على الرغم من توافق الحكومة الأميركية، حول نوعية الضغوط والحوافز التي ستبذلها تجاه السودان إلا أن وسائل التنفيذ تظل غير واضحة. فما زالت الخلافات قائمة داخل الإدارة الأميركية بشأن التوجه نحو السودان. وهو ما يشكل تحدّيًا للسياسة الأميركية في ظل تلاعب حزب المؤتمر الوطني الحاكم بأي ضمان لإجراء استفتاء تقرير المصير على النحو المنصوص عليه في اتفاق السلام الشامل عام 2005 والذي وضع حدًّا للحرب الأهلية المدمرة بين الشمال والجنوب، وهو ما يزيد صعوبة في ظل أزمة دارفور الحالية.

واشنطن: أعد الباحثجون بريندرغاست تقريرًا بعنوان quot; تجنب حرب شاملة في السودان: الحاجة الملحة إلى استراتيجية أميركية مختلفة، في إطار مشروع كفى والذي أنشئ عام 2006 من قبل عدد صغير من صناع القرار المعنيين والناشطين الذين يرغبون في التوصل إلى حلول واقعية، وذلك بمشاركة خبراء في أفريقيا مثل جيل سميث وجون برندرغاست وقد بدأ المشروع في أوائل عام 2007 كمشروع تابع لمركز التقدم الأميركي ويرأس المشروع كمدير تنفيذي جون نوريس.

القوى العظمى تدعو السودان إلى تطبيق إتفاق السلام

ويجري المشروع بحوثًا ميدانية مكثفة في البلدان التي تعاني من الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، وتطوير سياسات عملية لمعالجة هذه الأزمات، حيث يركز على التحديات الخطرة في عدد من البلدان الأفريقية: السودان، وشرق الكونغو، شمال أوغندا، والصومال، وتشاد، وزيمبابوي. ويهدف المشروع إلى تعزيز السلام، وحماية المدنيين، ومعاقبة الجناة. إضافة إلى تجنب حدوث الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية والإبادة الجماعية في الحاضر والمستقبل.

الواقع السوداني المشتعل

حصدت الإبادة الجماعية في دارفور والحرب بين الشمال والجنوب التي استمرت على مدى عشرين عامًا أكثر من مليون ونصف شخص. وقد يأتي الأسوأ. فتأجج الصراع في دارفور، وتزايد العنف على نحو سريع في الجنوب والتوترات في المنطقة الانتقالية بين الشمال والجنوب المعروفة باسم المناطق الثلاثة المتصاعدة، وحالة عدم الرضا المتزايدة في الشرق، كلها مؤشرات تحذر من صراع واسع في الحاضر. كما أن هناك مؤشرات على إمكانية وقوع حرب أهلية جديدة في ظل الاستفتاء المرتقب بصدد استقلال الجنوب عام 2011.

إضافة إلى ذلك، يشهد الواقع السوداني مماطلة حزب المؤتمر الوطني عن تنفيذ البنود الرئيسة لاتفاق السلام الشامل مما أضاف إلى حالة عدم الاستقرار. فهناك دلائل لعقدين من الزمان بأن حزب المؤتمر الوطني يقوم بتسليح الميليشيات العرقية مما يزعزع الاستقرار في الجنوب، وقد لاحظت الأمم المتحدة تزايد الأسلحة الحديثة في الاشتباكات التي وقعت مؤخرًا. حتى في دارفور، تسير الأمور بلا بوصلة مما يمثل خطورة. فعلى الرغم من الهدوء النسبي في أعمال العنف مؤخرًا، فلا تزال الملايين من الناس لا تستطيع العودة إلى أوطانها. ففي دارفور، ما يقرب من ثلاثة ملايين شخص لا يزالون يعيشون في مخيمات اللاجئين أو النازحين، غير قادرين على العودة إلى بلادهم بسبب أعمال العنف التي تدعمها الحكومة واحتلال الأراضي الذي يستهدف الناس على أساس الهوية العرقية. وهؤلاء السكان المشردون واللاجئون يواجهون تهديدًا مستمرًّا من عمليات الاغتصاب المنظم من قبل الميليشيات التي ترعاها الحكومة، فضلاً عن انقطاع المساعدات المنقذة للحياة من قبل قادة حزب المؤتمر الوطني، والهجمات على قوافل المساعدات من قبل الجماعات المتمردة في دارفور، بما في ذلك فصائل المتمردين المنشقة التي يدعمها حزب المؤتمر الوطني، والمتورطة في أعمال إجرامية متعددة ، وتعزيز حالة الفوضى.

