إيلي الحاج من بيروت: بمزيد من الخيبة والإستياء تابعت الإدارة الأميركية ترددات زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى سورية وما تخللها من اجتماعات مع شخصيات وفصائل وأحزاب لبنانية وفلسطينية، فيما أظهر دبلوماسيون أميركيون في واشنطن، بحسب ما نقل عنهم زوار لبنانيون، تصميماً على الذهاب أبعد في الضغط على القيادة السورية التي تسعى إلى إدخال بيروت محور طهران ndash; دمشق ، فضلاً عن أنها لا تتجاوب مع الشرعية الدولية، إن في تعاملها مع لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري أو بامتناعها عن تطبيق بقية بنود القرار الدولي رقم 1559 ، ولا سيما في ما يتعلق بموقفها من قضية مزارع شبعا وترسيم الحدود مع لبنان. وجاء الرد الأميركي على القمة الإيرانية السورية في شقين ، أولهما صدور البيان الرئاسي عن مجلس الأمن بصيغته الأساسية الحادة التي نسقتها واشنطن مع باريس، بعد اقناع روسيا والصين وقطر بإسقاط تحفظاتها عن نقاط في البيان تتعلق بضرورة إجراء quot;انتخابات رئاسية في لبنانquot; وquot;تدفق الأسلحة من سورية الى لبنانquot;.

وقد أبدى البيان quot;الأسف لكون بعض بنود القرار 1559 لم تنفذ حتى الآن وتحديدا حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتجريدها من سلاحهاquot;، مما يعني رفضاً ضمنيا لمبدأ الربط بين تطبيق القرار واجراء حوار وطني حول بعض بنوده في لبنان، وكذلك رفض للاستنتاج والإيحاء أن القرار 1559قد نفذ. ويوجه هذا البيان رسالة دعم قوية الى حكومة السنيورة من خلال منحها الثقة بأدائها والدعم لجهودها ول quot;موقفهاquot; في الأزمة الناجمة عن مقاطعة بعض الوزراء على خلفية رفض القرار1559 ونزع سلاح المقاومة، وبالتالي بعث البيان الرئاسي برسالة فحواها ان quot;نزع سلاح وتفكيك الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، بما فيها حزب الله ومختلف الفصائل الفلسطينية، يؤخذ الآن على محمل الجدية البالغة من الأسرة الدولية التي تصر من خلال اجماع أعضاء مجلس الامن على نزع سلاح الميليشياتquot; التي تشكل خطرا على استقرار لبنان واستقرار المنطقةquot;.

أما الوجه الآخر لرسالة التعاطف مع الحكومة اللبنانية، فهو توجيه رسالة شديدة اللهجة الى دمشق حضتها على التعاون وأداء دور ايجابي في لبنان، وبددت اي انطباع بأن المجتمع الدولي مستعد للتساهل مع سورية في ما يتوجب عليها حيال لبنان والمجتمع الدولي.

وجاء الشق الآخرمن الرد الأميركي على دمشق من خلال زيارة رئيس تيار quot;المستقبلquot; النائب سعد الحريري الى واشنطن، حيث استقبل بحفاوة بالغة وأعد له برنامج حافل باللقاءات مع مسؤولين كبار أبرزهم نائب الرئيس ديك تشيني ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، وصولاً إلى لقاء بعد غد يستمر 45 دقيقة مع الرئيس جورج بوش الذي يخرق التقاليد باستقباله في البيت الابيض شخصية سياسية غير حكومية. وفي هذه اللقاءات تلقى الحريري تأكيدات مفادها أن لا صفقات إطلاقا مع سورية ، وأن واشنطن مصممة على المضي قدما في تطبيق كل القرارات الدولية الخاصة بلبنان.

ويرى مراقبون في بيروت ان التحرك الدولي الذي تنسقه الولايات المتحدة يشكل ردا مباشرا على تحرك المحور الايراني السوري، ولكنه من ناحية اخرى يشكل ردا غير مباشر على المبادرة العربية التي جنحت عن الاطار المحدد لها في مرونتها وتساهلها مع القيادة السورية. ويقول هؤلاء المراقبون إنه سيكون من الصعب ان تشهد المبادرة العربية انطلاقة متجددة في ظل السقف العالي والمتشدد الذي حدده بيان مجلس الامن، كذلك سيكون من الصعب ان يشق الحوار الداخلي اللبناني طريقه في ظل قيود دولية تمنع اعتبارquot; حزب اللهquot; مقاومة وليس ميليشيا ، على ما يشترط الحزب ليعود وزراؤه إلى حضور جلسات مجلس الوزراء.

