لبنان فقد مع نعيم هدوء الابتعاد عن أجواء الانتخابات
مصادر لـquot;إيلافquot;: جعجع سيؤيد ترشيح شمعون

إيلي الحاج من بيروت: صلى العارفون بما يجري وراء الكواليس في لبنان على مدى أسابيع ليطيل الله عمر النائب الراحل إدمون نعيم، كبير السن في مجلس النواب والمرجع القانوني الذي توفى فجر اليوم عن 88 عاماً . كان مضى شهران على اعتلال في صحته ألزمه الفراش، وأسبوعان على سوء في وضعه جعله يتأرجح بين الغيبوبة والوعي التام لما يحصل حوله ، حتى دخل غيبوبة تامة قبل أسبوع أسلم بعدها الروح.

كانوا يصلون ليطول عمره لأن غيابه يجيء في أصعب ظرف لجميع الأطراف اللبنانيين ، ولأنه سيليه خلافاً للعادات والتقاليد اللبنانية بعد رتبة رفع البخور المسيحية ،أي الصلاة الأولى على المتوفى ، انطلاق تنافس على إثبات الوجود والقدرة وسط تأزم في العلاقات وتصعيد في التصريحات والخطابات السياسية لم يعرف لبنان مثيلاً لهما إلا على وقع المدافع . لم يكن غريباً في ظل هذا الواقع أن يجيب النائب العماد ميشال عون عندما سئل عبر الهاتف في برنامج تلفزيوني صباحي عن وفاة نعيم، زميله في البرلمان، بالقول : quot; نحن نمشي مع من يماشينا، ونتحالف مع من يتحالف معناquot;. يمكن القول إن الأمر يشابه إلى حد ما مع فارق الأحجام ما حصل في الكويت فور شيوع خبر وفاة أميرها. في وقت واحد الحزن والحسابات ، والحسابات المجردة المسبقة أيضاً. يشابه كذلك وضع السياسة الإسرائيلية بعيد شيوع نبأ ذهاب رئيس الحكومة أرييل شارون إلى غيبوبته.

والواقع أن إلقاء نظرة عاجلة على عناوين الصف البيروتية يكفي ليأخذ المرء فكرة عن ارتفاع نبرة التحدي بين الأفرقاء اللبنانيين. على سبيل المثال مجموعة الأكثرية (الطائفية والبرلمانية والحكومية) أو quot;قوى 14 آذار/ مارسquot; تشن حملة لا هوادة فيها على quot;حزب اللهquot; المتحالف مع سورية وإيران ، والذي آثر أمينه العام السيد حسن نصرالله الصمت فترة لاحظ بعدها أن هذه السياسة أفقدت حزبه الهالة التي كان يتميز بها وأضرت بصورته في العمق ، فبادر إلى الظهور الإعلامي الكثيف ، كل يوم تقريباً متكلماً بهدوء ولكن بمواقف صلبة ومن موقع أضعف من السابق . لكن السجال الأقوى هو الحاصل من فوق الحزب بين القيادة السورية ، وعلى رأسها بشار الأسد، وبين quot;قوى 14 آذار/ مارسquot; ورأس حربتها رئيس quot;اللقاء الديمقراطيquot; وليد جنبلاط مسنوداً إلى حلفه مع تيار quot;المستقبلquot; وحزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب وقوى وشخصيات أخرى. ويدخل على خط التوتر العالي بين حين وآخر رئيس quot;التيار الوطني الحرquot; العماد عون، الذي تنقل في فترة قياسية من الحوار الأقرب إلى التفاهم مع قوى الغالبية إلى الدفاع عن quot;حزب اللهquot; ومواقفه الحاضرة والماضية، إلى درجة تسويغ عمليات خطف الأجانب وقتل بعضهم التي اتُهم الحزب بأنه كان وراءها في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي . وفي احتفال مركزي كبير نظمه الحزب في الضاحية الجنوبية أمس كان في الصف الأمامي النائب سليم عون ممثلاً العماد عون ، وإلى جانبه نائب جبيل الشيعي، عضو كتلة عون ، عباس هاشم. في ذلك الاحتفال شن نصرالله أقسى هجوم على الأكثرية الحكومية قائلا إنه لا يزال في الدفاع . لكن أكثر ما لفت في خطابه عبارة مفادها : quot;إنهم يرفضون الحوار إلا في داخل مجلس الوزراء، ولكن هناك تيار عريق ( الوطني الحر) ليس موجوداً في مجلس الوزراء، فلماذا لا يشارك في الحوار؟quot;.

