إدارة بوش إنشغلت بالبحث عن الأسباب: quot;لماذا يكرهوننا؟quot;
تعاظم حقد العرب على أميركا والمهمة لأوباما بتحسين صورتها

واشنطن: يرث الرئيس الأميركي الجديد، باراك أوباما، تركة ثقيلة من التحديات والملفات العالقة والمتأزمة على الصعيدين الداخلي والخارجي. ومن أبرز تلك الملفات التي ستفرض ذاتها على أجندته تراجع المكانة والصورة الأميركية خلال فترتي الرئيس بوش لاسيما عربيًّا، نظرًا للأهمية الاقتصادية والجيو استراتيجية للمنطقة العربية في منظومتي المصلحة والأمن القومي الأميركي. ولأن التعامل الأميركي مع التحديات الدولية المعاصرة، كالحرب على الإرهاب ومنع الانتشار النووي وأمن الطاقة ينطلق من منطقة الشرق الأوسط.

عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وتزايد الاتهامات الرسمية وغير الرسمية للعرب بأنهم يكرهون كل ما هو أميركي، انشغلت إدارة الرئيس بوش بتساؤلين رئيسين، الأول عن أسباب كراهية العرب للولايات المتحدة quot;لماذا يكرهوننا؟quot;، والثاني عن كيفية تحسين الصورة الأميركية عربيًّا. ولهذا أولت الإدارة قدرًا من الاهتمام بالدبلوماسية العامة كمحاولة لتعريف العرب أكثر بالولايات المتحدة إيمانًا منها بأنهم (العرب ) لو عرفوها ما كرهوها وما أحرقوا علمها.

ورغم تعدد أدوات واستراتيجيات الدبلوماسية العامة الأميركية بالمنطقة العربية - إطلاق إذاعة quot;سواquot;، وقناة الحرة الإخبارية، ومجلة هاي (HI)، والبعثات الدراسية والتبادل الطلابي مثل برنامج فولبرايت، وتنصيب ثلاث مسئولات بوزارة الخارجية الأميركية لهذا الغرض منذ فبراير 2003، هن: شارلوت بيرز، ومارجريت تايلور، وكارين هيوز-، إلا أنها أخفقت في تحقيق أهدافها وفي تحسين الصورة الأميركية عربيًّا، إذ ما زالت هناك صورة سلبية للولايات المتحدة، ونسب الكراهية لواشنطن ما زالت مرتفعة في العالم العربي.

كراهية مصرية للسياسة الأميركية

تُظهر عديدٌ من استطلاعات الرأي التي أُجريت في عديدٍ من الدول العربية تراجع الصورة الأميركية عربيًّا أو تزايد الصورة السلبية للولايات المتحدة في العالم العربي، فيشير استطلاع لمؤسسة quot;جالوبquot; لاستطلاعات الرأي على 999 بالغ مصري يزيد عمرهم عن 15 عامًا خلال عامي 2005 و2008 أن كراهية المصريين للولايات المتحدة زادت هذا العام مقارنة بعام 2005 نتيجة للسياسات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط.

فيظهر الاستطلاع أن رؤية المصريين للجهود الأميركية تجاه الديمقراطية هذا العام (2008) أضحت أكثر سلبية عمَّا أوضحه استطلاع للمؤسسة ذاتها في عام 2005. فقد رأي 75% من المستطلعين المصريين أن الولايات المتحدة ليست جادة في إنشاء نظام ديمقراطي في منطقة الشرق الأوسط وهو ما يمثل زيادة بـ 12% عن استطلاع عام 2005 والتي كانت تقدر بـ 63%، في حين رأي واحد من كل 25 مصري أن الولايات المتحدة جادة في مساعيها إلى إنشاء نظام ديمقراطي بالمنطقة هذا العام وهي نسبة منخفضة عن استطلاع عام 2005 حيث وافق واحد من كل أربعة مصريين في استطلاع عام 2005 على أن واشنطن جاهدة في دفع الديمقراطية بالمنطقة.

