مبادرة عربية لإنقاذ ماء الوجه السوري
الاستقرار مطلب لبناني ايضاً ويجب اخذه في الاعتبار

بلال خبيز من بيروت: لا تكف المعلومات الواردة من الرياض والقاهرة عن ابداء قلق العاصمتين الكبيرتين في العالم العربي، او ما تبقى منه قيد التفاعل مع العالم، حيال الوضع في سوريا ولبنان. ويذهب اهل الرأي وصناع القرار في العاصمتين إلى بذل كل الجهود الممكنة لتجنيب سوريا مصيراً مشابهاً لمصير العراق. اي انفلات الفوضى ما قبل الدولتية من عقالها، وتعريض المجتمع السوري، شعباً وبقايا دولة، إلى اسوأ سيناريوهات التفكك الممكنة. والحق ان هذا القلق يقع في محله تماماً. فمثل هذا السيناريو ينذر بنتائج كارثية لو تحقق على مجمل اوضاع المنطقة العربية. لذلك تحرص العاصمتان على فعل كل ما يمكن فعله، واستخدام تأثيرهما وعلاقاتهما عربياً وعالمياً ولدى الدول الكبرى وعواصم القرار العالمي في سبيل تجنيب سوريا المصير الأسود الذي يلوح في أفق مستقبلها القريب.

لكن المبادرات العربية، المصرية السعودية خصوصاً، لا تلاقي ترحيباً تاماً في لبنان على اقل تقدير. فمثل هذه المبادرة الهادفة إلى تجنيب النظام السوري اراقة ماء وجهه، لا تأخذ في اعتبارها ما قد يترتب على هذا الإنقاذ من نتائج خطيرة على لبنان، لن تكون المنطقة العربية في منأى عنها في طبيعة الحال. حيث لا تكف الإدارة السورية عن محاولة التلاعب في لبنان ومصيره، في الأمن والسياسة والاقتصاد، ( لنتذكر صفوف الشاحنات الطويلة على الحدود اللبنانية السورية بعد الانسحاب السوري من لبنان )، في سبيل التفلت من احكام التحقيق الدولي وما سيؤول إليه من نتائج، وما يتركه من مفاعيل على الوضع السوري عموماً ووزن سوريا الإقليمي خصوصاً، على ما ذهبت quot;النشرةquot; اللبنانية التي توزع على المهتمين في لبنان، وفقاً لتقارير دبلوماسية غربية. ولا يوارب الرئيس السوري بشار الأسد في رغبة النظام السوري في لعب اي دور خارج الحدود السورية، حتى لو كان الدور انتشاراً عسكرياً سورياً في العراق. فبالنسبة لهذا النظام، وكما نعرف جميعاً، فإنه لا يستطيع الحياة إلا بدماء مستعارة. فهو يكتسب لحمته وسداها من ادواره الخارجية ومن تضخمها في المنطقة، ليجنب الدتخل السوري هزات كبرى لا يستطيع بهشاشته المزمنة احتمال نتائجها.

تنطلق المبادرات السعودية والمصرية من مصلحة قومية عموماً. ولا شائبة في هذا الدور الذي تقترحه، لكن قيادات لبنانية معارضة لا تزال ترى ان ليس من الحصافة بمكان ان ترتق المبادرة العربية فتقاً في سوريا، لتفتح جرحاً في لبنان. والحق ان المطالبة باستكمال التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وكشف المتورطين والقتلة، وعدم السماح بأن يفلت المتورطون من العقاب، ليست إلا مطالب الحد الادنى بحسب هذه القيادات، التي يمكن ان يقوم عليها مجدداً اي امكان لتضامن عربي من نوع ما. فليس من قبيل التجني ان يطالب اللبنانيون، ودائماً بحسب هذه القيادات، بكشف المتورطين في جريمة الاغتيال ومعاقبتهم. ذلك ان الضحية كان زعيماً عربياً بارزاً، والسماح بتمرير مقتلته واغتياله من دون عقاب يجعل القتل سلاحاً فتاكاً لا يطاول المعارضين العاديين لسياسة القاتل في لبنان وحسب، بل قد يطاول زعماء وقادة في طول العالم العربي وعرضه. وهذا امر في حد ذاته يجب ان يكون كافياً وحاسماً يردع اي كان عن التفكير في التهاون مع النظام السوري في موضوع التحقيق الدولي واشتراطاته.
من ناحية ثانية، لا يستطع اللبنانيون، معظمهم على الاقل، ان يقدموا استقرار سوريا على استقرارهم، او ان يدفعوا في السياسة والاستقرار ثمن اخطاء القيادة السورية، وسوء فهمها تقديراتها للمتغيرات الدولية على ما صرح علناً احد اركان النظام السوري البارزين، وصانع سياسة سوريا الخارجية على مدى اكثر من ثلاثة عقود. وهذا مما لا يستطيع لبنان ان يتحمله لا طاقة ولا عدالة ولا إنصافاً. إذ ليس من رابطة عروبية يمكن ان تبنى في لبنان، تجعل الموت استشهاداً وغيلة من واجبات اللبنانيين، والانتصارات وتثمير الدم المراق لبنانياً في علاقات دلبلوماسية ناجحة من اختصاص وحقوق غيرهم. بل يذهب البعض إلى أكثر من ذلك. فحين يطالب السيد وليد جنبلاط ويصر في مطالبه على ترسيم الحدود مع سوريا قبل البحث في موضوع سلاح المقاومة، فإنه يريد القول انه ليس من المنصف، عربياً ودولياً وسورياً وعلاقات اخوّة وتعاون، ان تكون مزارع شبعا لبنانية طالما انها محتلة، وتصبح سورية ما ان يتم تحريرها.

