لبنان يودّع سنة استنثائيَّة
نظرة تفاؤليَّة إلى السياسة والاقتصاد في العام 2009
* صقر: 2009 أقل توترًا اذا لم يقرر حزب الله غير ذلك
* حمدان: عجز الدولة حمى المصارف من الأموال الملوثة

نسرين عجب من بيروت: لم يكن العام 2008 عاديًّا على روزنامة اللبنانيين، بل حمل في جعبته تطورات كثيرة محليَّة وعالميَّة سيكون لها تداعياتها على مختلف الأصعدة السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة. ويقرأ محللون لبنانيون أبرز الأحداث ومنها الانقسام السياسيّ الحاد والنزاعات الدمويَّة التي عاشتها البلاد واحتمالات الدخول في حرب جديدة، اضافة إلى التطورات العالميّة على الصعيدين السياسيّ والاقتصاديّ وانعكاساتها.
ويبدو عقاب صقر (الصحافي والمحلّل السياسيّ) متفائلاً نوعًا ما في نظرته إلى العام 2009 الذي يرى فيه quot;انفراجًا ونسبة أقلّ من التوترات على مختلف الأصعدة بفعل تداعيات ما حصل في العام 2008quot;.
وعلى المستوى الإقليميّ، يقرأ صقر تراجعًا في احتمال استهداف إيران، الأمر الذي من شأنه أن يقلّل من حدة التوتر محليًا quot;كون إيران كانت تقوم بحروب استباقية في لبنانquot;، آملاً من ذلك quot;بأن تكون السنة المقبلة أكثر إيجابية، خصوصًا لما حملته الـ 2008 بالنسبة إلى التعطيل وأحداث 7 أيار الدمويةquot;.

وعلى الرغم من تفاؤله النسبيّ، لم يستبعد صقر quot;عودة الاحتقان الى الشارع انطلاقًا من نشوب حرب مع إسرائيل أو قيام حزب الله بعمليات انتقامية لعماد مغنيةquot;، واضعًا ذلك في اطار تعزيز موقع حلفاء سوريا على حساب قوى الرابع عشر من آذار.
على الصعيد الاقتصادي، يلفت صقر إلى أنَّ الدولة اللبنانية منهارة جرّاء تردي الأوضاع، الأمر الذي يضعّف من قدرة المستثمر وينتج عنه الركود. ويضيف quot;لو أن هناك دولة واستقرار في لبنان لكان استقطب جزءًا كبيرًا من الأموال الخارجية، مما كان ممكن أن ينعكس ايجاباً أو على الأقل يسد ثغرة في الركود، ولكن المستثمر يشعر بعدم الاستقرار في لبنانquot;.

بوش وأوباما
وعلى الصعيد العالميّ، ينظر صقر إلى انتخاب باراك أوباما رئيسًا للولايات المتّحدة الأميركيَّة بمزيج من التفاؤل والتشاؤم. ويتوقّع أن ينتهج أوباما سياسة أقل عدوانية من جورج بوش ويدعم قضايا حقوق الأقليات ويزيد من نسب الحوار في العالم ويعتمد سياسات جديدة ابتداء من البيئة الى القوانين الداخلية ووصولاً الى الحرب.

وعلى المستوى الاستراتيجي يرى أن أوباما سيغير بالتكتيك ليكون ألطف ولكن أكثر شدة في الوقت نفسه، بهدف ألا يخسر موقعه في العالم. ويوضح quot;بوش اعتمد الدبابة وخلفها التفاوض، أما أوباما فاتوقّع أن يفعل العكس، فيلجأ الى التفاوض ثمّ التفاوض ثم التفاوض وأخيرًا آلاف الدباباتquot;. ويتابع ليقول إنَّ quot;أميركا امبراطورية واي امبراطور سيحكم بقوانين الامبرطورية، ومثلاً ممنوع على ايران وكوريا الشماليَّة تصنيع الأسلحة النووية، وممنوع على دولة اقليمية فاعلة أن تؤثر على السلمquot;. يضيف quot;أوباما سيحاول ان يعتمد تكتيكاً ليّناً ولكن هذا التكتيك قد يكون أنجحquot;.