وتظهر الاستطلاعات ما بين عامي 2005 إلى 2008 أن رؤية المصريين لأداء الولايات المتحدة الأميركية لدورها القيادي أضحت أكثر سلبية هذا العام، فقد انخفضت إلى 6% مقارنة بالعام الماضي (2007) والتي كانت تقدر بـ 13%، وهي أعلى نسبة سلبية حول دور الولايات المتحدة متقدمة على 140 دولة أخرى في الاستطلاع.

رغم مستوى المعونات الأميركية لمصر، فمصر تحصل على 1.3 مليار دولار سنوي مساعدات عسكرية وما يزيد على 5 مليار دولار كمساعدات تنموية ما بين عامي 2000 و2008، أظهرت الاستطلاعات معارضة المصريين أن يكون التوجه الأميركي من خلال تلك المساعدات تحسين للأحوال الاقتصادية.

ولا يقتصر شك المصريين في أن الهدف من المساعدات الأميركية في المنطقة دفع عجلة التنمية الاقتصادية ولا أن الجهود الأميركية تهدف إلى تشجيع التحول الديمقراطي، ولكنهم يرون أن الولايات المتحدة لن تعطي المنطقة فرصة قيام نظام ديمقراطي يناسبهم بعيدًا عن التأثير الأميركي المباشر الذي يهدف إلى قيام نظام ديمقراطي حسب التصور الأميركي. بعبارة أخرى يرى المصريون أن الولايات المتحدة ليست جادة في الديمقراطية وإنما هي وسيلة لتحقيق مصالحها، فقد أظهر الاستطلاع أنه عندما سئل المصريون هذا العام ما إذا كانوا يرون أن الولايات المتحدة ستترك لشعوب المنطقة اختيار مستقبل سياسي يتناسب مع أحوالهم بعيدًا عن التأثير الأميركي المباشر عارض 75% من المستطلعين، فيما وافق 4% فقط.

ويرجع محللو نتائج الاستطلاع إلى أن هذا التراجع في التأييد الشعبي المصري للولايات المتحدة الأميركية راجع إلى الموقف الأميركي من الصراع الفلسطيني ndash; الإسرائيلي حيث إن الولايات المتحدة كثيرًا ما تكون في صف تل أبيب أكثر من كونها متوافقة مع الموقف المصري من الصراع، وهو ما يفوق أهمية تأثير المساعدات الخارجية الأميركية في وجهة نظر المصريين، فحسب كثيرين تدعم الحكومة المصرية سلامًا بين الإسرائيليين والفلسطينيين وقيام دولة فلسطينية يختلف عمَّا تدعمه إدارة الرئيس بوش.

فتظهر الاستطلاعات اهتمام المصريين بالقضية الفلسطينية، فعندما سألت مؤسسة جالوب المصريين عن مدى اهتمامهم بأخبار الأراضي الفلسطينية، أظهرت الاستطلاعات في العام الحالي والماضي أن الأغلبية العظمى من المصريين يبدون اهتمامًا متعاظمًا لأخبار الأراضي الفلسطينية.

توافق عربي على كراهية أميركا

الصورة السلبية للولايات المتحدة الأميركية بين المصريين لا تنفصل عن تلك الصورة العامة المنتشرة بين شعوب العالميين العربي والإسلامي، ففي استطلاع لجالوب هذا العام في 34 دولة، أظهرت نتائج الاستطلاع تشابه رؤية اللبنانيين والسعوديين مع رؤية المصريين في أن الولايات المتحدة ليست جادة في نشر الديمقراطية بمنطقة الشرق الأوسط.

كما تظهر نتائج استطلاع لكرسي أنور السادات للسلام والتنمية بجامعة ميرلاند وبالتعاون مع مؤسسة زغبي الدولية في مارس من هذا العام (2008) في ست دول عربية، هي: مصر، الأردن، لبنان، المغرب، المملكة العربية السعودية والإمارات، ارتفاع نسبة من لديهم رؤية سلبية عن الولايات المتحدة إلى 64% والتي تمثل ما يقرب من 4 آلاف مستطلع من الدول الست عنها في عام 2006 والتي تقدر بـ 57%. في حين أبدى 19% بعض الرؤى الإيجابية تجاه الولايات المتحدة مقارنة باستطلاع آخر خلال الأشهر الماضية والتي قدرت بـ 17%.