كانت خيوط الحوار بين عون وجنبلاط وحلفائه عموماً بدأت تقوى عبر الموفدين قبل مدة ، ويفسر بعض سيئي النية ميل العماد عون مجدداً إلى جانب quot;حزب اللهquot; بإدراكه أن quot;قوى 14 آذار/ مارسquot; تتعمد إهماله ، لا بل الرفض غير المعلن للملف الأساسي الذي يريد وضعه على طاولة الحوار بينهما ، وهو ملف ترشيحه إلى رئاسة الجمهورية ليسهل لهم الإطاحة بالرئيس إميل لحود على أن يكون خليفته، أو أقله استقالة الحكومة الحالية برئاسة فؤاد السنيورة والتي لا يشارك فيها، والإتيان بحكومة أقطاب مصغرة يستأثر فيها بتمثيل طائفته التي نال خلال الانتخابات 73 في المئة من أصواتها في حين توزعت بقية الأصوات مما لا يخول اعتبار أحد فيها قطباً سياسيا . وعندما لم يلق تجاوباً ولا حتى استعداداً للبحث في التغيير قرر العودة إلى إفهام قوى الغالبية أنه الممثل الأقوى للمسيحيين وإنه بتحالفه مع quot;حزب اللهquot; قادر على جعل الآخرين في ضيق شديد.

ويمضي سيئو النية إلى القول إن عون وquot;حزب اللهquot; علما في الأيام الماضية بأن ثمة معركة انتخابية تلوح في الأفق في دائرة بعبدا ndash; عاليه فوثّقا خطوط الاتصال وبالتالي التقارب بينهما ، لحاجة كل منهما إلى توجيه ضربة ، معنوية ورمزية طبعاً ، إلى جنبلاط ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في الدرجة الأولى باعتبارهما المعنيين الأولين بالمقعد الذي شغر بوفاة نعيم . فالنائب الراحل ينتمي إلى كتلة نواب القوات التي تحالفت في دائرة بعبدا وعاليه مع الحزب التقدمي الاشتراكي الذي تحالف في تلك الدائرة مع quot;حزب اللهquot; الذي جيّر للائحة ما بين 7 آلاف وثمانية آلاف صوت من أبناء الضاحية الجنوبية . وشكلت أصوات الحزب الشيعي تلك الفارق بين لائحة تحالف جنبلاط ndash; القوات ndash; الكتائب، ولائحة عون وحلفائه. لا شك أن quot;حزب اللهquot; ندم على قراره ذاك لاحقاً لكن خبراء انتخابيين يقولون إن عون ما كان لينال تلك النسبة العالية من أصوات المسيحيين لولا نشوء ما سمي في تلك المرحلة quot;التحالف الرباعيquot; الذي ضم الفئات المسلمة الأساسية في لبنان ( المستقبل، حزب الله ، أمل ، الحزب الاشتراكي) وفرض إجراء الانتخابات وفق قانون وضعه وزير الداخلية السوري الراحل غازي كنعان أيام كان متولياً الأمن السوري في لبنان فسمّي القانون على اسمه.

ولأخذ فكرة عن دائرة بعبدا- عاليه ، إشارة إلى أن عدد الناخبين فيها هو 300 ألف ، أكثر من نصفهم مسيحيون والنصف الآخر دروز وسنة وشيعة. نال عون من أصوات المسيحيين نحو 70 في المئة، وquot;حزب اللهquot; 70 في المئة من أصوات الشيعة ، والحزب التقدمي الاشتراكي نحو 80 في المئة من أصوات الدروز . وكل المؤشرات تدل على أن quot;التيار الوطني الحرquot; سيخوض المعركة التي ستجري في غضون شهرين على المقعد الشاغر المخصص للموارنة بمرشحه المهندس حكمت ديب وبالتحالف مع quot;حزب اللهquot; وحركة أملquot; والحزب الديمقراطي الذي يقوده الأمير المنافس لجنبلاط طلال إرسلان، والحزب السوري القومي الاجتماعي وبقية التجمعات الموالية لسورية والتي لن تجد مرشحاً تدعمه أقرب إليها من مرشح عون.

في الجهة المقابلة يترك النائب جنبلاط لحليفه جعجع أن يحدد بمن يريد أن يخوض المعركة لأن المقعد يعود إلى حزبه القوات ، ويقول عارفون بشؤون الانتخابات في تلك المنطقة إن أمام جعجع العديد من الخيارات في حال قرر اعتماد ترشيح أحد المنضوين إلى حزبه أو المحسوبين عليه ، وكذلك الأمر في حال اختار أن يرشح حليفاً له ، وفي هذا الوضع يبرز في المقدمة اسم النائب السابق صلاح حنين الذي سحب ترشيحه في الانتخابات الماضية ليسهل ترشيح النائب الراحل إدمون نعيم .

جعجع : الامتنان والوفاء لنعيم
وذكرت لquot;إيلافquot;شخصية من منطقة بعبدا عاليه أنها زارت جعجع في مقر إقامته في الأرز في إطار وفد ، وأضافت أن رئيس حزب القوات كان يصلي ليطيل الله عمر النائب نعيم نظراً إلى حمله شعورا بالامتنان والإعجاب حياله لا حد له ، وهو من تطوع من تلقائه للدفاع عن جعجع وحزبه في المحاكمات أمام المجلس العدلي مع أن لا رابط فكريا أو حزبيا بينه وبين القوات، وذلك عندما خيل إلى جعجع أن كل الدنيا تقف ضده وكل الناس تخلوا عنه .

