أيمن بن التهامي من الدار البيضاء: الأمية مظهر لكل أنواع التخلف، وسبب مباشر فيه، خاصة في الدول العربية، ومنها المغرب الذي يبذل جهودا حثيثة لاقتلاع جذورها من أرضه، في وقت لا تسير النتائج التي ابتغاها في طريقها الصحيح. وزاد الاهتمام بحملة محو الأمية، التي أطلقتها الحكومة منذ سنوات، بعد أن أظهرت تفجيرات الدار البيضاء، خلال سنتي 2003 و2007، أن أغلب منفذيها quot;إرهابيون ذوو مستوى تعليمي منخفضquot;، ما جعل الدولة تضع نصب أعينها لتخفيض نسبة الجهل إلى 35% بحلول عام 2010، وإلى 20% في المدى المتوسط. غير أن هذا المؤشر يبدو بعيد عن أيدي الحكومة في التاريخ المشار إليه، فرغم أن نتائج البحث الوطني حول الأمية وعدم التمدرس، والانقطاع عن الدراسة، كشفت quot;تسارع وتيرة تراجع نسبة الأمية، مقارنة مع السنوات التي سبقت الإحصاء العام للسكان سنة 2004 ب 4.5 نقطة (43% - 38.45%)quot;، إلا أنها عادت وأظهرت أن 22% من الأميين لا علم لها بدروس أو برامج محو هذه المعضلة الاجتماعية.

وأرجع البحث الأسباب وراء عدم مشاركة أغلب الأميين في هذه البرامج إلى quot;استمرار نفس الأسباب التي كانت الأصل في عدم التمدرس، وخاصة ابتعاد مراكز محو الأمية والهشاشة الاقتصادية، إلى جانب بروز عاملين آخرين بالغي الأهمية في تفسير الانخفاض النسبي للطلب تجاه برامج محو الأمية، وهما الخصاص في مجال التواصل وعدم ملاءمة الأوقاتquot;.

وحسب الدراسة، فإن الأميين يمثلون 38.45% من السكان البالغين 10 سنوات فما فوق، ويشكل الإناث نسبة 46.80 %، والذكور 37.38%.
وتعتبر المناطق الجنوبية، والبيضاء الكبرى، والرباط زعير الجهات الأقل معاناة من الأمية (على التوالي: 21.6% و23.0% و26.2%)، أما الجهات الأكثر معاناة من الأمية، فهي تازة الحسيمة 52.3% وتادلة أزيلال 48.8% وسوس ماسة 45.1%.

وتفيد نتائج البحث، الذي حصلت quot;إيلافquot; على نسخة منه اليوم الاثنين، أنه رغم المجهودات المبذولة في مجال الإعلام، quot;تظل المصادر غير الرسمية مهيمنة، إذ أن الجيران والزوج والأقرباء ما زالوا يمثلون المصادر الأولى للاطلاع على وجود تلك البرامج.

وأشارت إلى أن هذه التداخلات والتشويشات في مجال الإعلام تؤثر بوضوح على الطلب لدى المستفيدين المحتملين من برامج محو الأمية، الذين يعبرون عن quot;حاجات وانتظارات لا تتجاوز مستوى الحياة الخاصة والأسريةquot;، مبرزة أن quot;غياب استراتيجية شاملة للتواصل، مؤسسة على دراسة لمواصفات الفئة المستهدفة وحاجاتها وإكراهاتها، يعرقل النهوض بالبرامج الحاليةquot;.

وأفاد المصدر ذاته أن الأميين يستقون معلوماتهم من العائلة في المقام الأول بنسبة 75.8% ثم الفقيه أو الإمام (76.8%) تليهما الإذاعة والتلفزة الوطنية (60.4%) فالجيران (40.3%) و(30%) منهم يعتبرون القنوات الفضائية مصدرا لهم، quot;أما مساهمة جمعيات المجتمع المدني (5.4%) والمنظمات السياسية (2.3%) فإنها محدودة جدا في هذا المجالquot;.

