واشنطن: تتحدث التقارير الإعلامية منذ منتصف تسعينيات القرن المنصرم عن سعي المملكة العربية السعودية نحو تطوير برنامج لصنع الأسلحة النووية، وقد تعزز هذا الأمر مع اندلاع أزمة البرنامج النووي الإيراني، حيث رأى كثيرٌ من المحللين أن نجاح إيران في امتلاك السلاح النووي سوف يدفع دولاً عربية عديدة، ومن بينها المملكة العربية السعودية، إلى السعي نحو امتلاك أسلحة دمار شامل لموازنة القوة الإيرانية. وقد ظهرت بوادر هذا الأمر مع تعبير السعودية في الآونة الأخيرة عن رغبتها في تطوير برنامج سلمي للطاقة النووية، وقيامها، بالتعاون مع باقي دول مجلس التعاون الخليجي، بإطلاق مبادرة لتطوير برنامجًا مشتركًا للطاقة النووية، فضلاً عن توقيع المسئولين السعوديين مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة الأميركية، في مايو 2008، بخصوص التعاون في مجال الطاقة النووية.

وفي هذا الإطار تحاول quot;كاتي أملنquot; Kate Amlin ، الباحثة في مركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار النووي، استكشاف مدى جدية السعي السعودي نحو امتلاك السلاح النووي، في دراسة لها تحت عنوان quot;هل ستمتلك المملكة العربية السعودية أسلحة نووية؟quot; Will Saudi Arabia Acquire Nuclear Weapons?.

هل مِن مساعٍ سعودية لامتلاك تكنولوجيا نووية؟
تفتقر السعودية بصورة عامة، بحسب quot;كاتي أملنquot; للموارد الطبيعية والقدرات التكنولوجية والخبرة العلمية اللازمة لتطوير برنامج متقدم لصنع السلاح النووي، فعلى سبيل المثال لا يمتلك العلماء السعوديون الخبرة الكافية في عديد من المجالات من قبيل تخصيب اليورانيوم أو عملية تحويل الوقود النووي، أو في تشغيل المفاعلات النووية، ويبدو هذا منطقيًّا لكون السعودية لا تقوم بتشغيل مرافق للطاقة النووية.

ونظرًا لعدم امتلاك السعودية للقدرات المحلية التي تمكنها من تطوير برنامج لصنع الأسلحة النووية، فإن بعض الخبراء المعنيين بقضايا عدم الانتشار النووي يبدون قلقهم من إمكانية قيام السعودية بامتلاك سلاح نووي عبر شرائه من دول أخرى، وتُطرح باكستان بقوة في هذا الإطار.

فقد تقوم باكستان بمساعدة السعودية في تطوير السلاح النووي عن طريق إمدادها بالمواد الانشطارية اللازمة لصنع الأسلحة النووية، فضلاً عن تدريب الكوادر السعودية في مجال تطوير الأسلحة النووية، أو حتى تقوم السعودية بتطوير أسلحة نووية بالاشتراك مع باكستان.

غير أن عديدً من الخبراء يستبعدون مثل هذا السيناريو، فإسلام آباد تنظر إلى ترسانتها النووية بوصفها مضادة للهند وليس لأي غرض آخر ومن ثم قد لا ترغب في إمداد السعودية بالتقنية أو الأسلحة النووية، بالإضافة إلى ذلك فإن السعودية لن تخاطر بتعريض نفسها للعزلة الدولية التي قد تنجم عن مثل هذه الصفقة مع باكستان، ممَّا قد يلحق الضرر بعلاقاتها السياسية والاقتصادية.

وذهب البعض إلى أن قيام السعودية بعقد صفقة مع الصين عام 1986، بموجبها تشتري السعودية حوالي 36 صاروخًا متوسط المدى من نوع quot;سي إس إس 2quot; CSS-2، دليل على رغبة السعودية في الحصول على نظم إيصال الرؤوس النووية، ومن ثم رغبتها في امتلاك السلاح النووي.