وبعد إعلان وفاة النائب نعيم صباح اليوم ذهبت حسابات متابعي المعارك الانتخابية في اتجاهات شتى ، فقال بعضهم إن جعجع سيرشح أحد أنصاره الملتزمين في حزبه، وقيل لا بل الإعلامية مي شدياق على أن يعرض على العماد عون تأييدها وتحاشي معركة انتخابية في غير وقتها، فتصرف الجهد الذي يجب أن يكرس لإنقاذ لبنان من المأزق الذي هو فيه ، معركة لا تفيد أحدا ولا تغير في المعادلات، كما تردد أن حلف جنبلاط ndash; جعجع سيعيد المقعد إلى النائب السابق حنين.

لكن مصادر مطلعة قالت ل إيلافquot; إن جعجع الذي يرفض الحديث في هذا الموضوع خلال هذه المرحلة احتراماً ووفاء لذكرى الراحل ذي الأفضال الكبيرة عليه وعلى لبنان- خصوصا من خلال حاكميته لمصرف لبنان الذي حافظ عليه نعيم في أصعب أعوام الحرب وانقساماتها- سيعلن عندما يحين الوقت المناسب أنه يؤيد ترشيح رئيس حزب الوطنيين الأحرار دوري شمعون للمقعد الشاغر في بعبدا- عاليه.

وتضيف تلك المصادر أن خطوة جعجع هذه ستندرج في إطار الوفاء والشكر أيضاً لشمعون الذي أسقط حقه الشخصي في قضية اغتيال شقيقه الراحل وأفراد عائلته ورفض تصديق الاتهامات التي حوكم على أساسها جعجع في هذه القضية ، والذي أبدى عتباً على القوات لأنها أعلنت من بلدته دير القمر اللائحة التي توافقت عليها مع جنبلاط في الشوف وتضمنت اسم النائب القواتي وابن دير القمر جورج عدوان ، على حساب الحضور الشمعوني فيها ، حيث رشح دوري نجله كميل الذي يحمل اسم جده رئيس الجمهورية الراحل ولم يوفق لضخامة quot;المحدلة quot; الجنبلاطية المتحالفة مع quot;قوى 14 آذار/مارس quot; في الشوف.

وفوق ذلك ، تقول المصادر لquot;إيلافquot;، يتمتع حزب الوطنيين الأحرار في دائرة بعبدا ndash; عاليه بوزن وبتحالفات عائلية تاريخية ، كما أن حضور دوري شمعون في مجلس النواب يضيف ثقلاً وإن من موقع مستقل غالباً إلى أصوات القوى، التي تعتبر أنها تخوض معركة تثبيت الكيان اللبناني وجعله فوق كل اعتبار في هذه المرحلة، التي تراها تلك القوى quot;مصيريةquot;.

وتستبعد المصادر نفسها أن يقرر العماد عون إخلاء الساحة لشمعون، حتى لو كانت ثمة روابط تربط بينهما في ما مضى، وذلك لحاجته إلى إثبات تفوقه على جميع خصومه ، في حين يحتاج هؤلاء الخصوم هم أيضاً إلى الإثبات للعماد عون أنه نال أعدادا كبيرة من الأصوات في المرة السابقة تعبيراً عن سخط المسيحيين على جهات في تحالف quot; 14 آذار / مارسquot; لتحالفها مع quot;حزب اللهquot; ، أما اليوم وبعد فك الارتباط بين تلك القوى والحزب الشيعي المتحالف مع سورية، فإن عون يرتكب خطأ بالتحالف مع الحزب نفسه الذي تسبب بهزيمة خصوم عون لمجرد رميهم بتهمة التحالف معه في بقية دوائر جبل لبنان . لتخلص تلك المصادر إلى توقع معركة انتخابية قاسية شبيهة بتلك التي وقعت في المتن الشمالي بين غبريال وميرنا المر إثر غياب quot;شيخ البرلمانquot; آنذاك النائب الراحل ألبر مخيبر.

وعندما يلفت أحدهم المصادر المتابعة للموقف إلى مادة في قانون الانتخابات الساري المفعول تمنع على رئيس مجلس بلدي الترشح لمنصب نيابي - دوري شمعون رئيس لبلدية دير القمر- تجيب بأن حليف عون النائب ميشال المر استحصل لكريمته ميرنا رئيسة بلدية بتغرين في المتن الشمالي على فتوى عاجلة من هيئة التشريع والقضايا في وزارة العدل تتيح لرئيس البلدية في حال شغور مقعد نيابي استثنائيا بالوفاة أن يترشح للمنصب من دون أن تسري عليه مهلة الاستقالة من رئاسة البلدية قبل ستة أشهر ، وإذا فاز بالنيابة فيستقيل من مركزه البلدي، وإذا خسر فيبقى رئيس بلدية.

رحم الله إدمون نعيم ، بغيابه فقد لبنان فوق خسارته الرجل وقيمته معنويا وأدبياً، مرحلة هدوء أقله على صعيد الانتخابات وصراعاتها.