ويعني هذا الوضع باختصار أن لبنان تحوّل مرة أخرى ساحة لتصفية الحسابات الدولية والاقليمية، ساحة تصادم بين
محورين: أميركي- فرنسي، وسوري ndash; ايراني، وبينهما المحور العربي السعودي - المصري الذي يسعى إلى إنشاء مساحة عازلة من أجل امتصاص التوتر وإبقاء الوضع تحت السيطرة.

لقاءات الحريري

وكان النائب الحريري التقى أمس مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الاوسط السفير دايفد ولش وغيره من المسؤولين في قسم الشرق الاوسط في الوزارة، في اطار التحضير للاجتماع الذي سيعقده الحريري غداً مع الوزيرة رايس ووكيل الوزارة للشؤون السياسية نيكولاس بيرنز الذي يشغل المنصب الثالث في الوزارة ويتابع عن كثب الملف الايراني.

وعقب الاجتماع مع ولش والذي استمر ساعة قال الحريري ان المسؤولين الاميركيين اكدوا له quot; دعم الادارة الاميركية للبنان حتى نهاية المطاف، ولكي نصل الى الاستقرار المنشودquot;. واضاف ان ولش ومساعديه اكدوا انه quot;ليست هناك أي صفقات حول دم الشهيد الحريري، لان ثمة قرارات من مجلس الامن الدولي لن يغيرها أي شيءquot;.

وسئل هل تطرق النقاش الى ما وصف بـquot;المبادرة السعوديةquot; التي لم ترحب بها الولايات المتحدة، فأجاب: quot;لم نتطرق الى هذا الموضوعquot;. ثم أثنى على quot;جهود السعودية التاريخية لمساعدة لبنان ووقف الاقتتال الداخلي، مشددا على ان السعودية كانت دائما تعرب عن قلقها حول لبنان وتبدي quot;اهتمامها باستقراره ووقف مسلسل الاغتيالات المستمرة فيه، ولذلك تبحث السعودية دائما عن وسائل دعم لاستقرار لبنان quot;الذي قال انه لا يزال يعيش في ظل تأثيرين، انسحاب الجيش السوري ومضاعفات اغتيال الرئيس الحريري والزلزال الذي سببه ذلك الاغتيال والذي لا يزال لبنان يعيش في ظله. وأوضح ان السعودية quot;لا تتدخل ولا تقول للبنانيين ما الذي يفعلونه او لا يفعلونه، بل بالعكس، السعودية تدعمنا بشتى الوسائلquot;. وقال: quot;حديثي الاساسي كان عن دعم الولايات المتحدة للبنان في ما تقوم به الحكومة بالنسبة الى الاستقرار والمساعدات...quot;.

كذلك التقى الحريري رئيس البنك الدولي بول ولفوويتز، لمناقشة دور البنك في لبنان. ومن المقرر أن يلقي اليوم محاضرة في quot;مركز ويلسون الدوليquot; في واشنطن الذي يديره النائب الديمقراطي السابق لي هاملتون بعنوان quot;مستقبل الديمقراطية في لبنانquot;. ومن المقرر ان يلتقي الحريري، الى جانبالمسؤولين الحكوميين، عددا من اعضاء مجلسي الكونغرس.

وكان النائب سعد الحريري استهل زيارته لواشنطن بلقاء عقده في مقر اقامته في فندق quot;الريتز كارلتونquot; مع أعضاء من مجلس quot;منتدى الشرق الاوسط مجلس العلاقات الخارجيةquot; الذي يضم 18 شخصية اميركية تولوا مناصب سياسية ودبلوماسية في الادارة الاميركية ولهم تأثير في الرأي العام الاميركي والسياسة الخارجية، وبينهم وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت ووزير الدفاع السابق فرنك كارلوتشي والسفيران السابقان تيودور قاطوف وادوارد وولكر ومديرة المنتدى جوديث كيبر، في حضور نائب رئيس مجلس النواب اللبناني فريد مكاري والنائب السابق غطاس خوري.

وأفاد المكتب الاعلامي للحريري ان اللقاء تناول الوضع في لبنان، وأكد الحريري quot;ان الاولوية بالنسبة الى الحكومة اللبنانية المنبثقة من الغالبية النيابية هي المحافظة على الامن والاستقرار في البلاد، وتحصين مكتسبات السيادة والاستقلال والحرية والديمقراطية التي تحققت خلال العام الماضيquot;. وquot;ان ثمة اصرارا لدى جميع القوى على ان الحرب الاهلية في لبنان قد ولت الى الابد، ولا يتوهمن أحد انها يمكن ان تعودquot;.