وقد عزز من هذا الأمر ارتفاع نسبة الخطأ في مدى مقدرة هذه الصواريخ على إصابة أهدافها عالية، ما يجعلها أكثر دمارًا عندما تحمل رؤوسًا حربية غير تقليدية (نووية مثلاً)، إلا أن quot;أملنquot; تشير إلى أن الصين قامت بتعديل الصواريخ لتحمل رؤوسًا حربية تقليدية كبيرة، قبل بيعها إلى السعودية، كما أن هذه الصواريخ مزودة الآن برؤوس حربية تقليدية ولا يوجد دليل على أن الرياض تحاول استخدامها لحمل أسلحة دمار شامل.

وبالنظر إلى القدرات التقنية التي تمتلكها السعودية اللازمة لتطوير سلاح نووي، يتبين أن المملكة تفتقر إلى الموارد المحلية والقدرات التقنية المطلوبة لبناء ترسانة نووية متقدمة، وبالإضافة على ذلك لا يوجد دليل على أن السعودية حاولت شراء أسلحة نووية من الموردين في الماضي.

محفزات السعي السعودي لامتلاك تكنولوجيا نووية
يعتبر كثيرٌ من المحللين الاعتبارات الأمنية هي المحفز الأساسي وراء احتمال سعي المملكة العربية السعودية لامتلاك السلاح النووي، اعتمادًا على افتراض أن الأسلحة النووية ستجعل السعودية أكثر قوة وردعًا للأعداء، ولكن حتى الآن لا تشير تصريحات المسئولين السعوديين أو حتى الأفعال السعودية ذات الصلة، إلى أن مثل هذه العوامل تدفع المملكة إلى السعي نحو امتلاك الردع النووي، أو أن مثل هذه العوامل قادت السعودية في السابق لتطوير أسلحة نووية.

وفي إطار هذه الاعتبارات الأمنية، هناك عاملان يجعلان السعودية أكثر عرضة للهجمات الإقليمية: الأول هو امتلاك السعودية لموارد طبيعية مكشوفة أمام الهجمات الخارجية، فمساحة المملكة تبلغ حوالي 2 كم مربع، أي خمس مساحة الولايات المتحدة الأميركية، وتقع الرياض العاصمة في المركز، ولكن المدن الرئيسة الأخرى والأصول الاقتصادية، حقول النفط السعودية ومحطات تحلية المياه، تقع على حدود المملكة خاصة على طول شواطئ البحر الأحمر والخليج العربي، ما يجعلها أكثر عرضة للهجوم.

يتمثل العامل الثاني في امتلاك السعودية لـ20% من الاحتياطيات العالمية للنفط، إلى جانب أنها تنتج أكثر من أي عضو آخر في منظمة الدول المنتجة للنفط (أوبك). وبالتالي فإن هاتين الخاصيتين quot;الجيواستراتيجيتينquot; تجعلان السعودية أكثر عرضة للتهديدات بواسطة الجيران الأقوياء.

وبخلاف الاعتبارات الأمنية، يعتبر موقع السعودية أيضًا في منطقة الشرق الأوسط محفزًا محتملاً للمملكة لامتلاك الأسلحة النووية، فالسعودية ضعيفة نسبيًّا من الناحية العسكرية، فضلاً عن أنها تقع بالقرب من عديد من الأعداء الأقوياء مثل إسرائيل وإيران.

وعلى الرغم من أن السعودية لا تواجه أي تهديد حالي يتعلق بوحدة أراضيها، فإن السعوديين يخشون من تطويق أعدائهم لهم، حيث مازال السعوديون يقلقون من احتمال تعرض بلادهم لغزو خارجي، منذ قيام العراق بغزو الكويت عام 1990.

ومع أن السعودية قد قامت بشراء عديد من الأسلحة التقليدية المتقدمة من أجل الحد من أوجه القصور لديها، فإن قدراتها العسكرية التقليدية ما تزال أقل من المستوى المطلوب مقارنة بدول أخرى في المنطقة، وذلك نظرًا لقلة عدد سكانها.

وبالإضافة إلى ما سبق فإن نجاح المنافسين التقليدين للمملكة، خاصة إسرائيل في نهاية الخمسينيات وإيران حديثًا، في تطوير أسلحة الدمار الشامل، قد أدى إلى تصاعد المخاوف السعودية.

