إتفاق محدود مع الأسد لا يشمل تحالفه مع إيران والمحكمة الدولية
quot; إيلاف quot; تكشف خلفيات المصالحة العربية في الكويت

إيلاف ديجيتال- إيلي الحاج: بادر الرئيس السوري بشار الأسد بعد مؤتمر الدوحة الذي سمي quot; قمة غزة quot; إلى السؤال عبر وسطاء عما يمكن فعله من أجل مصالحة بالحد الأدنى بينه وبين القادة العرب الذين درج على تسميتهم بـquot; المعتدلين quot;، وتحديداً القيادة السعودية ، وجاءه الجواب أن ما حصل ليس مشكلة كبيرة ، وفي الوقت لا تسمح الظروف على ما يبدو بمصالحة كبيرة شاملة ، إنما يمكن السعي إلى مصالحة باعتبار أن المملكة العربية السعودية ومصر تريدان هما ايضاً المصالحة وطي صفحة الخلافات الصاخبة، لكن هذه المصالحة سيستثنى منها موضوعان يهمانه جداً: التحالف مع إيران الذي يتمسّك به الرئيس السوري ، والمحكمة الدولية لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري التي لا بحث في المساهمة بتمييعها أو محاولة وأدها بالنسبة إلى الفريق المقابل.

قبل انعقاد قمة الكويت كانت جهود الوساطة قد نجحت، وعلى هذا الأساس أعلن العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز المصالحة العربية في الكويت.

ويقرّ الدبلوماسي العربي المقيم في بيروت، والذي كشف لـquot;إيلافquot; هذه الوقائع، بأن هذه المصالحة التي تعني عودة العلاقات الرسمية إلى وضعها الطبيعي بين الرياض ودمشق مشكوك في ديمومتها. لكنه يضيف أن الأمر يتعلق بالسلوك السوري مستقبلاً، من غير أن يعطي أهمية كبيرة لنتائج قمة قطر وحتى للخلاف السوري- المصري الذي برز بقوة مع اندلاع حرب غزة.
ويذكّر بأن تعامل القيادة السورية مع السعودية ليس كما تصوّره وسائل إعلام دمشق وبعض الدائرين في فلكها في لبنان. ويقول إن خطاب الرئيس الأسد في الدوحة quot;لم يهز شعرةquot; في ما سماها quot;دول الإعتدالquot;، معيداً إلى الأذهان أن الرئيس الأسد إتصل مراراً بالملك عبدالله بن عبد العزيز والرئيس المصري حسني مبارك بعيد سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين في نيسان/ أبريل 2003 مناشداً التدخل والسعي إلى ضمانات تطمئنه إلى استمرار حكمه لأن دمشق كانت ستسقط في ثلاثة ايام لو أكمل الجيش الأميركي مسيره نحوها.

ويذكّر ايضاً بأن الرئيس السوري قام بزيارات متتالية لمصر والسعودية بعد اغتيال الرئيس الحريري في شباط/ فبراير 2005 طالباً تقييم قيادتهما للوضع وسائلاً عما سيحصل وما المطلوب منه أن يفعل. في ذلك الوقت قال له الملك عبدالله: quot;إسحب جيشك من لبنان أو نقطع العلاقات في ما بينناquot;. وبعدما سمع من الرئيس مبارك الكلام نفسه امتثل الأسد وأعلن التزامه القرار الدولي 1559 المتعلق بسيادة لبنان واستقلاله.

ويضيف أن إعلان الرئيس السوري تجميده المفاوضات غير المباشرة التي كان يجريها مع إسرائيل بوساطة تركية ليست له اي أهمية. وهو في الحقيقة لم يجمّدها بل انتهت مرحلتها، ولدى quot;دول الإعتدالquot; معلومات تفصيلية عن إبلاغ الرئيس الأسد رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان قبل حرب غزة أنه لن يذهب إلى المفاوضات المباشرة التي حان أوانها إلا بعد انجلاء وضع المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة الحريري التي ستبدأ أعمالها في أول آذار/ مارس المقبل. بمعنى أن الرئيس الأسد سيعاود التفاوض مع إسرائيل، ومباشرة في المرة المقبلة وفقاً لالتزامه أمام المجموعة الأوروبية، لكنه سيربط الأمر بوضعه، والأصح بوضع نظامه حيال المحكمة الدولية. وليس لغزة أي علاقة بهذا الأمر، لا من قريب ولا بعيد.

أما عن كلام الرئيس السوري على quot;موت مبادرة السلام العربيةquot;، فيقول إن quot;هذا الكلام أشعرنا بحزن شديد لأنه عنى رغبة الأسد في التخلص من المحكمة الدولية واسترداد الجولان من خلال إفناء الشعبين الفلسطيني واللبناني. ونحمد الله أن ( الأمين العام لـquot;حزب اللهquot;) السيد حسن نصرالله أظهر بعض الحكمة برفضه مجاراة هذه اللعبة الشديدة الخطورة، مع إدراكنا أن ظروفه الداخلية أجبرته على التزام هذا الموقفquot;.

