أندريه مهاوج من باريس : في ختام اللقاء الصحافي الاسبوعي للناطق باسم الخارجية الفرنسية امس الثلاثاء تجمع عدد من الصحافيين حول بعض مساعدي الناطق الفرنسي مستوضحين طبيعة كلامه عن عدم دعوة رئيس الجمهورية اللبنانية إميل لحود الى قمة الفرنكوفونية في ايلول(سبتمبر) المقبل في رومانيا، وعما اذ1 كانت فرنسا تريد من وراء موقفها احياء المعركة حول quot; شرعية ولاية لحود الثانية او الممدةquot; وكان الجواب مختصرا quot;أي معركة ؟ على حد علمنا لم يصدر أي موقف او تعليق عن الرئاسة اللبنانية وهذا يعني بالنسبة إلينا عدم وجود اي مجال للجدل او للصدام الكلاميquot;.

كان هذا طبعا قبل صدور بيان رئاسة الجمهورية ليل الثلثاء- الاربعاء، وانطلاقا من ذلك يمكننا القول ان فحوى الكلام الفرنسي مزدوج: أولا ان باريس لا تزال تضع نفسها في منأى من الدخول في مناقشة، وان عبر وسائل الاعلام ،مع رئيس الجمهورية اللبنانية بمعنى انها تريد ان تثبت انها لا تتدخل في الشؤون الداخلية لبلد ذات سيادة ولكنها مصممة ايضا على تجاهل الرئيس لحود كليا وليس الرئاسة وان لا شيء لديها للتحاور معه بما انها تعتبر ان وجوده في قصر بعبدا مناف للمنطق الدولي المستند الى القرار 1559 ومناف للدستور اللبناني الذي لم يكن يسمح بولاية ثانية او مجددة لولا التعديل quot; القسري quot; لهذا الدستور ، والثاني هو ان فرنسا لا تزال تتصرف مع الافرقاء اللبنانيين انطلاقا من مواقفهم العملية من مسألة التحقيق في اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري، وهو الامر الذي تبناه الرئيس جاك شيراك شخصيا ولا يترك مناسبة الا ويذكر فيها بتمسكه بالكشف عن القتلة ومعاقبتهم .

واذا كان هذا هو الفهم الأولي للبيان الصادر عن الخارجية الفرنسية بشأن تبرير عدم دعوة لحود، حتى الساعة ، الى قمة الفرنكوفونية فالاكيد هو ان هذا الموقف لا يخرج بتاتا عن اطار المنطق الفرنسي تحديدا وعن المنطق الدولي عموما والمستند الى قرارات الامم المتحدة، أي الى الشرعية الدولية، وهي المحجة التي يحتمي وراءها كل من له موقف معين من الحكم في لبنان .

