الوزارة إعتبرته quot; إجراء عمليّا quot; و الأساتذة يقولون إنه quot; مسّ في مصداقيتهم quot;

مناشير في الجامعات التونسيّة تثير إستياء الأكاديمييّن

الدكتور أحمد بوعزّي

إسماعيل دبارة من تونس: لم يتصوّر رؤساء بعض الجامعات في تونس أن يثير القرار الذي إتخذوه مؤخّرًا ودعوا من خلاله الأساتذة الجامعيين إلى الإلتزام بإجبارية توقيعهم على ورقة الحضور قبل كل حصة درس إلى جانب التكفل بإحصاء نسبة حضور وغياب الطلبة، جدلاً كبيرًا و إستياء عارماً في أوساط الأساتذة.

القصّة التي تحوّلت إلى جدل كبير يخوض فيه منذ أسابيع جلّ أساتذة التعليم العالي في تونس، إنطلقت مع صدور مناشير عن بعض رؤساء الجامعات خصوصاً الكبرى التي تدعو الأساتذة الجامعيين إلى الإلتزام ببعض الإجراءات الجديدة ومن ذلك إجبارية التوقيع على ورقة الحضور قبل كل حصة إلى جانب إحصاء نسبة حضور وغياب الطلبة بشكل دوريّ. كما تدعو المناشير إلى ضرورة تسليم تلك الوثائق لرؤساء الأقسام.

وجاءت المناشير في خطوة إعتبرها المتابعون فصلاً آخرًا من المعركة المحتدمة بين الأساتذة الجامعيين و ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجي التونسية خصوصاً وأنها تأتي بُعيد إحالة ثلاثة أساتذة جامعيين وهم رشيد الشملي و نور الدين الورتتاني ومحسن الحجلاوي على مجالس التأديب أثناء العطلة الصيفية لينتهي الأمر بمعاقبتهم بطرق مختلفة.

وإعتبر أغلب الجامعيين مجالس التأديب تلك quot;تعسفيّةquot; وquot;إهانة لعموم الأساتذة وتعدّ على هيبة إكتسبها القطاع على مدى سنوات طويلة من الكدّ والعطاء قام أثناءها بدور ريادي في تنمية البلاد ونشر المعرفةquot;.

الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي quot;النقابةquot; لم تبق مكتوفة الأيدي إزاء الإستياء الذي خلفته تلك المناشير، وإعتبر عدد كبير من الأساتذة الجامعيين ممن تحدثت معهم quot;إيلافquot; تلك المناشير quot;مخالفة للأعراف والمعاملات المعمول بها في الجامعة التونسية منذ أمد كبيرquot;.

إلا أن الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي إستنكرت في بيان لها موقّع من طرف كاتبها العام سامي العواديquot; الطريقة التي إستعلمت لمعالجة مسألة التغيّبquot; والتي رأت فيها النقابة مساساً بالتقاليد الجامعية وبكرامة الجامعي إضافة إلى ما قد يتسبّب فيه إمضاء ورقة حضور لدى إدارة القسم في نهاية كل حصة من تعطيل وتعقيد.
وذكرت الجامعة أن هذا الإجراء الذي يهمّ سير الدروس إتخذ بدون الرجوع إلى مجالس الجامعات والمجالس العلمية للمؤسسات التي تمثل كل الأطراف والتي تكون مؤهلة لمعالجة مسألة التغيّب حسب خصوصيات كل مؤسسة. كما لم يفرّق الإجراء ndash; إستنادًا إلى النقابة - بين تأمين الأساتذة للدروس التي تتم حاليّا مراقبتها بصفة يومية ودقيقة من قبل إدارة سير الدروس في كل المؤسسات و الأجزاء الجامعيّة، وبين تغيّب الطلبة الذي لا يتحمّل فيه الأساتذة أي مسؤولية خصوصاً وإنّهم غير قادرون عملياً على ضبط الحضور وحصر نسبة الغياب خاصة في المؤسسات الكبرى ذات الكثافة الطلابية في ساعات الدرس النظري وحتى في ساعات الأعمال المسيّرة.

الدكتور أحمد بوعزّي أستاذ بالمدرسة الوطنيّة للمهندسين بتونس قال في تصريحات لإيلاف إنه quot;وعلى إمتداد 31 سنة من التدريس في تونس تطلب منه إدارة الجامعة بإستمرار تسجيل أسماء الطلبة المتغيبين لكنه لم يفعل ذلك ولو مرّة في حياتهquot;.

ويتابع الدكتور بوعزّي: quot;تسجيل الطلبة المتغيبين ليست من مهامي على الإدارة أن تتكفّل بذلك، أما بالنسبة لعدم إنضباط بعض الزملاء ورغبة الإدارة في مراقبتهم، فأعتقد أنّه عليها متابعتهم حالة بحالة لا تعميم المنشور على الجميعquot;.

