من المتوقع أن يدخل التعاون النووي مع دولة الإمارات العربية المتحدة حيز التنفيذ على الرغم من المخاوف التي أثارها بعض أعضاء الكونغرس حول دولة الإمارات كدولة معتدلة في علاقاتها مع إيران، لاحتواء قانون التعاون النووي المقترح على كل الشروط والضوابط اللازمة لمنع الانتشار النووي.

واشنطن: على الرغم من كون إنشاء برنامج نووي للأغراض السلمية محل شك أميركي خاصة بإحدى دول منطقة الشرق الأوسط، إلا أن الولايات المتحدة تشيد باتفاقية التعاون النووي المدني الأميركية ـ الإماراتية كنموذج للطاقة النووية، كما جاء على لسان أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في السابع من أكتوبر الجاري خلال جلسة الاستماع لتقييم مقترح مشروع التعاون المدني بين البلدين .

ترأس الجلسة السيناتور روبرت كاسي وقد تحدث بالجلسة بجانب فان ديبن الأمين المساعد بالنيابة لشؤون الأمن الدولي وعدم الانتشار بوزارة الخارجية، وجانيت ساندرسون نائب مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى. والدكتور هارولد ماكفرلين رئيس الأكاديمية الدولية في مجال الطاقة النووية والرئيس السابق للجمعية النووية الأميركية ونائب مدير مختبر ايداهو الوطني للعلوم والتكنولوجيا النووية. بالإضافة إلى عدد من الأعضاء الديمقراطيين والجمهوريين.

وقد دارت الجلسة حول مناقشة السمات الإيجابية والسلبية للاتفاق المقترح و الدور الإيجابي لدولة الإمارات بمنطقة الشرق الأوسط في تعزيز الاتفاقات الدولية منع الانتشار، ومدى إمكانية دعم التعاون بين الولايات المتحدة والإمارات العربية بشأن الأغراض السلمية للطاقة النووية بما يتفق ونص الفصل (123) من قانون الطاقة الذرية لعام 1954.

يذكر أن لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب عقدت جلسة لمناقشة هذا الاتفاق، وحول ما خلصت إليه تلك الجلسة، والجدل حول التوقيع على هذا الاتفاق نشر على الموقع تقرير بعنوان quot;التعاون النووي مع الإمارات مصلحة أميركيةquot;

تفرد التعاون النووي الأميركي ـ الإماراتي

على عكس التعاون النووي السلمي بين الولايات المتحدة والهند، انفرد التعاون المقترح للتعاون بين الولايات الأميركية والإمارات ببعض السمات لم يسبق لها مثيل في اتفاقات من هذا النوع. ويسرى الاتفاق المقترح لمدة 30 عامًا. ويسمح بنقل المواد النووية، والمعدات (بما في ذلك المفاعلات)، والمكونات اللازمة للأبحاث النووية المدنية وإنتاج الطاقة النووية المدنية وإخضاعها لتراخيص تصدير فردية لاحقة.

ولا يسمح الاتفاق بنقل البيانات المقيدة، والتكنولوجيا النووية الحساسة، والمرافق النووية الحساسة، والعناصر الحساسة والحاسمة لمثل هذه المرافق. وبالتالي فالاتفاق يحد من المواد القابلة للانشطار الخاصة التي يمكن نقلها في إطار الاتفاق إلى اليورانيوم منخفض التخصيب باستثناء كميات صغيرة من المواد الانشطارية الخاصة لاستخدامها في العينات أو لأغراض أخرى وافقت عليها الأطراف.

بالإضافة إلى ذلك، يمنح الاتفاق المقترح للولايات المتحدة الموافقة المسبقة لإعادة نقل المواد النووية المشعة من جانب دولة الإمارات لفرنسا والمملكة المتحدة، إذا كان ذلك يتماشى مع سياسات كل منها، والقوانين، واللوائح، وهذا من شأنه أن يوفر فرصة للإمارات لإدارة وقودها المستنفد والخاضع لشروط محددة، بما في ذلك ضرورة وجود اتفاق مسبق بين الولايات المتحدة ودولة الإمارات لنقل أي مواد انشطارية خاصة أو قابلة للانشطار ناتجة من عمليات إعادة المعالجة.

الجدل المثار بشأن التعاون النووي

وعلى الرغم من إيفاء الإمارات بمتطلبات نص المادة 123 من قانون الطاقة الذرية الأميركي من حيث تقديم ضمانات لعدم استخدام تلك التكنولوجيا النووية في الأغراض العسكرية وعدم نقلها إلى أشخاص أو جماعات أو دولة غير مخول لها انتقال التكنولوجيا النووية إليها وعدم القيام بعمليات التخصيب أو إعادة تشغيل أو تبديل المواد النووية، إلا أنه مازال هناك بعض المخاوف لدى الولايات المتحدة .

فمن جانبه يرى ماكفرلين أن مشاركة الولايات المتحدة في مثل هذا التعاون يمثل أداة فعالة من أجل التأثير الإيجابي للبرامج النووية في الخارج وزيادة مصداقيتها بشان التعاون في مجال تطوير الطاقة النووية للأغراض السلمية ورغبتها في التعاون مع دول الشرق الأوسط وغيرها التي ترغب في تطوير الاستخدامات السلمية للطاقة النووية بطريقة تتفق مع منع الانتشار وتتخذ أعلى معايير السلامة والأمن كما في حالة دولة الإمارات.