وفي موضوع التحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كرر نجله النائب سعد quot;ان كشف الحقيقة ليس مطلبا ثأريا، بل ان الهدف منه تحقيق العدالة وتحصين لبنان وحماية الديمقراطية فيه، ولكي يشعر المجرمون ان ليس في استطاعتهم تكرار مثل هذه الجرائم دون ان يدفعوا الثمنquot;.

وتناول أعضاء المجلس البيان الرئاسي الذي صدر أخيرا عن مجلس الأمن وتوقفوا عند نقاط أساسية مهمة وردت فيه وهي موضوع الانتخابات الرئاسية الحرة في لبنان واستمرار التدخل السوري في الشؤون الداخلية اللبنانية وتهريب السلاح من سورية الى لبنان. ولاحظوا quot;ان فريقا واحدا يقف وراء كل الاغتيالات التي حصلت في لبنان بدءا باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وطاولت قادة الرأي في محاولة لضرب الاستقرار والديمقراطيةquot;.

وأبدوا تفاؤلا بمستقبل لبنان، مشيرين الى quot;مفارقة في هذا الاطار هي استمرار تدفق الاستثمارات اليه رغم كل محاولات ضرب الاستقرار فيه سياسيا واقتصاديا وأمنياquot;.

الموقف من سورية

ومن واشنطن أيضاً إن الولايات المتحدة واصلت مطالبة سورية بتنفيذ قرارات مجلس الامن المتعلقة بلبنان، وتحديدا القرارين 1559 و1636، وذكّرت دمشق بأن القرار 1636 اعتمد في ظل الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة أي انه قرار ملزم. وكررت اتهام سورية بانها تسير في طريق معاكس للاتجاه الذي تسير فيه المنطقة والعالم.

وانتقدت مصادر مسؤولة الخطاب الأخير للرئيس بشار الاسد وبخاصة اشارته الى مزارع شبعا والتي رأت انها تتناقض كليا ومواقف سورية السابقة ولا سيما تلك التي عبّر عنها وزير الخارجية فاروق الشرع. وحض الناطق باسم وزارة الخارجية شون ماكورماك، سورية على quot; تغيير سلوكها والامتثال لقرارات مجلس الامنquot;، وقال ان عدم تعاون دمشق في هذا الشأن هو quot;مصدر خيبةquot; للمجتمع الدولي، مشيرا في هذا السياق الى البيان الرئاسي الذي صدر عن مجلس الامن أول من أمس حول عدم امتثال سوريا كليا للقرار 1559.

وانتقد ماكورماك الرئيس الاسد لانه لم يلب طلب الرئيس الفلسطيني محمود عباس باغلاق مكاتب quot;تنظيمات الرفض الفلسطينيةquot; في دمشق، واضاف ان الاسد فعل العكس عندما استضاف الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد في دمشق.

وكان مندوب واشنطن في الامم المتحدة جون بولتون قد رحب بالبيان الرئاسي لمجلس الامن حول القرار 1559 ورأى انه quot;وثّق بشكل لا لبس فيه استمرار عدم الامتثال السوريquot;، وأشار الى ان البيان quot;يعكس تصميم مجلس الامن على تنفيذ القرار 1559 (...) لذلك على السوريين ان يتعاملوا معه بجدية بالغةquot;. وذكر ان المسائل التي لم تنفّذ بعد من القرار تشمل تبادل التمثيل الدبلوماسي بين لبنان وسورية، وترسيم الحدود. وأبدى اعتقاده quot;ان مسألة اجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة مسألة نعيرها اهتماما خاصا، ولكن استمرار الاعمال الارهابية وتسليح الميليشيات يبقيان أيضا مسائل مهمةquot;.

رأى بولتون ان اللبنانيين الذين افادوا من انتخابات برلمانية حرة ونزيهة quot;يستحقون ان تكون (الانتخابات) كذلك لكل المناصب الحكومية المنتخبةquot; في اشارة الى انتخابات الرئاسة.ورأى ان التمديد للرئيس اميل لحود كان نتيجة quot;التلاعب بالدستور اللبناني (...) وهذا أحد الاسباب التي جعلت البيان يقول بشكل واضح ان انتخاب الرئيس المقبل يجب ان يكون وفقا للاجراءات الدستورية التي يجب ألا تتعرض لنفوذ وضغوط اجنبية، ويجب ان تكون قرارا لبنانيا في شأن رئيس لبنانيquot;.

وفي اشارة ضمنية الى احتمال تحرك مجلس الامن لاتخاذ اجراءات اضافية، قال بولتون: quot;ليس هناك صبر لا حدود له مع السوريين من اجل امتثالهم للبنود الواضحة في القرار 1559، أو بما اننا نتحدث عن هذا الموضوع، القرار 1595 والقرارات اللاحقة.