وأشار التقرير إلى أن حالة الهدوء النسبي التي تشهدها دارفور ترجع بصورة أساسية إلى تحول اهتمام حزب المؤتمر الوطني عن دارفور إلى الجنوب، ليس فقط لأنه لا يمكنه الحفاظ على جبهتين هجوميتين في الوقت ذاته، لكن نظرًا للآثار الهائلة المرتقبة عن استقلال الجنوب المحتمل. وهو ما ينبئ بتصاعد العنف في الجنوب، وذلك بسبب هجمات الميليشيات التي يرعاها حزب المؤتمر الوطني الذي لا يزال يستخدم الانقسامات العرقية والعنف كأداة أساسية لاستراتيجية البقاء في السلطة. مما يعني مزيدًا من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.

وهو ما يؤكد الحاجة إلى دبلوماسية أميركية تركز استراتيجيتها على الالتزام بتنفيذ اتفاق السلام الشامل، ولاسيما البنود الخاصة بالتحضير لاستفتاء تقرير المصير في الجنوب، وضمان أن تكون هناك عواقب لأي أعمال تقوم بها الأطراف من شأنها تقويض اتفاقية السلام الشامل، سواء من خلال الامتناع عن تنفيذ الاتفاق أو تسليح الميليشيات على أساس عرقي. أيضًا وضع مشروع خطة سلام في دارفور تعمل على تنفيذها وليس مقترحات فحسب.

أزمة الدبلوماسية الأميركية في السودان

أشار التقرير إلى أن المشكلة التي تواجه السياسة الأميركية في الشمال والجنوب، تمثلت في أنها دفعت عن غير قصد حزب المؤتمر الوطني إلى التفكير بإمكانية إعادة التفاوض على عدد من بنود اتفاق السلام الشامل، ومن ثم عدم احترامه للاتفاقات وتقاسم السلطة. حيث يطالب الحزب بمزيدٍ من المفاوضات حول الوضع ما بعد الاستفتاء، كشرط مسبق مما يعرقل تنفيذ الالتزامات المنصوص عليها في الاتفاق. ومن أمثلة هذه العراقيل إجراء تعداد دقيق وعادل كأساس لإجراء الانتخابات، فالتعداد الذي أجري في الشمال كان مدعاة للسخرية ومع ذلك لم يتكبد حزب المؤتمر الوطني أي عواقب على ذلك الفعل الفاضح.

أيضًا الفشل في تقديم معارضي السلام للحساب، شجع حزب المؤتمر الوطني على استمراره في سياسة التقسيم والتدمير من خلال إمداد الميليشيات العرقية في الجنوب بالأسلحة، وهو ما تم انتهاجه مع الجنجويد في دارفور و Murahaliin في الحرب بين الشمال والجنوب في التسعينيات. فحتى في أثناء المفوضات بين الحزب والولايات المتحدة الأميركية التي انعقدت في جوبا مؤخرًا، تصاعد عنف الميليشيات ضد المدنيين، والقتل المتعمد للنساء والأطفال. وهو ما قد ينتج عنه عودة الحرب في الجنوب.

وتقسيم أكبر دولة في أفريقيا قد يغرقها في الدماء. ومع ذلك يضيف التقرير أن هذا لا يعفي حكومة جنوب السودان عن تقصيرها، ولاسيما فيما يتعلق بحماية المدنيين، لكن السياسة الحالية لحزب المؤتمر الوطني تؤدي إلى الحرب.