وعلى الجانب الآخر أعربَ روس فينجولد وهو ديمقراطي عن قلقه الشديد من أن الولايات المتحدة بتوقيعها على مثل هذا الاتفاق ستروج للتكنولوجيا النووية في منطقة الشرق الأوسط والذي من شأنه أن يشعل سباق تسلح إقليمي. وأكد جيمس ريتش وهو جمهوري على ضرورة عدم مقارنة دولة الإمارات بإيران وذلك لاختلاف استراتيجيتهما في امتلاك برنامج نووي فمن شأن هذا التعاون، حسب دبين، أن يضع إيران في مأزق كبير، ولذا سيتحقق الاتفاق قدرًا كبيرًا من عدم الانتشار بالمنطقة.

ويرى ماكفرلين أن هذا الاتفاق سيكون مثالاً إيجابيًّا لأكثر من 30 بلدًا ذات الطموحات النووية للطاقة في المنطقة بالمضي قدمًا على النهج الإماراتي، والاتفاق طواعية للتخلي عن التكنولوجيا الحساسة لتخصيب اليورانيوم وإعادة المعالجة مع تطبيق ضمانات الوكالة على جميع الأنشطة النووية، مما سيؤدي إلى تحقيق مستوى تاريخي لمنع الانتشار النووي والسلامة والشفافية في الشرق الأوسط و أجزاء أخرى من العالم.

وعلى الرغم من اختلاف وجهات النظر بشان التعاون النووي السلمي المقترح، إلا أن الاتجاه العام السائد بالجلسة هو تأييد وتعزيز القانون المقترح من الرئيس أوباما إلى الكونغرس بصيغته المعدلة يوم 21 من مايو حيث يرى الأعضاء أن الاتفاق يعزز المنفعة السياسية والأمنية والاقتصادية والعلاقات الثنائية بين البلدين، والتعاون بشأن القضايا ذات الصلة كالقضايا المتعلقة بالوضع الأمني بالأراضي الفلسطينية وباكستان وأفغانستان والعراق وإيران، وأن التعاون لا يشكل خطرًا في ظل الضوابط المنصوص عليها.

المعايير الإماراتية المتخذة لحظر الانتشار النووي

اتخذت الإمارات (من وجهة النظر الأميركية) أعلى معايير حظر الانتشار النووي. فقد فَنَّدَ فان ديبن العوامل والأسباب الرئيسة التي حفزت الرئيس أوباما لاقتراح التعاون النووي السلمي مع دولة الإمارات. فدولة الإمارات قد وافقت طواعية على التخلي عن تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة الوقود المستنفد ووقعت على البروتوكول الإضافي لاتفاق الضمانات مع الوكالة الدولية وملتزمة بدخوله حيز التنفيذ. فقد صدقت الإمارات على اتفاقية الحماية المادية للمواد النووية في 15 من نوفمبر 2003، وأودعت صك قبول تعديل عام 2005 لتعزيز الاتفاقية في 31 من يوليو 2009.

كما انضمت إلى الاتفاقية الدولية لقمع أعمال الإرهاب النووي في 10من يناير2008، بالإضافة إلى تنفيذها لقرار مجلس الأمن رقم 1540 باتخاذ وإنفاذ تدابير فعالة لوضع ضوابط محلية لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل ووسائل إيصالها والمواد ذات الصلة. بالإضافة إلى إصدار القانون الاتحادي 6 في عام 2009 والذي يحظر تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة الوقود المستهلك، وتطوير المواد النووية ونظام التراخيص والمراقبة، والقانون الاتحادي 13 الصادر في عام 2007 يوفر أساسًا متينًا لبناء نظام فعال لمراقبة الصادرات من السلع.

وقد أشار ديبن أن دولة الإمارات هي الشريك الرئيس للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب وتعمل بنشاط لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وأنها تعتزم تنفيذ قواعد الرقابة على الصادرات والواردات من المعدات النووية والتكنولوجيا ذات الصلة بما يتفق مع مجموعة موردي المواد النووية والمبادئ التوجيهية لنقل المواد النووية والذي من شأنه أن يعزز نظام مراقبة الصادرات ومساعدة الحكومة في منع الشحنات غير المشروعة من التكنولوجيا النووية الحساسة من خلال الإمارات.

الطابع التجاري للتعاون النووي يفتح آفاقًا جديدة للإنجاز

نُوه خلال الجلسة عن المزايا والعائد التجاري الذي يعود على الولايات المتحدة وشركاتها من جراء تنفيذ هذا التعاون والذي قد يُسهم بصورة نسبية في حل توابع الأزمة المالية الاقتصادية كالبطالة وإفلاس بعض الشركات الأميركية.

حيث أشير خلال الجلسة إلى أن الإمارات تدرك قيمة التعاون الدولي من أجل وضع برنامج للطاقة النووية مما يتطلب الحاجة إلى تطوير الموارد البشرية المحلية عن طريق توظيف مجموعة شركات أجنبية لبناء وتشغيل أولى المحطات للطاقة النووية لتطوير الخبرات المحلية. وأن الصناعة الأميركية باعتبارها الرائدة في هذا المجال عليها أن تستعد للمساعدة في تطوير برنامج للطاقة النووية في دولة الإمارات. فقد أعربت الإمارات عن استعدادها للاستثمار في رأس المال والوقت والموارد البشرية التي هي ضرورية لتنفيذ برنامج الطاقة النووية مسئولة و أسهمت بالفعل بنحو 10 مليون دولار في البنك الدولي للوقود التي من شأنها أن تساعد في خلق يورانيوم منخفض التخصيب. وسيتم الاستعانة بالولايات المتحدة لوضع إطار لترتيبات التبادل التقني لمدة 60 عامًا .

وقد أنهت الجلسة أعمالها بالإشادة لمواقف دولة الإمارات واستجابتها لجميع الاتفاقات الدولية الخاصة بمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل ومرونتها لجميع عمليات التفتيش الدولية الصارمة وانصياعها لفرض حظر صارم على تكنولوجيا التخصيب وإعادة المعالجة.