جمهورية المتقاعدين وعجائز المعارضة والحكومة
تقارير ترصد تراجع اهتمام المصريين بالشأن العام

نبيل شرف الدين من القاهرة : على الرغم من الوجوه الشابة التي حملت حقائب وزارية في التعديل الأخير للحكومة المصرية، غير أن القابعين في الصفوف الأولى من دوائر السلطة المصرية، والوزارات السيادية ما زالوا يصنفون تحت لافتة quot;الحرس القديمquot; الذي يهيمن على مفاصل الجهاز الإداري ومؤسسات الحكم في البلاد، واللافت هنا أيضاً أن قادة المعارضة بأحزابها ومختلف كياناتها يمكن إدراجهم تحت هذا الوصف، فمن أقصى اليسار إلى أكثر الجماعات يمينية، ومن الأحزاب التي تحظى بالمشروعية إلى الجماعة المحظورة quot;الإخوان المسلمونquot;، يجلس على قمة كل حزب وحركة رجال تجاوزوا السبعين والثمانين من أعمارهم، في الوقت الذي تؤكد فيه الإحصائيات الحكومية والدولية أن ما لا يقل عن سبعين بالمائة من المصريين تقل أعمارهم عن 35 عاماً. وفي هذا السياق فقد كشف تقرير التنمية البشرية الأخير عن تراجع المشاركة السياسية في الانتخابات البرلمانية في مصر، واعتبر التقرير الذي أعدته وزارتا التنمية والتخطيط، بالتعاون مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، أن أهم أسباب التراجع هو ضعف وصورية الإجراءات الإصلاحية السياسية، الدافعة إلى المشاركة في العمل العام والانخراط في اللعبة السياسية بجدية .

فشل الأحزاب
واتهم تقرير برلماني كافة الأحزاب السياسية المصرية بالفشل في التواجد الحقيقي على الساحة بسبب عدم حضورها الفاعل في صفوف الجماهير، لارتباط تلك الأحزاب منذ نشأتها وفي أحوال ازدهارها أو تراجعها، بأشخاص مؤسسيها، وليس ببرامج سياسية واقتصادية واجتماعية قابلة للتطبيق على أرض الواقع .

كما انتقد التقرير محدود التوزيع، والذي حصلت (إيلاف) على نسخة منه، انتشار الفردية وارتفاع معدل الجريمة وجنوح قطاعات من الشباب إلى الإدمان والجريمة، فضلاً عن تفاقم حدة مشكلة البطالة وطغيان البيروقراطية على الشؤون السياسية، والذي يبدو واضحا في علاقة الأجهزة الإدارية بالمجالس المحلية .

وكشف التقرير عن اهتزاز مفهوم العدالة في عيون الشباب وعدم المساواة في تطبيق القانون وقصور إمكانات الدولة عن توفير الاحتياجات الأساسية للمواطن كالمسكن والغذاء والرعاية الصحية، ودعا إلى تضييق الفجوة بين المواطن والدولة وزيادة اللحمة بين الطرفين .

وفي سياق قريب جاء تقرير اللجنة الدينية في البرلمان مؤكداً ضرورة التركيز في الخطب الدينية والدروس والندوات على القضايا التي تشغل بال الجماهير ومعايشة قضايا العصر ومتطلبات البيئة والأحداث الراهنة ومعالجتها بالحكمة والموعظة الحسنة، مع ضرورة مراعاة أن تكون المنابر الدينية مرآة لما حوته الرسالات السماوية من معرفة صالحة وتربية واعية ومواجهة التيارات الهدامة التي تسئ إلى ثوابت الدين والمعلوم منه بالضرورةquot;، كما ورد في التقرير المشار إليه .

وعادة يبقى قادة كافة الأحزاب المصرية في مناصبهم مدى الحياة، الأمر الذي يجعل الشيخوخة تضرب مساعديهم أيضا، وخرج على هذه القاعدة خالد محيي الدين رئيس حزب التجمع الوطني التقدمي quot;اليساريquot; الذي أعلن في مؤتمر عام طارئ للحزب أنه لن يكسر لائحة الحزب التي تقضي بقصر بقاء القياديين في مناصبهم على دورتين. وهو ما حدث بالفعل إذ اختار المؤتمر العام الأخير للحزب رفعت السعيد رئيساً .
وفي البداية فقد نشأت الأحزاب السياسية في مصر بقرار من الرئيس الراحل أنور السادات عام 1976 وسميت حينئذ بالمنابر، وكانت ثلاثة أحدها لليمين والثاني لليسار والثالث منبر الوسط واختاره السادات لنفسه، وفي العام التالي صارت المنابر أحزابا وزاد عددها بمضي الوقت سواء بموافقات من لجنة شؤون الأحزاب أو بموجب أحكام قضائية .

جمهورية المتقاعدين
وتتقاطع خلال هذه المرحلة الأجندة الغربية والأميركية تحديداً، من خلال دعوات متنامية بإحداث تغيير سياسي واقتصادي في مصر، مع رغبة داخلية تتفق فيها مختلف القوى السياسية في البلاد، من المعارضين والمستقلين وحتى في دوائر السلطة، والتي يعبر عنها التيار المقرب من جمال مبارك، نجل الرئيس المصري، المسؤول البارز في الحزب الوطني (الحاكم)، ومع ذلك فإن فريقاً ممن أصطلح على تسميتهم برجال quot;الحرس القديمquot; الذي يتألف من الساسة المحترفين الذين كانوا حاضرين بنفس الحماس والنفوذ في كل الجمهوريات الناصرية والساداتية والمباركية، يقف هذا الفريق في وجه أدنى محاولة للتغيير، سواء بالتخويف من مغبة هذا التغيير، أو برفضه بزعم أنه ربما يفسر على أنه استجابة لضغوط خارجية، بينما هم في واقع الحال يرفضون التغيير ذاته الذي سيعصف بمقاعدهم .

وهنا يقول مراقبون في القاهرة إن هذا الفريق من quot;الساسة المؤبدينquot; وصل بهم الأمر إلى شن معارك خفية ضد محاولات التغيير التي يسعى مبارك quot;الابنquot; إلى القيام بها ذلك لقناعة هذا الفريق بأن أي تغيير من أي نوع، وعلى أي مستوى سيبدأ بالإطاحة بهم من مسرح السياسة الداخلية الذي يمارسون فيه أدواراً لا تنتهي بوصولهم سن التقاعد أو حتى العجز التام لأسباب صحية، فهؤلاء لا يتقاعدون ولا يحالون على التقاعد، بل وتفشت ظاهرة quot;المسؤول المؤبدquot; هذه إلى مستويات غير سياسية، كرؤساء مجالس إدارات الشركات والمؤسسات المختلفة، حتى شاع تعبير quot;جمهورية المتقاعدينquot; للتعبير عن واقع الحال في مصر .

وأخيراً تجدر الإشارة إلى أنه يوجد في مصر حالياً نحو 22 حزبا سياسيا أغلبها هامشي وبعضها مجمد لخلافات بين قادتها، أما الحزب الوطني (الحاكم) فيتزعمه الرئيس حسني مبارك (77 عاما) ونائب رئيسه مصطفى خليل (87 عاما) والنائب الثاني يوسف والي (76 عاما) والأمين العام للحزب صفوت الشريف (74عاما)، ويتجاوز رؤساء معظم الأحزاب السياسية الأخرى السبعين من أعمارهم باستثناءات محدودة .