أما في ما يخص دارفور، فعدد قليل من السودانيين والمسؤولين الدوليين والناشطين يعتقدون في أن عملية السلام في دارفور يمكن أن تتوج باتفاق سلام على أرض الواقع. وفي هذا الصدد عرض التقرير لعدد من العوامل مثلت قصورًا في السياسة الأميركية، نذكرها كالتالي.

عدم وجود مقترحات ملموسة بشأن اتفاق السلام، رغم وضوح القضايا محل الاهتمام في دارفور، وتشمل خطة مراقبة دولية لتفكيك البنى التحتية للجنجويد وغيرها من الميليشيات، إلى جانب التقاسم الحقيقي للسلطة على المستوى المحلي والوطني، وتقديم تعويضات لضحايا الإبادة الجماعية، وتقديم الدعم لإعادة بناء المجتمعات. ومع ذلك بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من المناقشات التي لم تنتهِ، لم تطرح وساطة الاتحاد الأفريقي أو الأمم المتحدة مقترحات موضوعية للأطراف يمكن التفاوض بشأنها.

العمل على توحيد المتمردين، والذي من شأنه تعزيز العنف بين الطوائف. فقد أخطأت الولايات المتحدة الأميركية عن غير قصد في تعزيز إحدى قيادات هذه الجماعات وهو ما يمكن أن يزيد من الانقسامات داخل قبيلة الفور، وهي أكبر جماعة عرقية في دارفور، وبين الفور وغيرها من الجماعات المهمشة. فبدلاً من ذلك يمكن أن تساعد المفاوضات المتمردين في دارفور والمجتمع المدني على التوصل إلى اتفاق في مطالبهم بدلاً من محاولة التركيز على تفاصيل الهيكل التنظيمي وقيادة الجماعات المتمردة التي تكاد لا تنتهي أيضًا.

الاعتماد المضلل على اتفاق سلام دارفور عام 2006 باعتباره نقطة انطلاق لإجراء محادثات، فجماعات المتمردين وسكان دارفور رفضوا اتفاق السلام في دارفور، مما أدى مباشرة إلى تفاقم الانقسامات بين المتمردين و زيادة العنف في دارفور. فتعديل اتفاق سلام دارفور أو اتباعه بملحق سيؤدي إلى طريق مسدود في وقت مبكر من المفاوضات.

عدم وجود تنسيق بين قوى الدعم رفيع المستوى: والذي يضم الولايات المتحدة الأميركية، والمملكة المتحدة، والنرويج فقد مثل التنسيق عنصرًا أساسيًّا للنجاح في اتفاق السلام الشامل.

عدم تنوع أساليب الضغط سواء الجزرة أو العصا

عدم تنظيم مشاركة المجتمع المدني إبان محاولات التوصل إلى تسوية عام 2006. فمحاولة تنظيم مشاركة المجتمع المدني عن طريق محمد إبراهيم تم حظرها من قبل حزب المؤتمر الوطني ولم تأتِ بأي نتيجة.

وضع موعد نهائي للتوصل إلى اتفاق دارفور استنادًا إلى الجدول الزمني للانتخابات، حيث تسعى الاستراتيجية الأميركية الحالية إلى تأمين اتفاق سلام سريع من أجل السماح لسكان دارفور للمشاركة في الانتخابات الوطنية في أبريل القادم. وقد يبدو مثل هذا النهج منطقيًا بالنظر إلى الدور الذي ينبغي أن يؤدي بأهل دارفور في انتخاب قادتهم، ولكنها بسهولة لن تنجح كما هو معلن لعدة أسباب رئيسة. أولها: أن الاندفاع نحو التوصل إلى اتفاق سلام في الموعد المحدد تقريبًا سوف يؤدي حتمًا إلى اتفاق معيب. وهو الحال ذاته الذي أسفر عن اتفاق السلام في دارفور، حيث قدمت الحكومة السودانية بعض التنازلات ولجأ المجتمع الدولي إلى أساليب الترهيب للضغط على جماعات المتمردين من أجل التوقيع.

