تساؤلات حول مدى تحالف الثنائي الرئاسي
روسيا برئاسة ميدفيديف إمتدادًا لبوتين

موسكو، وكالات: صرح الرئيس المتوقع لروسيا دميتري ميدفيديف، قائلاً إنه سيستمر في الخط السياسي الذي إنتهجه وينتهجه الرئيس الروسي العامل فلاديمير بوتين، مشيرًا إلى أن روسيا تنتهج هذه السياسة منذ ثمانية أعوام. وقال ميدفيديف الذي تحدث للصحافيين بعد أن بات واضحًا أنه فاز في الانتخابات التي أجريت في روسيا في الثاني من مارس، إنه سيقضي فترة ما قبل السابع من أيار/مايو، وهو اليوم الذي يجب أن يتسلم فيه الرئيس الروسي المنتخب الجديد سدة الرئاسة رسميًا، في تشكيل الحكومة بالتعاون مع quot;رئيس الوزراء المستقبليquot; فلاديمير بوتين. ووصف ميدفيديف علاقاته مع بوتين بأنها علاقات الصداقة والشراكة، معبرًا عن ثقته من أن التعاون المشترك بينه كرئيس للدولة وبوتين كرئيس للحكومة سيحقق نتائج إيجابية تعطي دفعًا لتطور الدولة. وأكد ميدفيديف أنه لا ينوي إعادة النظر في صلاحيات رئيس الدولة ورئيس الحكومة، مشيرًا إلى أن لا أحد ينوي إعادة توزيع السلطات بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة.

ميدفيديف وزوجته يزوران متحف كولومينسكوي في موسكو يوم أمس

وقال الرئيس الروسي المستقبلي إن سياسة روسيا الخارجية ستبقى مستقلة تركز على حماية المصالح الروسية في إطار القانون الدولي العام، مضيفًا أنه سيتوجه في أول زيارة خارجية يقوم بها كرئيس لروسيا إلى أحد البلدان السوفياتية سابقًا. وذكر ميدفيديف في ختام مؤتمره الصحافي الذي استغرق نصف الساعة، أن السلطة العليا الروسية ستأخذ في الاعتبار مصالح جميع الناخبين بمن فيهم من اقترعوا إلى جانب المرشحين الآخرين.

من جانبها، تساءلت الصحافة الروسية الاثنين حول امكانية استمرار فريق فلاديمير بوتين وخلفه ديميتري ميدفيديف في السلطة غداة انتخابات رئاسية اعتبرت quot;الاكثر ضجرًاquot; في تاريخ روسيا ما بعد الحقبة السوفياتية.وتوقعت مجلة نيوزويك الروسية ان تقوم quot;معركة غدًاquot; مصورةبوتين وميدفيديف الذي وعد بتعيين سلفه رئيسًا للحكومة، يحركان خيوط دمية هي نسر برأسين، شعار الدولة الروسية.ورأت quot;ان تنظيم الانتخابات كان مسألة فنية. سيترتب بعد الان، على بوتين وميدفيديف تبادل المقاعد، وسيظهر مركزان للسلطةquot; هما الكرملين ومقر الحكومة.

وتابعت quot;يبدو ان بوتين مستعد فعلاً لترك السياسة الداخلية والخارجية لميدفيديف وانه يفكر بالاهتمام بالاقتصادquot;.وتساءلت صحيفة الاعمال فيدوموستي quot;اين ستكون السلطة؟quot; معددة صلاحيات رئيس الوزراء والرئيس كما نصت عليها التشريعات.وكتبت الصحافية يوليا لاتينينا في صحيفة المعارضة نوفايا غازيتا التي تصدر كل يومين quot;لم يناقش احد بطريقة جدية ما اذا كان ميدفيديف سيفوز ام لا. كان الجدل حول مسألة مختلفة تماما: هل سيأخذ ميدفيديف السلطة من بوتين؟quot;.

