تحت عنوان: هل يمكن لمصر أن تحمي أقباطها؟... تنشر صحيفة الغارديان البريطانية مقالاً تحليليًا مطولاً تشدد فيه على تلك المحاولات الجديدة التي يجب أن تدعمها الحكومة المصرية -بدلاً من أن تقوم بتقويضها- لمعالجة الفجوة القائمة بين المسلمين والمسيحيين في البلاد. وتكشف الصحيفة في هذا الإطار عن الضغوط التي يمارسها الإئتلاف المكون من 36 جماعة مصرية تعمل في مجال حقوق الإنسان لحث الحكومة على تطبيق قانون موحد لبناء دور العبادة. وتمضي الصحيفة لتربط بين النقاش الجدلي المحتدم في مصر حول هذا الأمر وبين ما يحدث في أوروبا.

لفتت صحيفة الغارديان البريطانية في عددها الصادر اليوم إلى مقترح تقدم به مؤخرًا قس بلجيكي، بدعوته إلى ضرورة الإقدام على هدم أو إعادة توجيه بعضًا من الكنائس يقدر عددها بـ 4000 آلاف كنيسة ndash; خاصة ً المهجور منها - لأغراض أخرى أكثر علمانية بغية تحرير الموارد للمحافظة على دور العبادة الأكثر أهمية، وذلك على خلفية تراجع نسبة الحضور الجماهيري بها واستمرار الركود العالمي. في حين ترى الصحيفة أن بقاء الكنائس خاوية ً على عروشها لا يمثل مشكلة بالنسبة لمجتمع مصر المسيحي الأكثر ورعًا. وتعزو ذلك جزئيًا إلى أن الأقباط في مصر، باتوا شأنهم شأن مواطنيهم من المسلمين، أكثر تدينًا من الناحية الظاهرية. لكنها طالبتهم بضرورة القفز من خلال الأطواق البيروقراطية من أجل الحصول على تصاريح لبناء كنائس جديدة أو حتى ترميم الموجود منها.

وترى الصحيفة في جزئية أخرى أن أجواء الجدال التي تشهدها مصر تمثل انعكاسًا لنظيراتها الموجودة في أوروبا في نواح عديدة، حيث يحاول المنتمون إلى اليمين المتطرف وغيرهم من هؤلاء الأشخاص الذين يسيطر عليهم هاجس الفوبيا من الإسلام القيام بإذكاء مخاوف غير منطقية من قرب تأسيس ما يطلق عليها quot;يورابياquot;، ذلك التعبير الذي يعني حرفيًا quot;أوروبا العربيةquot;، والقيام في الوقت ذاته بشنّ حملات مناوئة لبناء المساجد. ومع هذا، تقول الصحيفة إن هناك بعض الاختلافات الكبرى. فعلى الرغم من تكوُّن بعض المجتمعات الإسلامية الأوروبية قبل قرون، يتواجد المسلمون في غرب أوروبا بأعداد غفيرة منذ بضعة أجيال. وبعيدًا عن دياناتهم، لا يمكن التمييز بين الأقباط والمسلمين في مصر من النواحي العرقية والاجتماعية والثقافية، نظرًا لأن معظم المسلمين المصريين كانوا أقباطًا وقبل ذلك كانوا مشركين في حقبة القدماء المصريين. وترى الصحيفة أن مثل هذا التجانس هو الذي تسبب في تردي وضعية الأقباط ، وتحويل التدهور التدريجي للعلاقات بين الطائفتين الدينيتين على مدار الثلاثة عقود الماضية إلى أمر مقلق ومؤلم للغاية بالنسبة للملايين من المسلمين والمسيحيين المصريين الذين مازالت تربطهم ببعضهم الآخر علاقات ودية.

وتمضي الصحيفة لتقول إنه وفي مقابل الخلفية الأيديولوجية للوحدة الوطنية، ظلت المواضيعذات الطبيعة الدينية دربًا من دروب المحرمات في مصر لعدة سنوات. كما تؤكد الصحيفة على أن الحياة تمضي في مصر من دون الاعتراف بوجود مشكلة، وأن الحكومة كان لها دور في ذلك، من أجل إرضاء التيار الإسلامي المحافظ المتنامي، للتلاعب بالأدوار المتعارضة لبطل العلمانية والمدافع عن الإسلام. وبعد أن سئموا من وطأة المصادمات التي تحدث بين المسلمين والأقباط بصورة منتظمة، وتصل لذروتها على نحو متقطع، وتغذيها في أغلب الأحيان شائعات عن التنصر أو الأسلمة والتزواج بين الطائفتين، قام التقدميون والليبراليون المصريون في السنوات الأخيرة بخرق quot;التابوهاتquot; أو المحرمات المحيطة بمسألة الوحدة الوطنية.

وهنا، تنتقل الصحيفة لتشير في السياق ذاته إلى فيلم quot;حسن ومرقصquot; ndash; الذي وصفته بأنجح المعالجات السينمائية الحديثة للتوترات القائمة بين الأقباط والمسلمين في مصر، فتقول إنه وعلى الرغم من ذهاب الفيلم إلى مناطق بعيدة جدًا خلال محاولته استخلاص أوجه الشبه بين الأكثرية والأقلية، إلا أنه كان صادقًا ومضحكًا للغاية بشكل عام ndash; فضلاً عن تقديمه رؤية ساخرة عن المسلمين، والمسيحيين، والحكومة بلا هوادة. كما تلفت الصحيفة لرواية quot;شيكاغوquot; للكاتب الشهير علاء الأسواني، الذي تطرق خلالها أيضًا إلى القضية الشائكة الخاصة بالعلاقات المسيحية القبطية.

وبينما تحذر الصحيفة في النهاية من أن يكون المشهد الأخير في فيلم حسن ومرقص ( حينما تكاتفت العائلتان بالأيدي ومن حولهما تدور أحداث شغب جماعية بين مسلمين وأقباط ) مجرد لمحة لما قد تؤول إليه الأمور مستقبلاً في مصر، إذا ما غاب النضج والصدق عن معالجة التوترات الدينية، طرحت في الوقت ذاته دعوة إلى إزالة الخانة الخاصة بالديانة من بطاقات الهوية الشخصية كخطوة جيدة أولى تُظهر أن الإيمان بعقيدة مسألة خاصة.