وفي ظل تعدد التهديدات الأمنية للمملكة العربية السعودية، فإن الرياض قد تقرر تطوير أسلحة دمار شامل لتدعيم نفسها أمام التهديدات الأمنية الإقليمية، ولكن ينبغي إعادة التأكيد على أنه لا يوجد أي أدلة متاحة على سعي السعودية سعيًا حقيقيًّا لتطوير ترسانة أسلحة نووية.

إيران كمحفز لسعودية نووية
يذهب بعض المحللين إلى أن السعودية ستقوم بتطوير أسلحة نووية إذا نجحت إيران في امتلاك مثل هذه الأسلحة، فالدولتان يجمعهما تاريخٌ من العداء، ازدادت حدته مع قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، ومنذ ذلك الحين تراقب السعودية تصاعد النفوذ الإيراني بقلق.

وبجانب هذا العداء التاريخي، فإن البلدين يُعتبران خصمين إقليميين، حيث ينظر إلى السعودية على أنها عاصمة الإسلام السُّني، بينما يقع النظام الشيعي في إيران في قلب quot;الهلال الشيعيquot;.

ويُعنى المسئولون السعوديون بصورة أساسية بالتأثير الذي قد يحدثه امتلاك إيران لبرنامج نووي على أمن بلادهم، فالتطورات التي يشهدها البرنامج النووي الإيراني يُنظر إليها في السعودية على أنها دليل مادي على تنامي الخطر في المنطقة، وبرغم عدم وضوح النوايا النووية الإيرانية، فإن السعوديين يخشون من أنه في حالة امتلاك إيران للسلاح النووي، فإن ذلك قد يمثل تقويضًا للأمن القومي السعودي.

ورغم ذلك لا يوجد دليل على أن القادة السعوديين قرروا حقيقةً امتلاك الردع النووي كرد فعل على أنشطة إيران النووية، ولكن إذا نجحت إيران في امتلاك أسلحة نووية، فإن الموقف السعودي قد يتغير.

الإدراك السعودي لإسرائيل النووية
تُطرح إسرائيل في بعض الأحيان بوصفها محفزًا محتملاً لاتجاه السعودية نحو امتلاك السلاح النووي، حيث تمثل إسرائيل النووية ذات القدرات النووية الباليستية والمنافس الإقليمي للسعودية، عنصرَ تهديدٍ محتملاً للسعودية.

ويتضح ذلك في المواقف السعودية حيث يرفض المسئولون السعوديون الاعتراف رسميًّا بإسرائيل كدولة ذات سيادة، حتى تُكمل انسحابها من الأراضي التي احتلتها في حرب الستة أيام عام 1967، كما يعتبر السعوديون الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، والترسانة النووية غير المعلنة التي تمتلكها إسرائيل عقبة أساسية أمام تحقيق السلام في الشرق الأوسط.

وتتسم العلاقات السعودية الإسرائيلية بالتعقيد، فرغم أن السعودية قد تجنبت تاريخيًّا الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، فإنها قدمت الدعم لدول عربية مثل مصر وسوريا في مواجهتها مع إسرائيل. وفي الوقت الحاضر تدعم السعودية مقترحات لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو ما قد يعبر عن رغبة سعودية في الاعتراف بإسرائيل، بشكل لا يؤدي إلى فقدان الحلفاء العرب، وتشير هذه الرغبة في الوصول إلى تسوية إلى أن إسرائيل ليست محفزًا مباشرًا للسعودية لامتلاك سلاح نووي.

عقبات محتملة
ترى quot;كاتيquot; أن هناك عديدًا من العقبات التي تقف أمام سعي السعودية لامتلاك سلاح نووي، وأول هذه العقبات علاقات السعودية الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، فالسعودية، في ظل البيئة الأمنية الحالية، قد لا ترغب في امتلاك أسلحة نووية لأن ذلك سيؤدي إلى قلقة علاقاتها مع الولايات المتحدة، المورد الرئيس للأسلحة التقليدية للملكة، إلى الدرجة القصوى. وتتمثل العقبة الثانية في الإدانة الدولية التي ستواجهها السعودية في حالة تطويرها لأسلحة نووية، والتي قد تثني السعودية عن هذا الأمر، حيث ترغب السعودية في مزيد من حرية الدخول إلى الأسواق العالمية، وجذب الاستثمارات الأجنبية نظرًا للزيادة السكانية الحالية التي أضعفت الاقتصاد السعودي، وأدت إلى ارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض نصيب الفرد من الدخل القومي، على الرغم من الارتفاع الكبير في أسعار النفط. وبالتالي قد تميل للامتناع عن تطوير أسلحة نووية، نتيجة القلق من أن يحدث هذا الأمر ضررًا كبيرًا بعلاقاتها السياسية والاقتصادية مع الدول الأخرى، وقدرتها على جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى داخل البلاد.