وتوقعت صحيفة ار بي كاي دايلي الاقتصادية تعديلات وزارية quot;اعتبارًا من اذار/مارسquot; متسائلة على لسان الخبير السياسي المعارض ستانيسلاف بلكوفسكي عن الاضطرابات التي قد تحصل خلال quot;شهرين بين القيصرينquot; قبل تنصيب الرئيس الجديد في السابع من ايار/مايو.ورأى بلكوفسكي ان quot;عملاء الدولة سيبدأون بتوزيع الحقائب فيما بينهم وستبدأ حرب بين الجميعquot;.واعتبرت صحيفة فريميا نوفوستي ان الانتخابات كانت quot;الاكثر ضجرا في تاريخ روسيا (الحديثة) السياسيquot;.

النتائج

وانتخب ميدفيديف رئيسًا بـ 70.23% من الاصوات بحسب نتائج شبه نهائية، متقدمًا بفارق كبير على المرشح الشيوعي غينادي زيوغانوف الذي حصل على 17.9% من الاصوات.ووصفت صحيفة ازفستيا الموالية للكرملين الانتخابات بأنها كانت quot;هادئة وآمنةquot;.

وهي الصحيفة الوحيدة التي ابدت ثقتها في قابلية فريق بوتين وميدفيديف للاستمرار، معتبرة ان quot;البلاد لم تحصل فقط على خطتها الانمائية لمدة 12 عامًا، الامر الذي لم يسبق ان حصل لها، بل على تأكيد بأن هذه الخطة ستنفذ بفضل الاستقرار الاقتصادي وانتقال السلطةquot;.واعتبرت ان quot;الرئيس والغالبية النيابية (التي حصل عليها حزب بوتين روسيا الموحدة) ورئيس الوزراء المقبل يشكلون مثلثًا يمثل كما يعلم الجميع اكبر قدر من الاستقرارquot; مختتمة quot;الى الامام روسيا!quot;.

غير ان صحيفة نوفايا غازيتا كتبت ساخرة quot;لم يسبق لنا ان شهدنا حملة باهتة الى هذا الحد ولا يمكن القول عنها سوى انه يبدو ان انتخابات جرت واننا انتخبنا رئيسًاquot;، هازئة من quot;محاكاة الصراع السياسيquot; بين ميدفيديف وثلاثة مرشحين لم يجر معهم مرة مناظرة.

وعنونت صحيفة روسيسكايا غازيتا الرسمية على صفحتها الاولى quot;معًا فازاquot; فوق صورة لبوتين وميدفيديف جنبا الى جنب في حفل موسيقي اقيم في الساحة الحمراء مساء الاحد.وعنونت صحيفة كومرسانت صفحتها الاولى على اعمال العنف التي جرت في نهاية الاسبوع في ارمينيا. وتحدثت في ما يتعلق بالانتخابات الروسية عن اللجوء الى quot;الموارد الاداريةquot; لتضخيم نسبة المشاركة الى حوالى 70% في عبارة تشير الى ممارسات الادارة المحلية التي تتراوح بين حض الناخبين على الادلاء باصواتهم والتزوير من خلال دس بطاقات اقتراع في صناديق الانتخاب.

وكتبت كومرسانت quot;كلما ازداد عدد الاصوات ازدادت شرعية الرئيس بنظر شعبه والاسرة الدوليةquot;.كذلك خصصت الاسبوعية المعارضة فلاست مقالاً مطولاً لعمليات التزوير ووسائل quot;حضquot; الناخبين على التوجه الى صناديق الاقتراع.

منظمة شبابية تظاهر في وسط موسكو اليوم
تشوروف يهنئ المرشحين بنجاح حملة انتخابات الرئاسة في روسيا

وهنأ رئيس اللجنة المركزية للانتخابات في روسيا فلاديمير تشوروف المرشحين الأربعة بنجاح حملة انتخابات الرئاسة في روسيا. وقال تشوروف في أثناء استعراض نتائج الانتخابات في المركز الصحافي للجنة اليوم: quot;أود أن أهنئ جميع المرشحين بنجاح الحملة الانتخابيةquot;.

الانتخابات في روسيا تعكس إرادة الناخبين

من جانبهأعلن أندرياس غروس، رئيس وفد الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا أن مراقبي الجمعية يرون، أن نتائج انتخابات الرئاسة الروسية تعكس إرادة الناخبين، ولكن دون استثمار الطاقات الديمقراطية.