هذا وقد رأى 88% من المستطلعين أن الولايات المتحدة أكبر تهديد للمنطقة فيما رأى 95% أن إسرائيل، وهي نسبة مرتفعة مقارنة باستطلاع آخر أواخر عام 2006 حيث رأى 72% أن واشنطن أكبر تهديد فيما صنف 85% تل أبيب على أنها أكبر تهديدٍ. ورأى ما يقرب من ثلثي المستطلعين أي 65% أن الديمقراطية ليست هدفًا أمريكيًّا حقيقيًّا في المنطقة في حين رأى 20% أنها هدف حقيقي لكن الولايات المتحدة تطبقه بصورة خاطئة.

هذا، ويشير استطلاع لمركز quot;بيوquot; لأبحاث الرأي العام ضم 24 ألف مستطلع من 24 دولة في الفترة من 27 مارس إلى 21 نيسان إبريل الماضيين إلى أن نسبة من لديهم صورة سلبية عن الولايات المتحدة في الأردن - أحد حلفاء الولايات المتحدة - وصلت إلى 79 في المائة وهي الأعلى بين المستطلعين العرب، وفي مصر - الحليفة أيضًا لواشنطن - كشف الاستطلاع أن هناك 22 في المائة لديهم رؤية سلبية عن الولايات المتحدة و39 في المائة يرونها عدوًّا، وفي تركيا وصلت نسبة من يصنفونها على أنها عدو إلى 70 في المائة، ومن لديهم رؤية إيجابية عنها إلى 12 في المائة.

ويُشير استطلاع آخر لمؤسسة زغبي الدولية لاستطلاعات الرأي إلى أن كراهية العرب للولايات المتحدة زادت خلال عامي 2002 - 2003 في مصر من 79 في المائة إلى 98 في المائة، وفي المغرب من 61 في المائة إلى 88 في المائة، وفي الأردن أيضًا من 61 في المائة إلى 78 في المائة. ويرجع ارتفاع نسبة كراهية العرب لواشنطن خلال فترة الاستطلاع إلى التحضير الأميركي للحرب على النظام العراقي السابق، وإخفاق الإدارة في تصوير تلك الحرب على أنها حرب من أجل تحرير العراق من استبداد النظام السابق.

أوباما ومهمة تحسين الصورة

فوز باراك أوباما في انتخابات الرابع من نوفمبر، قد يساعد في تحسين الصورة الأميركية عربيًّا، فباراك أوباما هو الأجدر على تحسينها مقارنة بالرئيس الحالي ndash; جورج بوش - ومنافسه في الانتخابات الرئاسية المرشح الجمهوري quot;جون ماكينquot;، وذلك لأربعة أسباب رئيسة، هي:

أولاً: تمتع الرئيس الأميركي الجديد بشعبية جارفة في منطقة الشرق الأوسط على الصعيدين الرسمي والشعبي، حيث تُفضل الأغلبية العربية باراك أوباما رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية. وعلى الرغم من تصريحاته تجاه القضية الفلسطينية التي أغضبت كثيرين إلا أنها لم تؤثر في شعبيته، بحيث لم يذهب التأييد العربي إلى منافسه ماكين. ولعلَّ هذا جليًّا في حجم الكتابات والتحليلات العربية سواء الصحفية أم الإعلامية أم على شبكة الإنترنت التي تؤيد باراك أوباما رئيسًا للولايات المتحدة، والتي تعول عليه في إحداث تغيير في السياسة الأميركية تجاه قضايا المنطقة المتأزمة.

ثانيًا: تبني باراك أوباما خطابًا انتقاديًّا لسياسات إدارتي الرئيس بوش والمحافظين الجدد، فالبعض أضحى يطلق عليه (Anti-Bush)، وينظر إليه على أنه رجل التغيير داخل الولايات المتحدة. فأوباما يعارض سياسات بوش الانفرادية حيال التعامل مع الأزمات الدولية لكنه يفضل العمل الجماعي في إطار المنظمات الدولية ومع الحلفاء.