وبانعكاس ذلك على لبنان، يعتبر صقر أن بوش كان داعماً لسيادته واستقلاله، أما أوباما فقد يفاوض سوريا على السيادة والاستقلال في لبنان. والمشكلة ان سوريا وحلفاءها يعتبرون ان لبنان يجب ان يكون جزءًا من المواجهة في المحور السوري الايراني.
ومع أنه استبعد عودة سوريا عسكرياً الى لبنان، إلا أنَّه أكّد أنها لم تخرج أمنياً ولا سياسياً من البلد، quot;ولن تفعل طالما حزب البعث يعتبر ان لبنان جزء من استراتيجيتهquot;. ولفت صقر إلى أنَّ الخطورة في ذلك تكمن في أن بعض اللبنانيين يحملون الافكار السورية ذاتها، ويلتزمون بهاquot;. وأضاف quot;لولا حزب الله لما كانت اسرائيل تفاوض سوريا لفك صلتها بحزب الله، لذا لن تتخلى عن هذه السلطة وستستمرّquot;.
حمدان: رب ضارة نافعة
ماذا يعني انهيار وول ستريت وإفلاس بعض كبريات المصارف والمؤسسات الماليَّة، وكيف ستنعكس تأثيرات ذلك على القطاع الماليّ والمصرفيّ في لبنان؟
لا يربط كمال حمدان (خبير مؤسسة البحوث والاستشارات) لـ quot;إيلافquot; بين أزمة المال العالميَّة ولبنان، لافتًا إلى أنَّ انعكاسات الأزمة الاقتصاديَّة العالميَّة على لبنان محدودة لأنَّ المصارف اللبنانيَّة لم تتورّط في شراء الأسهم أو السندات الملوثة أو المعرضة للتلوث (من النوع التي انهارت أسعاره)، كما لم تسوّق لهذا النوع من المنتجات.

ويشرح حمدان الأزمة بأن القطاع المصرفي في أميركا وبنوك الاستثمار تحايلت على القوانين والرقابة، وأعطت لنفسها الحق في أن تتصرف بمبالغ كبيرة غير خاضعة للاحتياطي الفيدرالي الأميركي لذا تم تسويق ادوات ملوثة. ويفسّر أنه لم يكن من الممكن أن يعرف الموضوع لأنهم كانوا يشترون سندات أو أسهم مغطاة ومدعومة من تأمينات لا يمكن ان تكشف.
ويقول: quot;من حسن حظنا ان استثمارات المصارف اللبنانية في الخارج لا تمثل الحصة الأكبر من موجوداتها (حجمها نسبياً مقبول)quot;. ويعزو ذلك الى أن موجودات المصارف اللبنانية في الخارج محدودة نسبياً، فضلاً عن أن الجزء الأكبر منها لم يدخل في دهاليز السندات والأسهم الملوثة.

ويشرح حمدان أن السبب الأساسي لعدم تورط المصارف اللبنانية بالأموال الملوثة في الخارج هو أن مصرف لبنان يفرض على المصارف تمويل عجز الدولة وانفاقها عبر شراء سندات الخزينة. وعجز الموازنة وضخامة خدمة الدين العام شجع المصارف على تديينها بدل ان تضع الفائض في الودائع الخارجية وذلك أربح لها وأوفر عمليًا.

أما عن تداعيات تراجع النفط إلى ما دون عتبة الخميسن دولارًا، فيقول حمدان أن تزايد دور البورصة في سوق النفط كان السبب الرئيس في ارتفاع اسعاره، فهو يباع بعقود بين البائع والشاري، كما يباع عبر البورصات العالمية. وهذا الجزء انتشر بشكل سرطاني وزاد بشكل كبير مما جعل من صفقات النفط مجالاً لتدخل المضاربين بشكل كبير، وأفقد شركة اوبيك القدرة على السيطرة عليه. وعندما تعطلت الآليات الطبيعية للبورصة سقط سعر النفط.

ويعتبر أنه لم يعد هناك منطق وهذا السعر غير طبيعي لأن كلفة استخراج برميل النفط لا تزال 70 دولارًا. ويرجح انخفاض سعر النفط أكثر، معتبراً أن هناك أزمة ثقة، quot;ومع انهيار الثقة لا تعود القوانين تحكم بل يحكم الذعرquot;.
أما في ما يخص انفجار فقاعة القطاع العقاري في أميركا، تم بيع العقارات لناس ليس عندهم ملاءة مالية، وامنوهم في شركات وبنوك حولتها الى منتج وأصبحت تبيعها لاطراف ثالثة، ولما لم تعد قادرة على التسديد انهار القطاع.
في هذا الصدد، يقول حمدان: quot;ربما ضارة نافعة. استفدنا في فترة قليلة، اذ أن بعض اللبنانيين خافوا من انهيار الاوضاع الاقتصادية في الخارج ونقلوا اموالهم الى لبنان. ولكن الخوف من مفاعيل الأزمة الاقتصادية العالمية على الخليج ومفاعيل ذلك علينا، اذ هناك نحو 400 ndash; 500 الف لبناني في الخليج، وهم مصدر اساسي للتحويلات الى لبنان. واذا تأثرت وأفلست الشركات الخليجية، فممكن أن يخسر الآلاف اللبنانيين وظائفهم أو تنخفض رواتبهمquot;.
ويختم بالقول: quot;الأمر يحتاج الى حذر كبير، يجب الا نكون متفائلين كثيراً بل حذرين لأننا كريشة في بحر هائجquot;.