أما السبب الثاني: الجدول الزمني المضغوط للتحضير للانتخابات، والفشل في إجراء تعداد للسكان في دارفور، والعنف المستمر والتخويف من قبل الميليشيات وهيمنة حزب المؤتمر الوطني على وسائل الإعلام وغيرها من أجهزة الدولة الأخرى تقريبًا ضمنت أن الانتخابات في دارفور لن تكون ذات مصداقية لدى عديدٍ من السكان وبالتالي يمكن أن تكون حافزًا لمزيد من العنف. ويكاد يكون من المستحيل أن نتصور إجراء انتخابات حرة ونزيهة تجرى في دارفور في نيسان/أبريل القادم، ويتعين على المجتمع الدولي أن يكون لديه الشجاعة للاعتراف بهذه الحقيقة.

ثالثًا: يمكن للعملية الانتخابية ترسيخ فكرة التطهير العرقي في دارفور. فكثيرون من سكان دارفور ولا سيما أولئك الذين أخرجوا من ديارهم وأراضيهم يشعرون بالتهديد المباشر من عملية تسجيل الناخبين. في ظل الخوف من الإبادة الجماعية.

التغيرات الملحة في السياسة الأميركية تجاه السودان

أكد التقرير أن هناك عددًا من العناصر ينبغي أن تهتم بها الولايات المتحدة الأميركية في سياستها تجاه السودان. ففي ما يتعلق بالشمال والجنوب، يجب على الرئيس أوباما أن يحرص على تنفيذ اتفاق السلام الشامل وأن يدين بقوة دعم حزب المؤتمر الوطني للميليشيات التي تقوض الاستقرار في الجنوب قبل الاستفتاء. كما يتعين على الرئيس أن يعلن بوضوح عن تأييده للاستفتاء باعتباره حجر الزاوية في اتفاق السلام الشامل، وبالتالي الحفاظ على السلام.

وعلى الرئيس أوباما أن يوجه المبعوث الخاص سكوت غريشن ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، وسفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس إلى تشكيل تحالف دولي يرتب عواقب حقيقية على حزب المؤتمر الوطني واستخدامه للميليشيات العرقية وجيش الرب للمقاومة في الجنوب. وما ينبغي تطبيقه على حركة تحرير الشعب السوداني إذا كان من شأنه تقويض عمليات السلام بأي شكل من الأشكال.

ويجب أن تتضمن خيارًا لتشديد العقوبات الاقتصادية التي تستهدف كبار مسؤولي النظام والشركات التابعة له، وزيادة العزلة الدبلوماسية، وتوسيع الحظر على الأسلحة، وزيادة تقديم الدعم للمحكمة الجنائية الدولية في السودان.

من ناحية أخرى، في ما يتعلق بدارفور، يجب أن تبدأ الولايات المتحدة على وجه السرعة في تشكيل فريق من الدول المعنية التي يمكن أن توفر دعمًا متواصلاً وعالي المستوى، واستخدام نفوذها في محادثات السلام التي سيتم تنشيطها من خلال مشروع خطة السلام التي تعالج القضايا الجوهرية للصراع. فالدعم الأميركي المباشر والمشاركة في هذه المفاوضات سيكون شرطًا أساسيًّا لنجاحها.

على الجانب الآخر، لإعادة تنشيط عملية السلام، يجب على الولايات المتحدة أن تضمن المشاركة الفعالة لمنظمات المجتمع المدني في دارفور والنازحين المقيمين في المخيم في جميع المفاوضات. وعند الضرورة، يجب أن تكون الولايات المتحدة على استعداد للتصرف بمفردها، أو في ظل فريق من الدول أصغر على استعداد للعمل بجدية لتحقيق السلام في دارفور.

وفي ضوء ذلك، أكد التقرير الحاجة إلى تعيين موظفين إضافيين في الحقيبة الوزارية السودانية في كل من دارفور واتفاق السلام الشامل، ولا سيما الموظفون الميدانيون لا بد أن يكونوا ذا خبرة وتجربة ذات صلة نظرًا لمدى تعقيد القضايا المطروحة.