ويكشف أن الإعتراض الرئيس لـquot;دول الإعتدالquot; على عقد quot;قمة الدوحةquot; كان مرده إلى حضور الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أعمالها، وغني عن التذكير أن حضور الدول التي قاطعت ذلك اللقاء التشاوري كان سيسفر عن أنه مباركة لهجوم رئيس إيران على النظام العربي والقبول بأولوية مصالح إيران على مصالح العرب. علماً أن لا فرق عند quot;دول الإعتدالquot; بين إسرائيل وإيران، فهما وجهان لعملة واحدة :إسرائيل تحتل أراضي عربية في فلسطين وإيران تحتل الجزر الإماراتية الثلاث، وكلاهما تسعى إلى تحقيق مصالحها على حساب العرب ووحدتهم واستقرار دولهم.

ويستطرد موضحاً أن الرئيس نجاد تبلغ مراراً أن اهتمام الجمهورية الإيرانية بقضايا العرب يُسعد المجموعة العربية فعلاً، لكن هذه المجموعة تأمل في أن يكون الدعم الإيراني عبر الدول والشرعيات وليس عبر التنظيمات والميليشيات. وفي حال استجابت إيران هذا الشرط فستكون الدول العربية أول من يساندها في مشروعها النووي.

وعن قول رئيس مجلس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم أن ضغوطاً مورست على الرئيس الفلسطيني محمود عباس لئلا يشارك في قمة الدوحة وغمزه من قناة مصر والسعودية، يؤكد الدبلوماسي العربي لـquot;إيلافquot; أن quot;دول الإعتدالquot; حضت الرئيس عباس على المشاركة في القمة لكنه امتنع لاقتناعه بأن مصلحة القضية الفلسطينية تكون باحتضانها من النظام العربي وquot;دول الإعتدالquot; والدعم الدولي، وليس بدعم quot;الدول المارقةquot;.

ولا يغفل في حديثه إشارة إلى أن قرار تعليق العلاقات التجارية بين قطر وموريتانيا من جهة وإسرائيل من جهة والذي أعلن في الدوحة هو quot;قرار موقت وليس دائماً، ولن يقدم أو يؤخر في الضغط على إسرائيل. أما الضغط الحقيقي فتمثل في جهد المجموعة العربية لإقرار المبادرة المصرية والقرار الدولي رقم 1860 اللذين أديا إلى إعلان إسرائيل وقف النار من طرف واحدquot;.

ويتحدث عن quot;تواطؤ إيراني ndash; إسرائيلي لابتزاز العربquot;، لينتقل إلى تأكيد أن المقاومة الحقيقية والإهتمام المخلص بالقضية الفلسطينية والصراع الحقيقي بين العرب وإسرائيل يتمثل في السعي إلى إنجاح quot;مبادرة السلام العربيةquot; وليس السعي المناقض إلى قتلها خدمة لإسرائيل. ويشير إلى أن quot;دول الإعتدالquot; تدخلت لدى الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباك وكذلك لدى الرئيس جورج بوش وإدارته لإبقاء المبادرة قيد التداول ، وهي شكلت جزءاً من خلفية القرار الإسرائيلي بوقف النار.

ويكشف الدبلوماسي العربي المقيم في بيروت أن ما من نفق محفور بين رفح وسيناء لا تعرف به الإستخبارات المصرية كما تعرف ما يدخله وما يخرج منه ومن هم المشرفون عليه وكم يجنون من أرباح، لكنها تتغاضى عن ذلك لتأمين حياة الفلسطينيين في غزة ولتشجيع quot;حماسquot; على تخطي حساباتها وخلافاتها مع quot;السلطة الفلسطينيةquot;، إلا أن المعبر لن يفتح هذه المرة إلا إذا كان بإدارة هذه السلطة وليس بإدارة أي فصيل مسلح. وقد تبلغ رئيس حكومة quot;حماسquot; المُقالة اسماعيل هنية ، وكذلك رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل هذا الموقف المصري مراراًُ.

في الشأن اللبناني يقول إن quot;دول الإعتدالquot; قدّرت كثيراً موقف الرئيس ميشال سليمان الذي تحفظ في الدوحة عن موقف الرئيس السوري quot;المبادرة العربية للسلامquot;. ويضيف أن quot;لبنان في أمان حالياً، حتى استحقاق المحكمة الدولية في آذار، والإنتخابات النيابية في حزيران / يونيو المقبل، علماً أننا نخشى احتمال أن يؤثر موقف الرئيس سليمان في وضعه وكذلك في الوضع الداخلي اللبنانيquot;.

ويوضح الدبلوماسي أن لبنان قد يكون معرضاً بين الموعدين المذكورين آنفاً، من آذار إلى حزيران، لهزات أمنية وسياسية كبيرة، خصوصاً أن الأسماء المتورطة في قضية إغتيال الرئيس الحريري باتت معروفة والمحكمة ستعلنها، وهي تتضمن أسماء شخصيات لبنانية وسورية كان الرئيس بوش حظر دخولها أراضي الولايات المتحدة وأمر بحجز أرصدتها المالية، وأسماء شخصيات استدعاها إلى التحقيق الرئيس السابق للجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس.

ويختم بأن الدول المسماة quot;دول الإعتدالquot; ليست في خطر ولا في مأزق، في حين أن المسماة quot;دول الممانعةquot; على النقيض تماماً، تخشى أنظمتها ما يحمله إليها المستقبل كما تخشى فقدان توازنها والوقوع عن الحبال الكثيرة التي تلعب عليها.