ثالثاً: وما يُعزز من فرص أوباما في تحسين الصورة الأميركية بالمنطقة مواقفه حيال عديد من قضايا المنطقة العربية ابتداءً من رفضه الحرب الأميركية على العراق منذ بدايتها إلى يومنا هذا ودعواته لسحب القوات العسكرية الأميركية، مرورًا بتبنيه نهجًا دبلوماسيًّا للتعامل مع قضايا منطقة الشرق الأوسط، ولعل مواقفه من الأزمة النووية الإيرانية خير مثال على ذلك، حيث يركز على الدبلوماسية والحوافز والعقوبات، وعدم التلويح باستخدام القوة العسكرية في التعامل مع الأزمة إلا في حال استنفاد كل الحلول السلمية والعقوبات، وانتهاءً بالانفتاح على أعداء الولايات المتحدة الأميركية بالمنطقة من دول وقوى، ورفض عزلها كما كانت تتبنى إدارتا بوش، فهو الداعي إلى حوار مع سوريا وإيران وحزب الله وحماس مع بداية الانخراط الأميركي في عملية السلام بالمنطقة، لكن بشروط وإجراءات مسبقة بالنسبة للقوى التي تحمل السلاح والتي لا تعترف بإسرائيل.

رابعًا: إن انتخاب باراك أوباما رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية زاد من الإعجاب العربي بالقيم والمبادئ الأميركية. فعلى الرغم من تزايد الكراهية للولايات المتحدة لسياساتها مازال كثيرٌ من شعوب المنطقة معجبين بالقيم والمبادئ الأميركية. وهو الأمر الذي قد يشجع الرأي العام العربي والإسلامي على دعم قياداتهم للتعامل والعمل مع الولايات المتحدة.

وانطلاقًا من مقولة quot;كيف يستقيم الظل والعود أعوج ؟quot;، فإن تحسين الصورة الأميركية عربيًّا يرتبط بإحداث تغيير في السياسة الخارجية الأميركية تجاه القضايا المحورية في المنطقة، لاسيما الصراع العربي - الإسرائيلي والغزو الأميركي للعراق فهما يُشكلان أكبر التحديات أمام أي فرصة لتحسين الصورة الأميركية عربيًّا. ومن دون إنهاء العنف والفوضى في العراق وسحب القوات الأميركية، ومن دون إظهار واشنطن دورًا نشطًا ورياديًّا في التوصل إلى تسوية عادلة وشاملة للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي سيظل العرب ينظرون بعين الشك والريبة لأي أهداف تسعى واشنطن إلى تحقيقها في المنطقة وإن كانت للإصلاح والتحول الديمقراطي. فبحسب استطلاع لمؤسسة زغبي الدولية عبّر 67 في المائة ممن شملهم عن أن الصورة الأميركية قد تتحسن في حال نجاح واشنطن في إيجاد حل عادل وشامل للصراع العربي - الإسرائيلي، و33 في المائة ممن استطلعت آراؤهم يربطون التحسن بخروج القوات الأميركية من العراق.

وفي التحليل الأخير، في تحسين صورة الولايات المتحدة عربيًّا ليس من الأمور السهلة، خاصة أن الصورة السلبية لواشنطن والمترسخة في عديدٍ من بلدان العالمين العربي والإسلامي لم تتكون بين عشية وضحاها ولن تتبدل بين ليلة وضحاها. فتحسين صورة أي دولة يرتبط في المقام الأول بسياساتها، والدبلوماسية العامة لا يمكن أن تنفصل عن الدبلوماسية الرسمية، ولا يمكن أن تنجح الأولى فيما أخفقت فيه الثانية. والنوع الوحيد من الدبلوماسية العامة الذي ينجح في المدى البعيد، هو ذلك النوع المؤسس على برامج قابلة للاستمرار، والتي تدوم فقط إذا ما لبت المصالح المتبادلة لكلا الطرفين.