إيلي الحاج من بيروت: ارتفعت سحب دخان أسود متفرقة فوق مناطق من بيروت، ناتجة من اشتباكات بالحجارة والعصي بين أنصار لتيار quot;المستقبلquot; السني من جهة وquot;حزب اللهquot; وحركة quot;أملquot; الشيعيين من جهة، وأغلقت طريق quot;مطار رفيق الحريريquot; مع إعلان سقوط 4 قتلى وعشرات الجرحى في تجدد لأحداث الثلاثاء الماضي ذات الطابع المذهبي في العاصمة اللبنانية. في حين ارتفع من باريس دخان أبيض من المؤتمر الدولي لمساعدة لبنان مع إعلان تقديم هبات وقروض للحكومة اللبنانية أكبر بكثير مما كان متوقعاً، إذ وصلت إلى 8 مليارات و200 مليون دولار، وفق ما أعلنت مصادر الحكومة اللبنانية مصححة ما قالت أنه خطأ وقعت به وسائل إعلام بقولها إن الدعم بلغ 7.6 مليارات دولار.

وبذلك يكون الرئيس الفرنسي جاك شيراك أصرقبل انتهاء ولايته بأشهر، على أن يخص لبنان الذي تربطه به علاقة خاصة، بالتفاتة مميزة من خلال مؤتمر باريس ٣ الذي أشرف شخصيا على تنظيمه واعداده ووضع كل ثقله ورصيده الدولي لانجاحه ولحشد أكبر دعم عربي ودولي له ، وليكون أكبر تظاهرة اقتصادية عالمية تعلن استجابة خطة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة من أجل توفير متطلبات التنموية والاصلاحية، وذلك انطلاقا من ان الازدهار الاقتصادي يساهم في الاستقرار السياسي والأمني .

واذا كان مؤتمر استوكهولم الذي انعقد لمساعدة لبنان إثر انتهاء حرب تموز/يوليو بين القوات الإسرائيلية وquot;حزب اللهquot; قد وفر مليار دولار، فإن مؤتمر باريس- 3 قدم دعماً مضاعفاً مرات ومرات من نحو 60 دولة ومؤسسة مالية اوروبية وآسيوية وخليجية واميركية.

وقد استهل المؤتمر بإعلان الولايات المتحدة تقديمها مليار دولار ، وكذلك المملكة العربية السعودية بمليار دولار، بعدما كان الرئيس شيراك أعلن تقديم فرنسا نصف مليار أورو.
من الواضح ان المضمون السياسي في هذا المؤتمر، رسائل وأبعادا، يوازي المضمون الاقتصادي ويفوقه ويتقدم عليه. وفي هذ المجال يلاحظ أن المؤتمر يوجه رسالة دعم قوي للحكومة اللبنانية برئاسة السنيورة. دعم أشار اليه الاصرار على عقد المؤتمر رغم كل الظروف والأزمات الداخلية والمبادرات المتعثرة وبمعزل عنها، وأيضا الثقة الدولية المطلقة بخطة الحكومة وقدرتها على الثبات والصمود والايفاء بالتزاماتها رغم آل الضغوط التي تحاصرها وتحاول شل حرآتها وقدراتها.

وخيمت الأحداث التي يشهدها لبنان على أجواء المؤتمر وأرخت بظلالها عليه. وهذا ما ظهر على طاولة غداء العمل الذي أقامه الرئيس جاك شيراك وبدا فيه شديد الاهتمام بما حدث، ومتلهفا للوقوف على آخر التطورات والاستماع الى شرح مفصل قدمه الرئيس السنيورة.

والانطباع السائد في العاصمة الفرنسية ان أحداث هذا الأسبوع تركت أثرا سلبيا على صورة الحكومة وكشفت هشاشة الوضع في لبنان، ولكن من دون ان تضعف موقع السنيورة او الموقف الدولي الداعم لحكومته. وان هناك علاقة مباشرة بين الأحداث والمؤتمر، وانquot; حزب اللهquot; بتصعيده للاحتجاج في الشارع أراد ان يوجه رسالة الى quot;المجتمع الدوليquot; في باريس بأن هذه الحكومة غير قادرة على الحكم من دون موافقته ومشاركته في القرار ولا فائدة من مساعدتها، وان أي قرار تتخذه الدول الداعمة لن يتحقق ما دام لا اتفاق سياسيا داخل لبنان، وان شروط نجاح المؤتمر لا تقتصر على انعقاده وانما على تطبيق نتائجه وهذا ما لن يكون ممكنا من دون اتفاق مع المعارضة وتوافر حل سياسي ووفاقي.
وبرز انتقاد واستياء لدى الاوساط الفرنسية والدولية ازاء طريقة تعامل أحزاب المعارضة اللبنانية مع المؤتمر على نحو خلافيquot; ومحاولة استثماره سياسيا في الحملة على الحكومة ويبرز هذا الاستياء مشوبا بالقلق ازاء غياب الاجماع اللبناني حول الورقة الاصلاحية التي تقدمت بها الحكومة أساسا للمؤتمر وللمساعدات التي تقدم، ومحاولة المعارضة اقامة فصل غير واقعي بين دعم مؤتمر باريس ورفض الورقة الاصلاحية.

وإذا كان الدعم الفرنسي ثابت في حجمه ووتيرته، فإن التطور او المعطى الجديد تمثل في الدعم الاميركي المالي للبنان، وهو دعم خرج في لغة الأرقام والسياسة عن اطاره المألوف والتقليدي. فالدعم المالي تطور مرة واحدة من دعم رمزي تحت سقف ال ٥٠ مليون دولار الى دعم ملحوظ وصل إلى مليار دولار ، وهذه الزيادة توازيها تأكيدات اميركية ان حكومة السنيورة باقية ولن تسقط ولا خوف من سقوطها، وان الدعم الدولي والاقليمي بعد الأعمال الانقلابية ضدها قد تضاعف .

وفي خطابه الأخير عن حال الاتحاد حض الرئيس جورج بوش الدول العربية المعتدلة على دعم حكومة السنيورة في لبنان والرئيس الفلسطيني أبو مازن وحكومة المالكي في العراق، مما يعني بوضوح ان لبنان وحكومته دخلا صلب الاستراتيجية الاميركية الجديدة ، في حين أن quot; حزب اللهquot; بات في التصنيف الاميركي موازيا لتنظيمquot; القاعدة quot;وان المساواة بين التطرف السني والتطرف الشيعي هي من عناصر هذه الاستراتيجية الجديدة.