وتكمن العقبة الثالثة في أن السعودية عضو بمعاهدة منع الانتشار النووي منذ عام 1988، كما أنها وقعت عديدًا من الاتفاقيات الإضافية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في عام 2005، ما يعني أن السعودية مطلعة بشكل كبير على التقاليد الدولية الخاصة بمنع الانتشار النووي. وتعتبر الدوافع الشخصية لدى أعضاء الأسرة المالكة السعودية للمحافظة على بقاء النظام، من وجهة نظر quot;أملنquot; عقبة أخرى أمام سعي السعودية لتطوير أسلحة نووية، فالقادة السعوديون منخرطون في الفترة الحالية في حملة عنيفة ضد الجماعات الإرهابية المحلية التي لا تدعم النظام السعودي، وبالتالي فإن الأسرة المالكة في السعودية قلقة من استهداف هذه الجماعات للمنشآت النفطية، ما يجعل القادة السعوديين حذرين من تطوير أسلحة نووية قد تستخدم ضد مواطنيهم، أو تقع في أيدي الإرهابيين.

عوامل مستقبلية تحدد قرار المملكة
وتخلص quot;أملنquot; إلى أنه بالنظر إلى البيئة الأمنية الحالية المحيطة بالسعودية، فإن السعودية لن تميل إلى تطوير أسلحة نووية في المدى القصير، لأن كلفة تطوير مثل هذه الأسلحة تفوق بكثير المحفزات الأمنية الدافعة لها، ولكنها تعود لتؤكد على وجود ثلاثة عوامل قد تغير من الموقف السعودي الحالي. يتمثل أولها: في احتمالية التوتر في العلاقات السعودية الأميركية، ولن يتحقق مثل هذا السيناريو إلا في حالة فقدان القادة السعوديين للثقة في قيام الولايات المتحدة بالدفاع عنهم في حالة حدوث أي أزمات مستقبلية، ما سيدفع السعودية إلى السعي نحو تطوير الأسلحة النووي لردع أي عدوان خارجي.

أما العامل الثاني فيتعلق بنجاح طهران في امتلاك ترسانة نووية، ما قد يدفع لاتخاذ القرار بتطوير ترسانتها النووية، خاصة إذا صَاحَبَ هذا النجاح الإيراني تدهورًا في العلاقات السعودية الأميركية، إلا أن الخوف من الحصار السياسي والاقتصادي الذي ستتعرض له المملكة في حالة اتخاذها مثل هذا القرار، قد يؤثر على صناع القرار السعوديين ويدفعهم إلى عدم اتخاذ قرار من هذا القبيل.

ويكمن العامل الثالث في القيادة التي ستخلف الملك عبد الله في الحكم، والتي تنحصر إما في الأمير سلطان بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي، أو في أحد أحفاد الملك عبد العزيز من الجيل الثاني. وقد يُحدثُ التغيرُ في القيادة تحولاً في الإدراك السعودي للمكاسب الناجمة عن تطوير أسلحة نووية، خاصة وأن الأمير سلطان يُشاعُ أنه كان العقل الموجه لبرنامج الأسلحة النووية السعودي المزعوم في السبعينيات، الذي كشف عنه الدبلوماسي السعودي السابق محمد خيلوي الذي فرَّ إلى الولايات المتحدة عام 1994، وبالتالي فإنه في حالة توليه الحكم سيجعل السعودية أكثر ميلاً لتطوير السلاح النووي. ورغم أنه ليس من الواضح الآن كيفية تعامل حاكم من الجيل الأصغر من آل سعود مع قضية الانتشار النووي، فإنه من المهم الأخذ في الاعتبار أن الحاكم الجديد في المملكة سوف يكون له تأثير هام في نزوع المملكة نحو امتلاك سلاح نووي.