خلف خلف من رام الله: في الفترة الواقعة بين 1996- 1999، ترأس بنيامنين نتنياهو الحكومة الإسرائيلية، وعاشت المفاوضات مع الجانب الفلسطيني خلال تلك الفترة جمودًا لم تعرفه العملية السلمية بين الطرفين منذ بدء محادثات اتفاق أوسلو بداية التسعينات، بل أن صعود نتنياهو لسدة الحكم الذي رافقه انتفاضة فلسطينية احتجاجًا على حفريات نفذتها السلطات الإسرائيلية في السور الغربي للمسجد الأقصى المبارك، سقط خلالها العشرات من الفلسطينيين بين قتيل وجريح، اعتبر ضربة للعملية السلمية برمتها.
اليوم مرت الكثير من السنوات على مغادرة نتنياهو للمشهد السياسي، على الأقل فيما يخص الشأن الفلسطيني، ولكن ثمة إشارات توحي بقرب عودته، أولها، استطلاعات الرأي التي تبين تقدم شعبية حزب الليكود بزعامته، على حساب تراجع شعبية حزب كاديما الحاكم، الذي يرقد مؤسسه وزعيمه الروحي ارييل شارون في غيبوبة منذ نحو 3 سنوات، وهو عمليًا ما يشير إلى أن حزب الليكود قد يشكل الحكومة الإسرائيلية المقبلة.
إذ أن استطلاع الرأي الذي أجري من قبل quot;هآرتس ndash; ديالوغquot; بإشراف البروفيسور كميل فوكس من جامعة تل أبيب، يوضح أنه لو أجريت الانتخابات الإسرائيلية العامة اليوم فإن الليكود يحصل على 36 مقعدا، مقابل 27 مقعدا لـquot;كاديماquot; و12 مقعدا لحزب quot;العملquot;، هذه النتائج تقلق الفلسطينيين شعبا وساسة، وإن كان ذلك بشكل غير علني، إلا أنه من المعروف أن حزب الليكود اليميني، بمواقفه المتشددة، سيضع كافة الجهود التي بذلت في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية خلال الشهور الماضية في مهب الريح.
ولكن نتنياهو، الذي يقترب من سدة الحكم شيئا فشيئًا، -حسب استطلاعات الرأي- يعي تمامًا أهمية إطلاق تصريحات تطمئن الإسرائيليين والعالم على العملية السلمية، وبالتالي فقد أعلن في آخر تصريحاته خلال لقاء عقده أمس الخميس مع سفراء الدول الأوروبية المعتمدين لدى إسرائيل بأنه لا يرغب في مواصلة التحكم في حياة الفلسطينيين. مشيرًا إلى أن الغالبية العظمى من الشعب في إسرائيل بما فيها الغالبية في الليكود لا ترغب في ذلك بل تريد السلام والأمن.
وعزف نتنياهو من جديد على وتر التمسك بالعملية السلمية، منبهًا في الوقت ذاته، إلى ضرورة إلى أن لا يكون ذلك على حساب أمن الدولة العبرية، إذا قال: quot;رئاسة الليكود ستواصل الحوار السياسي مع الفلسطينيينquot;، مضيفًا أنه يرفض سياسة الجمود في المفاوضات، معربا عن اعتقاده بأن الفلسطينيين سيناولون جميع صلاحيتهم المدنية عبر المفاوضات السياسية، ولكن في المقابل يجب على إسرائيل التأكد أن أي أجراء لا يمس أمنها.
للفلسطينيين تجربة طويلة مع نتنياهو، فهو معروف بمواقفه العدائية ضدهم، ففي أشهر خريف 2000، اقترح علنا مهاجمة أهداف من شأنها تقويض السلطة الفلسطينية بهدف ثني عزم قادتها على مهاجمة إسرائيل، على حسب تعبيره. كما أن مواقف نتنياهو خلال ولايته خلقت توترات إسرائيلية مع الإدارة الأميركية، ولكنها لم تصل لحد الاحتكاك المباشر. إذ اكتنفت علاقات إدارة كلينتون مع حكومة نتنياهو بين سنوات 1996 - 1999 بعض التوترات، بسبب ممارسة الأخير لتصرفات تضرب بوصلة العلمية السلمية، ومنها:
مصادقة نتنياهو في أيلول 1996 على قرار فتح نفق البراق في البلدة القديمة في القدس (الذي أثار في أعقابه موجة عنف واسعة في الضفة الغربية) وتصريحه في شباط 1997 عن نيته إقامة حي يهودي جديد في جبل ابوغنيم وسط القدس، والتأخيرات والتسويفات اللا نهائية من جانب إسرائيل في المباحثات في تنفيذ النبضة الثانية في الضفة الغربية وقرار حكومة نتنياهو تعليق تنفيذ اتفاق وأي في 23 تشرين أول 1998، كل هذه القرارات والخطوات خلقت أزمة ثقة شديدة جدا بين الرئيس بيل كلينتون ووزيرة الخارجية اولبرايت من جهة وبين رئيس حكومة إسرائيل نتنياهو من جهة ثانية. مع ذلك فان الخطاب الأمريكي الأبرز ضد رئيس الحكومة الإسرائيلية حينذاك بقي، بصورة عامة، يفتقر من أي مضمون أو جوهر عقابي حاسم.