لندن: رغم استئثار القصف الإسرائيلي لغزة بنصيب الأسد من تغطية الصحف البريطانية الصادرة اليوم، إلا أننا نطالع أيضا تحليلات وتقارير أخرى، من بينها أثر التطورات في المنطقة على زخم انطلاقة الرئيس الأمريكي المنتخب، باراك أوباما، لدى استلامه زمام الأمور في البيت الأبيض وتقريرا طريفا عن قصة غرام quot;زائفةquot; منسوبة إلى زمن المحرقة (الهولوكوست).فقد عنونت صحيفة التايمز أحد تقاريرها الإخبارية الكثيرة عن أحداث غزة، والمرفق بصورة كبيرة لرجل يئن ويصرخ متألما أثناء محاولة انتشاله من بين الأنقالض، بكلمات جاء فيها: quot;آمال أوباما بالتوصل إلى صفقة مبكرة للسلام تتحطم في حقل سياسيات الشرق الأوسطquot;.

يقول التقرير، الذي أعده بشكل مشترك كل من تيم ريد من واشنطن، وسام كوتس، كبير المحررين السياسيين في الصحيفة، لم يعد يعتري أوباما وفريق عمله أدنى شك بأن أحداث غزة قد وجهت صفعة قوية لآمال الإدارة الأميركية الجديدة بشأن إمكانية التوصل إلى صفقة سلام في الشرق الأوسط خلال الفترة الأولى من عمرها.

ويضيف التقرير قائلا: quot;إن العنف المتزايد في المنطقة يضع كلا من أوباما ووزير خارجيته المعينة هيلاري كلينتون أمام أول أزمة سياسة خارجية غير متوقعة يواجهانها، وذلك في وقت ستواجه فيه الإدارة الجديدة هما متزايدا آخر يتمثل في التحديات الجيوسياسية الطارئة التي ستضغط عليها بقوة في كل من أفغانستان وباكستان وإيران والعراق وكوريا الشمالية وروسيا.quot;

ويرى التقرير أن من شأن طريقة رد فعل أوباما على قصف غزة، لا سيما الكيفية التي عبر من خلالها عن دعمه القوي لإسرائيل، أن تهدد أيضا علاقات إدارته المستقبلية مع كل من بريطانيا وحلفائ أميركا الأوروبيين الآخرين. ويضيف التقرير بالقول: quot;عندما يبدا أوباما بسبر أغوار حقل ألغام السياسة في الشرق الأوسط، فإنه، شأنه بذلك شأن أسلافه، سيجد دوره يدخل في التعقيدات التي تفرضها عليه قوة وسلطة جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل في أميركا، مقارنة بأوروبا التي تتعاطف مع القضية الفلسطينية بشكل أكبر.quot;

quot;الحصاد المرquot;

وتنحو التايمز في موقفها الرسمي المنحى التحليلي المتشائم نفسه تقريبا، فتأتي افتتاحيتها الرئسيسة بعنوان quot;الحصاد المرquot;، وتقول فيها: quot;كان أمام إسرائيل خيار ضئيل يحول دون الرد على هجمات حماس. لكن عملها القاتل (قصف غزة) قد حطَّم الآمال المتعلقة بخطة سلام الشرق الأوسط والتي تتنرنح أصلاquot;. وترى الصحيفة أن تصاعد موجة أعمال العنف في المنطقة يوجِّه بالفعل صفعة قوية أيضا لأحد اللاعبين ألأساسيين في أي صفقة سلام محتمل مع الإسرائيليين، أي السلطة الفلسطينية المعتدلة متمثلة برئسيها محود عباس.

تقول افتتاحية التايمز إن من شأن إطالة أمد القتال في قطاع غزة أن يجعل الأمر عسيرا على السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية مواصلة محادثات السلام مع إسرائيل. وتدلل الصحيفة على موقفها هذا بالقول إن القصف الإسرائيلي سيسهم إلى حد كبير بتوسيع حدة الشرخ الموجود بين حركة حماس، التي تسيطر على قطاع غزة، ومنافستها حركة فتح، التي يرأسها عباس وتسيطر على الضفة الغربية.