واذا ما رجعنا بالذاكرة الى الوراء نتذكر ان فرنسا والولايات المتحدة كانتا وراء صدور القرار 1559 الذي ينص على انسحاب القوات الاجنبية وهذا ما تحقق ووضع حد لنفوذ سورية في لبنان ، وهذا الموضوع لا يزال مدار جدل وعلى سحب سلاح الميليشيات وهو ما ينتظر التنفيذ، ولكن لا يجوز تناسي ان القرار المذكور صدر اساسا لتطويق عملية التجديد او التمديد للرئيس لحود بدعم سوري واضح وان دمشق تخطت هذا القرار بعد ساعات فقط على صدوره من خلال الاعلان عن جلسة المجلس النيابي للتمديد للرئيس لحود . كما لا يجوز ان ننسى ان المجتمع الدولي والامم المتحدة بالذات ذكرت مرارا بضرورة اجراء انتخابات حرة وديمقراطية وفقا للاصول الدستورية اللبنانية وهذا يعني ان التمديد لا يستوفي هذه الشروط لأن الدستور لا يسمح الا بولاية رئاسية واحدة ولأن عملية الانتخاب لم تكن ديمقراطية بما ان معظم النواب اشتكوا بعد انسحاب القوات السورية من تعرضهم لضغوط ولتهديدات جسدية ومعنوية دفعتهم الى الموافقة على التعديل الدستوري قسرا وعلى التمديد ثلاث سنوات للرئيس لحود .
ولا يجوز ان ننسى ايضا ان ازمة تمثيل لبنان في المحافل الدولية ليست مستجدة فاستبعاد الرئيس اميل لحود عن بعض المناسبات الدولية تم مرارا في السابق ويكفي ان نذكر باحتفالات الذكرى العاشرة لانطلاق عملية برشلونة قبل اشهر قليلة حينها لم توجه بريطانيا التي كانت تتولى انذاك الرئاسة الدورية للاتحاد الاوروبي الدعوة للرئيس لحود لحضور تلك الاحتفالات التي جرت في مدريد . ولا ننسى ان ذهاب الرئيس اميل لحود الى الامم المتحدة للمشاركة في اعمال الجمعية العامة اثار لغطا كبيرا وان احدا من القادة الاوروبيين لم يجتمع به وان الرئيس جورج بوش استبعده عن حفل العشاء الرسمي الذي اقامه للوفود المشاركة واقتصرت لقاءاته على اجتماع بالامين العام للامم المتحدة كوفي انان وبرئيس عربي واحد.

من هنا يمكن فهم الموقف الفرنسي النابع اساسا من جعل الرئيس شيراك تنفيذ القرارات الدولية وتحديدا القرار 1559 في طليعة اولوياته، وولاية لحود الحالية مخالفة لهذا القرار والموقف الفرنسي يندرج في اطار تسلسل منطقي يستند الى التزام الاتحاد الاوروبي بتنفيذ القرارات الدولية والى ما دأبت عليه دول الاتحاد من عدم التعامل مباشرة مع الرئيس لحود إن في المحافل الدولية والاوروبية او في المناسبات الوطنية اللبنانية وكلنا يذكر مقاطعة سفراء اوروبيين احتفالات عيد الاستقلال في تشرين الثاني(نوفمبر) الماضي.

لقد تجاهلت الولايات المتحدة مرارا الرئيس لحود وتعاملت مباشرة مع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة وحتى مع رئيس كتلة نواب المستقبل سعد الحريري واستقبلهما الرئيس جورج بوش بكل مظاهر الحفاوة ولم يثر ذلك مثل ما اثارته حاليا مسألة عدم توجيه الدعوة الى الرئيس لحود لحضور قمة الفرانكوفونية.

من الواضح ان لا فرنسا ولا الاتحاد الاوروبي ولا الولايات المتحدة ولا حتى الأمم المتحدة تريد استهداف موقع رئاسة الجمهورية أو المس بصلاحياتها المنصوص عليها دستوريا او تعديل النظام الرئاسي في لبنان لجعل الرئاسة فخرية وادارة شؤون الدولة بيد الحكومة كما هو الحال في اسرائيل او في بعض الانظمة الملكية الاوروبية مثل بريطانيا واسبانيا وبالتالي هناك اجماع على دعم لبنان لاستعادة كامل سيادته وسلطته وعلى قيام نظام قوي وسيد وانتخاب رئيس جمهورية وفقا لارادة اللبنانيين المتحررة من اي ضغوط وفرنسا على عكس الاتهامات الموجهة اليها ، تعمل من اجل تحقيق ما تقدم ومواقفها من التعامل مع الرئيس لحود لا تختلف ابدا مع مواقف قيادات لبنانية كثيرة وان كانت لاحظت بتحفظ بروز مدافعين كثرا عن الرئيس اميل لحود على خلفية الدفاع عن موقع رئاسة الجمهورية وعدم اضعافها علما ان بعضا من هؤلاء المدافعين كان حتى امد قريب من اركان الحملة السياسية لاجبار الرئيس لحود على الرحيل ومن المشككين بشرعية وجوده في السلطة ومن الداعين الى مقاطعته ومن القائلين بان استمرار وجوده يضعف موقع الرئاسة .