أما بالنسبة للمنظومة التعليمية، يضيف البحث، quot;ما تزال توفر بنيات الاستقبال وتلعب دور النموذج البيداغوجي والديداكتيكي المرجعي، وبالتالي فإن برمجة دروس محو الأمية تجري تبعا لتوفر حجرات خارج الأوقات الدراسية العادية، ما يترتب عنه تنظيم معظم الدروس في المساء أو أثناء العطل المدرسيةquot;، موضحا أن quot;هذه الأوقات لا تتلاءم في الغالب مع الإكراهات الشخصية والمهنية للأمي، خاصة خلال فصلي الخريف والشتاء حيث يتزامن توفر قاعات الدرس مع حلول ظلام الليلquot;.

وتبقى تأدية الشعائر الدينية بكيفية سليمة حافزا مهما في محاربة الأمية، إذ أفادت نتائج البحث أن 48.3% من المستفيدين من هذه الدروس قالوا إن محتوى هذه البرامج هي مصدر معلوماتهم الأساسي المتعلق بالدين، بدل الأسرة والجيران والأقارب الذين كانوا مصادر رئيسية للمعلومات في مجال الدين.

نسبة ضخمة لا تخدم الاستثمار

وقدر البحث نسبة الأمية بين السكان، الذين يصل عمرهم إلى عشر سنوات فما فوق، ب 43%، وقد تراجعت هذه النسبة، خلال السنتين الماضيتين، بأكثر من 4 نقط لتستقر عند حدود 38.45%.

أما نسبة الأمية بين السكان، الذين يصل عمرهم إلى 15 سنة فما فوق، فانخفض بدوره بنسبة شبه مماثلة، إذ انتقل من47.7% سنة 2004 إلى 42.98% سنة 2006.

ويعادل هذا التراجع المسجل في حجم ظاهرة الأمية، خلال السنتين الفاصلتين بين الإحصاء العام للسكان وإنجاز هذا البحث الوطني، نسبة 10 في المائة.
وأبرزت هذه النتائج، أن حجم الظاهرة، quot;هو نتيجة تقاطع عوامل اقتصادية وسوسيو مجالية وأخرى ثقافيةquot;، وعزت أسباب عدم تمدرس الأميين إلى quot;فقر الأسر التي لم تكن تستطيع تحمل ما يتطلبه تمدرس أطفالها من نفقات رغم مجانية التعليم الابتدائيquot;.

وفيما يتعلق بالمعارف والسلوك في المجال السياسي، أظهرت النتائج أن الكلفة الاجتماعية quot;جد مرتفعة، ذلك أنه إذا كانت نسبة المنتمين إلى أحزاب سياسية من بين الأميين لا تتجاوز0.7%، فإن نسبة من صوتوا منهم خلال الانتخابات الأخيرة تصل 75.9 %quot;.

وبخصوص عدم التمدرس والانقطاع عن الدراسة، ما زالا يمثلان المنبعين الرئيسيين للأمية بالمغرب، أوضحت نتائج البحث، quot;أن نسبة الأطفال البالغين 9-14 سنة، والموجودين خارج المدرسة، تصل 15%، وهي نسبة quot;ضخمة بالنسبة لبلد يريد الاستثمار في رأسماله البشري، ويعمل على تحقيق تنمية ذاتية تضمن له استقلالية ومكانة لائقة داخل الاقتصاد العالميquot;.

وتتجلى الانعكاسات السلبية لهذه الوضعية في صور مختلفة، من بينها quot;الانعكاس السيكولوجي للفشل الدراسي على الأطفال الذين يجدون أنفسهم بعد عدد من السنوات قضوها بالمدرسة، بدون أية وضعية، فريسة فراغ تام يجعلهم عرضة لكل أنواع الانحراف. كما نذكر منها أيضا ما ينتاب أولئك الأطفال من شعور بالدونية ومن فقدان تام للثقة بالمدرسة باعتبارها مضيعة للوقت وللجهد، وهو شعور يختلط أحيانا بنوع من التناقض الوجداني الذي يتجلى في التناقض بين عدم الثقة في المدرسة، والأمل في فرصة ثانية للتربية تخرجهم من الوضع الذي يعانون منهquot;.

وخرجت نتائج البحث الوطني حول الأمية بتوصيات لتعزيز الحملات التواصلية لاستهداف أكبر عدد من الأميين، وذلك بتنويع المقاربات ووسائط التواصل حسب الفئات المستهدفة، وتوظيف قنوات التواصل المتوفرة (من أسر وأئمة، وجمعيات وجماعات محلية وسلطات محلية..) والتي لها تأثير كبير على الأميين.