وتضيف الصحيفة قائلة إن من شأن هكذا وضع أن يجعل من الصعب جدا على الرئيس الفلسطيني عباس تأمين إجماع شعبي في الضفة والقطاع على أي صفقة سلام محتملة مع الإسرائيليين. وتختم الافتتاحية بالقول إن الدعوة التي أطلقها يوم أمس الأحد خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، لكافة الفلسطينيين في الضفة والقطاع إلى بدء ما أسماه quot;الانتفاضة الثالثةquot; في وجه الإسرائيليين ستسهم أيضا في تقويض سلطة عباس وقدرته على الإسهام بالتوصل إلى صفقة سلام مع إسرائيل.

quot;قتل آمال السلامquot;

صحيفة الجارديان هي الأخرى ترى أن القصف الإسرائيلي لغزة لا يسهم فقط بقتل الفلسطينيين من مسلحين ومدنيين على حد سواء، بل يساهم أيضا بقتل آمال السلام في المنطقة برمتها. فقد خصصت الصحيفة افتتاحيتها، والتي جاءت بعنوان quot;قتل حل الدولتينquot;، للحديث عن انعكاسات قصف غزة على فرص السلام بين العرب والإسرائيليين. تقول افتتاحية الجارديان: quot;لا نعلم عدد المدنيين الذين قضوا في الهجوم الذي شنته إسرائيل على حماس في غزة في تمام الساعة الحادية عشرة والنصف من صباح يوم السبت، لأن إسرائيل تمنع الصحفيين الأجانب، كما الإسرائيليين، من دخول القطاع.quot;

وتردف قائلة: quot;لكننا نعرف جيدا أن الغارات الجوية تلك قد سببت أكبر خسائر في الأرواح خلال يوم واحد في غزة على مر الأربعين عاما الماضية.quot; وتمضي الجارديان إلى القول: quot;إذا كانت تسيبي ليفني، زعيمة حزب العمل ووزيرة خارجية إسرائيل، تظن أن تمهيد الطريق أمام إنشاء دولة فلسطينية معتدلة يكون عبر التصفية الجسدية لقيادة نصف الشعب الفلسطيني، فهي باختصاة مخطئة.quot; وتختم الصحيفة بالقول إن عملية quot;الصدمة والرعبquot;، على الطريقة الإسرائيلية، لم تفعل شيئا سوى شل العمليات نفسها التي يحتاجها كل من الإسرائيليين والفلسطينيين لكي يعيشوا معا بسلام.quot;

التخطيط لقصف غزة

أما في جانب التحقيقات، فتنشر الجارديان في عددها اليوم تقريرا جاء بعنوان quot;ستة أشهر من التخطيط السري، تتحرك إسرائيل بعدها للانقضاض على حماس.quot; يقول التحقيق، الذي أعده محرر الصحفية لشؤون الشرق الأوسط، إيان بلاكquot;: quot;إن صبر الإسرائيليين قد نفد بسبب الهجمات الصاروخية المتكررة التي تُشنُّ على جنوب البلاد، لكن الاستراتيجية الجديدة (القصف) تقود هي الأخرى إلى مخاطر جمة من شأنها خلق دوافع جديدة للانتقام والكره.quot;

ويكشف التحقيق تفاصيل جديدة تتعلق بمراحل التخطيط السرية والطويلة التي أمضتها إسرائيل بالاستعداد لعملية quot;الرصاص المسكوبquot; التي مرت بفترات quot;إعداد ودراسة متأنية ومحسوبةquot;. ويعرج التحقيق على أراء الخبراء والسياسيين والمحليين الذين يرون في توقيت الضربة الإسرائيلية علاقة وثيقة بالانتخابات الإسرائيلية المزمع إجراؤها في شهر فبراير/شباط المقبل، كما يمكن أن تترك أثرا كبيرا على مجمل الأوضاع في المنطقة. تقول الصحيفة إن ليفني، بحلمها بالإطاحة بحركة حماس من غزة، فهي تأمل أيضا أن تطيح في الوقت ذاته بحظوظ خصمها بنيامين نتانياهو، زعيم حزب الليكود اليميني، بالوصول إلى سدة رئاسة الحكومة المقبلة في إسرائيل.

