دمشق: يرى محللون ان الزيارة التي يبدأها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الاربعاء في دمشق تكرس انتهاء عزلة سوريا الدبلوماسية، فيما تعتبر دمشق ان هذه الزيارة ستشكل جسرا لاستئناف الاتصالات مع واشنطن. ويقول الخبير في الشؤون السورية اندرو تابلر ان زيارة ساركوزي الى دمشق، وهي الاولى لرئيس دولة غربية منذ ست سنوات الى العاصمة السورية، تعني quot;ان عزلة سوريا على الصعيد الدولي قد انتهتquot;.

ويضيف تابلر الصحافي في مجلة quot;سوريا اليومquot; الشهرية التي تصدر في دمشق، quot;لكن هذه الزيارة هي فعليا فرصة لدمشق لتحسين علاقاتها مع واشنطنquot; التي ادرجتها على لائحة الدول التي تدعم الارهاب وفرضت عليها عقوبات وتطالبها بتغيير quot;سلوكهاquot;. ويقول quot;ان سوريا ترى في فرنسا الباب الذي سيقودها الى الولايات المتحدةquot;.

والعلاقات بين الولايات المتحدة وفرنسا من جهة وسوريا من جهة اخرى تدهورت خصوصا منذ اغتيال رئيس الحكومة اللبناني السابق رفيق الحريري في شباط/فبراير 2005 الذي اشارت اصابع الاتهام الى ضلوع سوريا فيه. وتنفي دمشق اي ضلوع لها في جريمة الاغتيال. وبعد بضعة اسابيع استدعت الولايات المتحدة سفيرتها في دمشق بدون ان تعلن قطع العلاقات الدبلوماسية فيما قرر الرئيس الفرنسي حينها جاك شيراك، وكان صديق الحريري الشخصي، تجميد العلاقات على مستوى عال مع سوريا.

وزاد من تدهور علاقة الولايات المتحدة بسوريا دعم دمشق لحزب الله الشيعي اللبناني ودورها المفترض في مساعدة المقاتلين الاجانب الى التسلل عبر اراضيها الى العراق، وتحالفها مع ايران. وتشكل هذه القضايا الثلاث اوراقا قوية في يد سوريا. اما سوريا فتنظر الى زيارة الرئيس الفرنسي على انها quot;انتصارquot;.

ويقول المحلل السوري عماد شعيبي، رئيس مركز المعطيات والدراسات الاستراتيجية ومقره دمشق، لوكالة فرانس برس quot;سوريا تجني الان ارباح المرحلة السابقة وتتلقى مردود صبرهاquot;. ويضيف شعيبي وهو كذلك استاذ جامعي مقرب من السلطة quot;خلال هذه السنوات لم تتنازل سوريا عن اي شيء ولم تنصع لاي من الشروط التي فرضتها واشنطن. وبالتالي فهي في موقع قوةquot;.

واسوة بتابلر يؤكد شعيبي ان زيارة ساركوزي quot;ستسهمquot; في معاودة الاتصالات بين واشنطن ودمشق. لكن المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية روبرت وود قال الخميس الماضي ان الولايات المتحدة ترفض ان تحذو حذو فرنسا في التحاور مع سوريا، طالما ان دمشق لا تقوم بquot;دور ايجابيquot; في العالم.

وجدد المتحدث القول ان الولايات المتحدة ستبدأ حوارا مع سوريا في حال quot;لعبت دمشق دورا ايجابيا وامتنعت عن التدخل في شؤون لبنان واوقفت دعمها للارهابيين وتحولت الى لاعب منتج على الساحة العالميةquot;. وقال وود quot;ليس هذا هو الوضع اليومquot;، مضيفا quot;طالما انها لا تلعب دورا ايجابيا وبناء، فانها تواصل عزل نفسهاquot;. ويعتبر شعيبي quot;ان الاميركيين يحاولون التوصل الى وضع استراتيجية تؤمن خروجهم من المنطقة خصوصا بسبب المشاكل التي يواجهونها في العراقquot; ويضيف quot;لقد اوكلوا الى الفرنسيين تنفيذ هذه المهمةquot;.

واعتبرت صحيفة quot;الثورةquot; الرسمية السورية الثلاثاء ان زيارة ساركوزي الى دمشق تشكل اقرارا بquot;دورها المحوريquot; وفكا لعزلتها رغم معارضة الولايات المتحدة. وكتبت quot;ينطلق ساركوزي من قراءة فرنسية تقوم على مصالح فرنسا ودورها التاريخي في المنطقة وعلى فهم فرنسا لاهمية دمشق ومحوريتها في اي عمل يتعلق بالمنطقةquot;.

واضافت quot;باتت الطريق الى دمشق تزدحم بالوفود العربية والاجنبية لان الجميع ادركوا ان دمشق هي البوابة الحقيقية للمنطقةquot;. واعتبرت الصحيفة ان الزيارة quot;ستؤكد استقلالية المواقف الفرنسية عن الادارة الاميركية التي احتوت الموقف الفرنسي على مدى سنوات في زمن الرئيس (جاك) شيراكquot;.

وقالت quot;الزيارة ستكون في مصلحة السلام والامن في المنطقة وستضعف النفوذ الاميركي الذي يؤكد انحيازه الكامل لاسرائيل على حساب العرب وقضاياهمquot;. وكان الرئيس الفرنسي قد قرر بدء حوار quot;ضروريquot; رغم quot;مخاطرهquot;، مع سوريا التي يتهمها المجتمع الدولي بالتدخل في شؤون لبنان الذي هيمنت عليه سياسيا وعسكريا لمدة ثلاثة عقود.

لكن ساركوزي لم يعلن عزمه الانفتاح على دمشق الا بعد انتخاب ميشال سليمان رئيسا للبنان اثر فراغ في سدة الرئاسة الاولى استمر ستة اشهر والقيت مسؤوليته على سوريا. ويقول شعيبي quot;الرئيس ساركوزي يريد استعادة فضاء استراتيجيا لفرنسا في المنطقة التي تقع شرق المتوسط وهو الفضاء الذي فقدته بسبب السياسات التي اتبعها الرئيس شيراك بعد عام 2003quot;.

ورغم ان الملف اللبناني سيكون محور المناقشات التي ستجري خلال الزيارة التي تستمر يومين فان سوريا ستركز خصوصا على مفاوضاتها غير المباشرة مع اسرائيل عبر تركيا والتي استأنفتها في ايار/مايو الماضي بعد توقف استمر ثمانية اعوام. ويؤكد تابلر quot;ان سوريا تعيد تموضعها قبل الانتخابات الاميركية المقبلة في تشرين الثامني/نوفمبرquot; معتبرا بانها اصبحت quot;مستعدة للتفاوض اكثر مما كانت عليه سابقاquot;. ويضيف quot;عبر باريس يحاول السوريون اقناع واشنطن بانهم شريك فعلي لانهم يتمسكون بفكرة ان ترعى الولايات المتحدة هذه المفاوضاتquot;. وتعود اخر زيارة قام بها رئيس فرنسي لسوريا الى العام 2002، حين زارها شيراك.