لكن هذه المطالب والملاحظات على اهميتها البالغة لا تقف عند هذا الحد. فتذهب القيادات اللبنانية المعارضة إلى التحذير من ان ضرب الاستقرار في لبنان لحساب تمتينه في سوريا قد يؤدي إلى نتائج وخيمة تصيب العالم العربي من اقصاه إلى أقصاه شظاياها المدمرة. وان صرف النظر عن معاقبة العابثين باستقرار لبنان قد يؤدي إلى جعل هذا البلد مرة أخرى بوابة لكل رياح الأرض. وان الدور السوري في مجال زعزعة استقرار البلد لم يعد خافياً على احد. فكيف تستقيم مبادرة لرأب الصدع بين العرب، من دون ان تلحظ هذه المبادرة ان الاستقرار ملح في الجانبين؟ وان لبنان المهمل والمهمش والصغير لطالما ادى في عدم استقراره ادواراً اقليمية خطيرة، من مراكز تدريب عبدالله اوجلان في البقاع، إلى الحرس الثوري الإيراني الذي لا يزال بعض عناصره في لبنان، والشواهد لا تحصى في هذا المجال. وترى هذه القيادات، من جهة أخرى، ان مطلب معاقبة المتورطين في جريمة اغتيال الحريري، لا يدخل ضمن استهداف استقرار سوريا والمنطقة، بل هو مجرد حق من الحقوق اللبنانية التي لا مجال للتهاون فيها، وما دام النظام السوري يصر على براءته من دم الحريري، فن يكون ثمة ما يستوجب كل هذا الذعر من تحقيق دولي نزيه وغير منحاز، وإذا ما اثبت التحقيق تورط النظام في الجريمة فليس ثمة من سبب يدعو المتمسكين بالرابطة العروبية إلى القبول بهذهؤ المعادلة التي تجعل اغتيال الزعماء امراً يمكن التهاون فيه على مذبح استقرار مزعوم، وبحجة ان التهاون في معاقبة المسؤولين عن الجريمة من شأنه ان يجنب المنطقة خضات لا تستطيع الصمود في مواجهتها.

وتستسخف هذه القيادات الحديث عن تسييس التحقيق. إذ ليس ثمة من مجال لعدم تسييسه، فالقتيل كان رئيس وزراء، ورجل دولة بارز له وزنه في لبنان والعالم، وجريمة اغتياله هي جريمة سياسية بامتياز. اما الحديث عن انحياز دولي ضد سوريا وحزب الله وسلاح المقاومة فلم يعد يقنع احداً، بعد صدور القرار 1644، حيث لم يكف القادة السوريون واتباعهم من اللبنانيين عن التصرف بما يوحي ان الانحياز الدولي كان في صالح قوى 14 آذار قبل القرار واصبح في صالحهم وعمدوا جهراً إلى استغلال ارتخاء القبضة الدولية إلى ابعد حد. فكيف يكون المجتمع الدولي منحازاً حين يكون ضد سوريا، ويصبح عادلاً حين يكون ضد خصومها في لبنان؟ والحق ان ليس ثمة من مراقب اليوم يمكنه ان ينكر ان وقائع الأزمة الحكومية الاخيرة في لبنان إنما دقت طبولها وعزفت نشيدها الناشز على ايقاع القرار الدولي الاخير.