جمهوريون وديمقراطيون

وعودة إلى التايمز وأوباما، ولكن هذه المرة من زاوية أميركية لا علاقة لها بغزة وبالصراع في منطقة الشرق الأوسط، بل بعودة الصراع بين الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة: الجمهوريون والديمقراطيون. فتحت عنوان quot;الجمهوريون في موقف مخجل بسبب أغنية باراك الزنجي الساحرquot;، تنشر التايمز تحقيقا لمراسلها في واشنطن، تيم ريد، يتحدث فيه عن تسبب أحد المتنافسن الرئيسيين لشغل منصب رئيس الحزب الجمهوري بإحراج كبير لحزبه من خلال إقدامه على توزيع قرص مدمج (سي دي) جديد يعرض من خلاله لمحاكاة تهكمية على شكل أغنية ساخرة أُطلق عليها quot;باراك الزنجي الساحر.quot;

يقول التحقيق، الذي ترفقه الصحيفة بصورة لأوباما الذي جرى تصويره على شكل سوبرمان (رجل خارق) يبتسم وفوق الصورة كلمة تقول quot;سوبر باماquot;، إن تشيب سولتمان، المدير السابق لحملة المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية مايك هاكابي، إنما أراد من خلال تصرفه quot;المستهجنquot; جذب الأنظار إليه كأحد المرشحين البارزين لشغل منصب رئيس الحزب.

أغنية quot;الزنجي أوباماquot;

صحيفة الجارديان هي الأخرى تتصدى للحديث عن quot;الأغنية الفضيحةquot; فتعنون تقريرها عن الموضوع: quot;مسابقة جمهورية يجري إفسادها بأغنية عن أوباما.quot; يقول تحقيق الجارديان، الذي أعده مراسل الصحيفة في واشنطن، إيوين مكاسكيل، إن كلمات وفكرة الأغنية الساخرة، والمبنية على أساس عرقي، قد أضحت قضية بحد ذاتها في معركة الوصول إلى رئاسة الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة.

وتنقل الصحيفة عن ساول أنوزيز، رئيس فرع الحزب الجمهوري في ميتشيغان، قوله: quot;برأيي، إن هذه (الأغنية) ليست مضحكة، بل هي تنم عن ذوق هابط وسيِّء.quot; وأضاف أنوزيز بقوله: quot;إن أي شيء يصور الحزب الجمهوري على أنه مدفوع بنقده للرئيس المنتخب باراك أوباما بأي شيء غير الاختلاف بالفلسفة والفكر معه فهو إنما يقدم خدمة عكسية لحزبنا.quot;

صفقة كويتية

ومن أخبار السياسة إلى أخبار الاقتصاد وشجونه، نعود إلى التايمز لنطالع تحقيقا بعنوان: quot;صفعة قوية إلى شركة quot;داو كيميكلquot; للصناعات الكيماوية مع إلغاء الكويت لمشروع مشترك معها إثر معارضة نواب في البرلمان.quot; أما الخبر، الذي كتبته مراسلة الصحيفة، هيلين باور، فيقول إن رئيس الوزراء الكويتي، الشيخ ناصر المحمد الصباح، قد ألغى مشروعا ضخما مشتركا بقيمة 7.5 مليار دولار أميركي مع شركة quot;داو كيميكلquot; في الولايات المتحدة، وذلك في أعقاب الضغط الذي تعرض له من قبل خصومه السياسيين في البلاد.

تقول الصحيفة إن الصفقة الملغاة كانت قد وُقِّعت الشهر الماضي بين quot;داو كيميكلquot; وشركة quot;بتروكيميكال إنداستريزquot; الحكومية الكويتية، والمختصة بالصناعات الكيماوية أيضا، وكانت تقضي بدخول الشركة الكويتية كشريك بالمناصفة بقرض قيمته 13 مليار دولار أميركي ويُستخدم لشراء شركة quot;روهم آند هاسquot; المنافسة. وفي حال كان قد قيِّض للصفقة أن تتم كما كان مخططا لها العام المقبل، فكانت الشركة الأميركية تخطط لاستخدام الأموال التي تجنيها من الصفقة من أجل تسديد ديونها المتراكمة ومنها القرض الكبير الذي حصلت عليه مؤخرا.

