواعدة مثل تولي السيدة حبيبة سورابي لمنصب اول حاكمة لاقليم باميان بوسط افغانستان لم تحظى بالتغطية الاعلامية المناسبة حيث تحتل مكانها قصص اختطاف الاجانب مثل الايطالية كليمنتينا كانتوني او قصص قطع رؤوس الضحايا هنا او هناك من افغانستان. كما ان الحدث الرئيسي الذي وجد طريقه لصفحات الاعلام هو المظاهرة العنيفة التي انطلقت بمدن افغانستان بعد قيام مجلة النيوزويك الامريكية بالكشف عن قيام الامريكان بتدنيس القران الكريم في معسكر غوانتينامو. قتل في هذه المظاهرات اربعة اشخاص واصيب سبعون اخرون بجروح. كما ان مشاعر الغضب قد اجتاحت الشارع الافغاني عندما قامت محكمة عسكرية امريكية في سبتمبر الماضي باصدار عقوبات خفيفة على اربعة من الجنود الامريكيين لقيامهم بالاعتداء جنسيا على سجناء افغان في قاعدة باتغرام في عام 2002م وهو الامر الذى استدعى قيام حكومة الرئيس كرزاي بالاعراب عن صدمتهما من الاحكام المتساهلة ضد الجنود الذين ارتكبوا الفعل الشائن. وهذه ليست المرة الاخيرة التي يسيئ فيها الجنود الامريكان معاملة السجناء ويتعرضون للانتقاد بسببها في افغانستان فقد تعرضوا للانتقاد قبل شهرين لقيامهم باحراق جثث اثنين من مقاتلي طالبان.

وعلى الرغم من الفظائع التي ارتكبها نظام طالبان ضد المراة في سنوات سيطرته على افغانستان الا انه تمكن من تقليص مخاطر المخدرات والتقليل من انتاجها. وبمجرد اختفاء نظام الحركة عاد المزارعون الافغان الى زراعة الافيون والحشيش. ولم تفلح المعونات الدولية في ثني الافغان عن انتاج المخدرات ndash; امريكا لوحدها تعهدت بضخ 780 مليون دولار في يناير الماضي لمكافحة المخدرات في افغانستان. فهذا البلد لا يزال ينتج 90 بالمائة من الافيون وتبلغ تجارة المخدرات 60 بالمائة من الاقتصاد الافغاني. وعلى الرغم من ان الرئيس الافغاني قد تعهد بمواجهة مخاطر المخدرات الا انه لا يستطيع المضي في هذا الاتجاه بالقوة المطلوبة لان ذلك بهدد بتوسيع دائرة الفقر بالمجتمع الافغاني. ويتضح تقلب السياسات بافغانستان من تحالف طالبان مع مهربي المخدرات بولاية هيلمند لكي يحصلوا على بعض الاموال التي يواجهون بها حكومة كرزاي. فالناس لم ينسوا بطش حركة طالبان التي قام مقاتلوها ndash; حسب مزاعم الحكومة - في شهر ديسمبر بلصق الاوراق التي تأمر الناس بزراعة الحشيش والا فان عليهم مواجهة الموت.

quot;زراعةquot; الديموقراطية بافغانستان جعلت احوال النساء تتبدل بطريقة واضحة خلال عام 2005. فقد ادى الدعم الاميركي الى جعل المراة الافغانية تطرح جانبا تقاليدها القديمة وتخرج على الملأ وتدخل في دواوين الحكومة واروقتها. 582 امراة شاركن في انتخابات 18 سبتمبر البرلمانية وهو امر لم يكن بالامكان تخيله قبل بضعة اعوام في هذا البلد المحافظ عندما كانت اولئك النسوة ممنوعات من التعليم ومن العمل لمجرد كونهن نساءا، وممنوعات حتى من اي صنف من اصناف الحرية. الامر تبدل في عام 2005 واصبح لدى هذه النسوة قدرا كافيا من الشجاعة لكي يضعن اسمائهن على قوائم المرشحين. هذا الامر جعلهن يتعرضن لتهديدات طالبان بقتل اي امراة ترشح نفسها لمنصب حكومي وهذا فيه ما فيه من التناقض لان الحركة تأسست اصلا على يد حكومة باكستانية كانت تراسها امراة هي بينظير بوتو في منتصف تسعينات القرن الماضي!

ولكن هذه التهديدات لم يكن لها ادنى تاثير على الافغانيات اللاتي يرغبن في ان تعلو اسماؤهن في سماء التغيير الافغاني الشامل الذي نقلهن الى مواقع المنافسة بالانتخابات الرئاسية و الى منصاب حكام الاقاليم والى الوزارات ونقلهن كذلك الى عضوية البرلمان باعداد كبيرة وبعضهن اصبحن يعملن سائقات لتاكسي الاجرة بعد ان اصبحت قيادة السيارة امرا مالوفا للنساء في مدن افغانستان البعيدة عن متناول حركة طالبان....