فقال غروس في حديث للصحافيين، إن الشعب الروسي أدلى بصوته في هذه الانتخابات للاستقرار والتتابع، اللذين يرتبطان بالرئيس الحالي. وأضاف أن quot;نتائج انتخابات الرئاسة، التي جرت في 2 مارس، تعكس إرادة الناخبين، ولكن دون استثمار طاقاتهم الديمقراطيةquot;.

ياسن: يتعين على الرئيس الروسي الجديد ضمان ثقة البزنيس

إلى ذلكيرى يفغيني ياسن، أحد كبار الاقتصاديين الروس، أن المهمة الأساسية لرئيس البلد الجديد دميتري ميدفيديف تتمثل ليس في خفض الضرائب، وليس في دعم الاستقرار الاقتصادي العام فحسب، بل وفي المرتبة الأولى في خلق جو ثقة في علاقات البزنيس والسلطة.

وقال المتحدث إن quot;برنامج ميدفيديف الاقتصادي يتضمن كل ما هو ضروري ـ الاستثمار في البنية التحتية، وتقليص دور الدولة، والارتقاء بدور التحولات الديمقراطيةquot;.

ويؤيد ياسن فكرة مضاعفة إنتاجية العمل مرات، التي تتخلف بوتائر النمو عن زيادة أجور المواطنين الروس الآن بأكثر من النصف. ويرى ياسن أنه لا يمكن حل هذه القضية بالبرامج والمشاريع الحكومية، ولا يستطيع حلها إلا بزنيس قطاع خاص حر، يعمل بشعور الثقة بيوم غد.

انتخابات الرئاسة في روسيا ومصالح العرب

هذا ويساهم إنتخاب ميدفيديف نوعًا ما في تسهيل توقع نهج الرئيس المقبل بما في ذلك في مجال السياسة الخارجية. ومن الضروري أن ننطلق من أن علاقات موسكو مع العالم العربي منذ مجيء بوتين إلى السلطة الرئاسية في روسيا عام 2000 قد تميزت بتغييرات إيجابية. وقد تم التأكيد على أولوية هذه المنطقة في السياسة الخارجية الروسية من خلال زيارات الرئيس الى البلدان العربية من المغرب وحتى الإمارات واستقبال القادة العرب في موسكو. وقد ارتفع الحوار السياسي بين القيادة الروسية والبلدان العربية حول المسائل الأساسية في النظام العالمي المعاصر وقبل كل شيء المتعلقة بالشرق الأوسط إلى مستوى جديد. ولعبت موسكو في المنطقة دور الوسيط في عملية السلام وهذا ما جعل العرب ينظرون إلى روسيا بصفتها أحد اللاعبين الأهم مع الأخذ بالاعتبار الطلب على مكانتها ونفوذها لفك عقدة الشرق الأوسط وتسوية النزاعات الأخرى في الفضاء المحيط.

إلى جانب ذلك، توسَع نطاق علاقات موسكو مع الدول العربية في مجال التجارة والاقتصاد بما فيها بلدان الخليج العربية حيث كان تعاون موسكو مع هذه الدول في السابق ضئيلاً. وتمت صياغة الأطر العامة والمبادئ للتعاون بين الدول العربية وروسيا ولا سيما الأسس القانونية التي تنظم علاقاتهما المتعددة الأوجه والمجالات. وقد وصف هذا التعاون بين روسيا من جهة، ومصر والجزائر من جهة أخرى بالاستراتيجي. وأقدمت موسكو في السنوات الأخيرة على إلغاء الديون المستحقة لها على سورية والجزائر والعراق والتي ورثتها من العهد السوفيتي الأمر الذي ساعد على فسح المجال لتنفيذ مشاريع وصفقات كبيرة.

ودخلت الشركات الروسية أسواق الخليج بمشاركتها في التنقيب واستثمار حقول الغاز في السعودية وبناء خط سكك الحديد. وتلاحظ مؤخرا نزعة زيادة حجم التبادل التجاري بين روسيا والشركاء العرب. وحقق تدفق السائحين الروس على دول المنطقة العربية نموًا كبيرًا حيث بلغ نحو 4ر1 مليون شخص سنويًا. ووجد الجانبان اهتمامات مشتركة في مجال التصدي للتطرف والإرهاب الدولي. وبإمكاننا الآن القول إن علاقات التعاون الروسية العربية حققت منذ عام 2000 نموًا ملحوظًا على الرغم من أنها، باعتراف الجانبين، لا تستغل جميع الإمكانيات المتاحة.