قصة عشق quot;كاذبةquot;

ومع الديلي تلجراف نختتم بتقرير شغل أيضا مساحات في الصحف الأخرى الصادرة اليوم وجاء بعنوان: quot;فضح قصة حب ملفَّقة بطلها أحد الناجين من المحرقة (الهولوكوست).quot; يقول تقرير الديلي تلجراف، المرفق بصورة كبير بالأبيض والأسود لهيرمان روزنبلات وزوجته روما، وهي تحاول أن تضع في فمه لقمة من كعكة عرسهما عام 1958، إن الزوجين المذكورين كانا قد زعما أن قصة عشقهما وُلدت عندما التقيا للمرة الأولى عبر جدار من الأسلاك الشائكة التي كانت تحيط بجدار أحد معسكرات الاعتقال النازي.

ويضيف التقرير، الذي أعده مراسل الصحيفة، توم ليونارد، قائلا إن رواية جديدة بعنوان quot;أنجيل آت ذا فينسquot;، أي quot;ملاك على الجدارquot;، وكانت قد نُسجت حول قصة العشق المزعومة بين روزنبلات وروما، قد سُحبت مؤخرا من قبل دار النشر quot;بيركلي بوكسquot; التابعة لدار quot;بينجوينquot; الشهيرة، وذلك بعد انتشار مزاعم لعلماء وخبراء ,أفراد تفضح زيف ادعاءات العاشقين بشأن الطريقة التي تعارفا من خلالها.

وتشير الصحيفة إلى أن العديد كانوا قد وقعوا ضحية لزيف وادعاءات العاشقين ومنهم مخرجو فيلم تحاكي أحداثه قصة حبهما المزعومة، بالإضافة إلى مقدمة البرامج الأميركية السمراء الشهيرة، أوبرا وينفري، والتي كانت قد أشادت مرة بقصة عشق روزنبلات وروما حيث قالت: quot;إنها أعظم قصة حب سبق لنا أن قدمناها للناس.quot;

وتقول الحكاية، التي كان العاشق قد اخترعها وصدقها الكثيرون، إنه تعرف إلى محبوبته روما، وهي فتاة يهودية كانت تعيش سرا لدى أسرة مسيحية، وذلك عندما كانت ترمي له ثمار التفاح وأرغفة الخبز من فوق جدار الشريط الشائك الذي يحيط بمعسكر اعتقاله في بوتشينوولد. وزعم روزنبلات، البالغ من العمر الآن 79 عاما، إنه عاد بعد سنين طويلة من خروجه من المعتقل ليلتقى بفتاته البولندية الشابة المهاجرة، روما رادجيتسكي، وquot;بمحض الصدفة المحضةquot; في نيويورك، وليتزوجها عام 1958 ويعيش معها منذ ذلك الوقت quot;بسعادة وهناءquot;.

إلا أن المؤرخين شككوا دوما بصحة ادعاءات روزنبلات، قائلين إنه كان من المستحيل أن يتمكن نزلاء المعتقلات النازية الالتقاء مع أشخاص آخرين من خارج أسوار معسكرات الاعتقال، الأمر الذي أكده أقرباء وأفراد أسرة quot;العاشق الكاذبquot; والذين أغضبتهم روايته quot;quot;الملفَّقةquot; إلى درجة أن أحد أخوته قاطعه وتوقف عن الكلام معه تماما بسبب quot;الرواية الخياليةquot;.

وتنقل الصحيفة عن سيدني فينكل، أحد أصدقاء روزنبلات ورفيقه في معسكر الاعتقال المذكور، قوله: quot;إن الطريقة التي كذب فيها لسنين وسنين طوال كانت مستهجنة وتستحق الذم والشجب.quot;
ولا تفوت الصحيفة الفرصة بالتذكير بأن أم روزنبلات، التي كانت تزور ابنها المريض في المستشفى ذات يوم، سعت حثيثة لإقناعه بالعدول عن quot;رواية عشقه الكاذبة وكسر حاجز الصمت والإفصاح عن الحقيقةquot;.