أوساط نقابية وجامعية إعتبرت الإجراء الذي إتخذه رؤساء الجامعات quot;بدعة لا مبرر لها، في ظل إحتفاظ كل الإدارات بطريقتها الخاصة للتحصل على المعلومة المطلوبة في ما يتعلق بحضور الأساتذة وفي ظل قيام أغلب الأساتذة بمتابعة غياب طلبتهم بالطريقة المعهودةquot;. كما أنها تعكس quot;رغبة الإدارة في التشكيك في مصداقية الأساتذة وفي خلق جو من عدم الثقة بين الأطرافquot;، كما ورد في بيان الفرع الجامعي لأساتذة التعليم العاليبمحافظة صفاقس الجنوبية منذ أيام.

وحذر الفرع مما سماه quot;مناشير إدارية غريبة عن الساحة الجامعية quot; وإتهم الإدارة بمحاولة إسقاطها بوتيرة متصاعدة quot;في إطار إذلال الأستاذ الجامعي عوض تثمين تضحياته الجسام في وقته وجهده لتدارك القصور في المنظومة التربويةquot;.

ويرى الدكتور أحمد بوعزّي أنّ الإمضاء على ورقة الحضور وإعلام رئيس القسم ومن ورائه الإدارة بنسب حضور الطلبة في كل حصة، يفرض على الأستاذ التحول بعد كل حصة إلى مكتب رئيس القسم للقيام بالإجراءات الإدارية المطلوبة منه وفي ذلك مضيعة كبيرة للوقت، فالأقسام التي تضمّ أكثر من 180 طالباً تحتاج إلى أكثر من ساعة في كلّ حصّة لمناداة الطلبة والتأكد من الغيابات والحضور وتسجيلهاquot;.

من جهتها تؤكّد وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجي على أن المسألة quot;داخلية وتهم الجامعات والكليات فقطquot; أي أنّ هذه المناشير هي عمل داخلي لبعض المؤسسات الجامعية دون أخرى تريد من خلالها تنظيم عملها الإداري ومراقبة غياب الطلبة في ظل تحول شبه كامل نحو منظومة quot;إمدquot; التي تقتضي الحضور الدائم والمستمر في الدروس.

ويقول الأستاذ الجامعيّ بوعزّي:quot;لا يمكن قبول التبرير الذي يتحدّث عن إتباع منظومة quot;إمدquot;، فهذه المنظومة متبعة في كلّ من أوروبا وأميركا الشمالية وتقوم على تقليص عدد ساعات الدراسة في الأسبوع وتجزئة الطلبة على عدد كبير من الفصول يضمّ كلّ واحد منها خمسة وعشرين طالبا على الأكثر، لا يمكن أن نلزم طلبتنا بالحضور ونحن ندرّسهم لأكثر من 38 ساعة أسبوعيّاً، لهم مشاكلهم الخاصة وحوائجهم التي يضطرّون إلى قضائها في أوقات الدّرس بما أننا لا نمنح لهم فرصة للراحةquot;.

وتعتبر الوزارة مراقبة حضور وغياب الطلبة وتسجيل ذلك وإعلام الإدارة بالغياب واجباً على كل الأساتذة ويندرج في إطار المحافظة على الجانب التكويني للطالب وإجبارية حضوره وتلقى نسبة محدّدة ومعقولة من الدروس والمحاضرات، نافية أن تكون الإجراءات المتخذة تمسّ من مصداقية الأساتذة أو تشكيكاً بهم و بإنضباطهم.

الأستاذ الجامعي عبد السلام الككلي إعتبر في حديثه لإيلاف أنّ التغيّب ظاهرة خطيرة ليست مرتبطة ببداية السنة الجامعية فهي تشمل كامل السنة بل أنها بدأت تشمل الإمتحانات نفسها، وذلك يعني بلا ريب أن المشكلة لا تحل فقط بأساليب المراقبة التي ليست في الواقع غير ذر الرماد في العيون أو نوع من الإيهام بمواجهة المشكل، بل إنّ معالجة المشكل تحتاج إلى مقاربة أشمل تأخذ في الإعتبار وضعية بعض الإختصاصات وجدوى نظام التدريس الحضوري لكل الطلبة وطرق التقييم وظروف العمل والدراسة بالمؤسسات الجامعية والوضعيات المادية والإجتماعية للطلبة وذلك يحتاج إلى إستشارة حقيقية تدمج كل الأطراف من أساتذة وطلبة عبر هياكلهم العلمية والنقابية وخاصة الكف عن التعامل مع مشاكل الجامعة بعقلية المراقبة والإستخبارquot;.