فهل بإمكاننا أن نأمل في أن هذه العلاقات ستستمر وستواصل التحرك إلى الأمام في فترة حكم الرئيس الجديد؟

أغلب الظن أن ذلك سيحدث وهناك مقومات لذلك. قبل كل شيء لا يلاحظ وجود أي مسائل عالقة بين روسيا والعالم العربي أما مواقفهما من نطاق واسع من المسائل فمتقاربة في اغلب الأحيان أو متطابقة.

إن ما أنجز في عهد الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين في هذا المضمار بما في ذلك مستوى الثقة بين الجانبين الروسي والعربي يتجاوب مع مصالح روسيا الوطنية ومصالح المؤسسات الاقتصادية الحكومية والخاصة وليس للمصالح الآنية الضيقة لنخبة سياسية ما. وستواصل روسيا نشاطها بصفة أحد رعاة عملية السلام في الشرق الأوسط، إذ إن إرساء السلام وبسط الاستقرار والأمن هنا يتوافق مع المصالح الوطنية لروسيا، نظرًا لأن النقاط الساخنة في هذه المنطقة تقع بالقرب من الحدود الجنوبية لروسيا. وكلما أسرعنا في احتواء بؤرة التوتر هذه كلما بدأ تأثير التطرف الإسلامي على المواطنين الروس المسلمين يخف.

ويبدو أن جهود الوساطة الروسية في هذه المنطقة ستتزايد بتزايد طاقاتها الاقتصادية والمالية. وقد تضمن برنامج عمل دميتري ميدفيديف في فترة الرئاسة هذه الأهداف.

الجدير بالذكر أن ميدفيديف يراهن على تطوير القطاعات العلمية والتحديثية وبخاصة في مجال صناعة الطائرات والفضاء وتكنولوجيات النانو وتنويع الاقتصاد.

وتستحق هذه الفكرة التوقف عندها حيث أنها تتفق مع نهج الدول العربية وبخاصة الدول المصدرة للنفط في تنويع اقتصادها وعلاقاتها الاقتصادية الخارجية، وخاصة أن روسيا تستقطبها كشريك بديل في استثمار الثروات النفطية وغيرها من الثروات الطبيعية بمساعدة تكنولوجياتها المتقدمة وكذلك كسوق كبيرة للاستثمارات.

ومن المتوقع أن يصبح تعاون روسيا مع العالم العربي في السنوات المقبلة مكثفا أكثر إذ إن الأوقات العصيبة قد أصحبت الآن في خبر كان.

وسيتم العمل بالاتفاقات التي أبرمت في وقت سابق حول نطاق واسع من النشاط الاقتصادي التجاري والتكنولوجيات والدفاع بوساطة مجلس الأعمال الروسي العربي وغيره من المنظمات.

ويبدو أن سياسة روسيا في الاتجاه الشرق أوسطي لن تشهد حدوث تغييرات دراماتيكية خلال السنوات الأربع من حكم الرئيس الجديد. وقد برهنت التقييمات والرؤى حيال التعاون مع الدول العربية ومستقبلها ونهج تطويرها التي ظهرت في عهد بوتين على قابليتها للحياة.

غير أن التحرك إلى الأمام في هذا الاتجاه غير مبرمج ذاتيًا. العالم لا يقف في مكان واحد. ولهذا فانه من الضروري أن يترجم التعاون السياسي الذي تم تحقيقه إلى مشاريع اقتصادية وتجارية وثقافية وتكنولوجية وغيرها، وكذلك الخروج من أطر التبادل التجاري العادي إلى روابط تكاملية ما يتوافق مع نزعة العولمة المعاصرة. والمثال على ذلك هو اتفاق أبرمته موسكو والقاهرة لإنشاء منطقة صناعية روسية لإنتاج سلع على أساس التكنولوجيات الجديدة في منطقة برج العرب بمصر. ومن المتوقع أن يتم تنفيذ هذا المشروع في فترة حكم الرئيس الجديد.