سلامٌ عليك يا أمير
عندما تكتب عن جابر الاحمد لا يمكنك ان تكتب بالحبر بل الدمع، بالوفاء، بأسى الشعور باليتم... تكتب عن صورة ملتصقة بوجدان الكويتيين رسمت تفاصيلها يوما بعد يوم لحظات فخر ومجد وعز وألم،حتى اذا ما اكتملت الصورة كان وجه صاحبها المبتسم دائما يخفي خلف وجنتيه تعب العمر.
وكيف تكتب أساساَ عن جابر الخير وبأي لغة وأسلوب وطريقة؟
عن الرجل الذي كانت الكويت ديوانيته العامرة، يعرف اهلها فردا فردا ويسأل عن أمورهم وصغارهم وشيابهم؟ عن الأمير الذي يصفق له أطفال المدارس وهو يتفقدهم بين الفينة والأخرى متابعا بنفسه تطور الثروة البشرية؟ عن quot;أبومباركquot; الذي ما قصده طالب حاجة وعاد خائباً؟ عن البطل الذي تستذكره الكويت الحرة في كل وردةٍ فوق رؤوس المحررين وكل يباب أطلقته النسوة فرحاً وكل هتاف إستقبله لدى معانقته تراب الوطن؟
كيف تكتب عن تلك القامة التاريخية التي سبقها حضور المهابة،عن التعب الذي أودعناه إياه فهد عافيته ولم يضعف عزيمته على الإستمرار والعطاء... هو جابر الكويت بكل أفراحها واتراحها، جابر الديرة، جابر العثرات، الحكيم قبل أن يكون حاكماَ، الوالد قبل أن يكون قائداً، الرمز، العز، الفخر، مدرسة الوفاء للكويت والكويتيين ورفاق المسيرة.
اكتشف قبل غيره أن ثروة الكويت الحقيقية فوق الأرض لا تحتها، مجسدة بإنسان.
تنسّك في محراب التنمية معتبراً أمانة الأجيال القادمة أغلى الأمانات.
هزت دمعته من أعلى منبر دولي ضمير العالم فوقف قادته يصفقون لمحارب أعلن أنه لن يغمد سيفه قبل استعادة ديرته.
حمل كويته في عباءته يوم حاول الغدر تغييبها وفرد مساحتها على امتداد الكرة الأرضية زارعاً إياها في خرائط العالم بعدما اعتقد البعض أنها أزيلت من خرائط المنطقة.
ربان سفينة وجدت نفسها في بحر متلاطم الأمواج تعصف به الريح شرقاً وغرباً فقادها بحزم وحكمة واقتدار وكاد يدفع روحه ثمناً لمسؤولياته يوم امتدت يد الشر إلى موكبه لكن يد الله كانت أرحم.
الرجال الرجال أكبر من مناصبهم، وجابر الأحمد تكبر بهم ولا يكبرون بها، تثقل السنون أكتافهم من كثرة العطاء خدمة للوطن والمواطن لكنها لا تحنيها، تحملهم مسؤولية الريادة والمواجهة والتصدي فيقبلون على الواجب في أصعب الظروف ويخرجون من الإمتحان بكرامة وعزة وعنفوان وجبين عالٍ لا ينحني إلا صلاة لله عز وجل.
الرجال الر جال أكبر من مناصبهم، كان شقيقاً وصديقاً ووالداً لجميع الكويتيين، وكان جندياً محارباً من أجل إستقلال وسيادة ومنعة وعزة الكويت، وكان رجل دولة يعرف أين يتخذ القرار ومتى وكيف، ورجل وفاق وتوافق يعتصم في محراب الوحدة في أصعب الظروف ولا يسمح لأي عامل تفرقة أن يرى النور.
الرجال الرجال أكبر من مناصبهم. لم يقصده طالب حاجة ورده، لم يقفل باب بيته أمام مظلوم أو محتاج أو سائل عدالة، لم يوفر جهداً إلا وبذله... من إصلاح ذات البين بين بلدين عربيين إلى إصلاح ذات البين بين تاجرين كويتيين شريكين أو حتى بين شقيقين مختلفين.
الرجال الرجال أكبر من مناصبهم وجابر الأحمد في المقدمة دائماً، اعطى حتى تعب منه العطاء، وقدم دروسا في وحدة الصف والتوافق في أصعب الظروف تعلم منها كثيرون وصعب على قلائل استيعاب مراميها، كان يعطي وفي الوقت نفسه يزيل أي عثرة من أمام تسيير البلاد بالشكل الأفضل، حسبه تاريخه الكبير في قلب كل كويتي وفي ضمير كل كويتي وفي وجدان كل كويتي.
جابر الخير... حان وقت الرحيل، وقت مواجهة الصباحات من دون إبتساماتك وحكمتك ورأيك وقراراتك، حان وقت الحقيقة، حقيقة أن الفارس ترجل بعدما أوصل السفينة إلى شاطىء الأمان متحملاَ ما لم يتحمله مسؤول في مكانته. كان ثابتاَ في كل المحن كالصخر وفي صدره حزن يموج كموج البحر، كأنه لا يريد للكويتيين أن يفقدوا الأمل والرجاء.
جابر الخير... حان وقت الرحيل، تغادرنا والكويت على كتفيك، مرسومة في عينيك، محبوسة في دمعك، محفورة في قلبك، مزروعة في نبضك.
سلامٌ عليك يا أبا مبارك، سلامٌ عليك يا أمير.
جاسم بودي
رئيس تحرير جريدة quot;الرأي العامquot; الكويتية
التعليقات