بعد سنوات من العنف شهدها العراق بدأ الوضع الأمني في هذا البلد يتحسن، وعلى الرغم من ان العنف ما زال موجودًا فالأوضاع الطبيعية عادت تظهر مع إنتعاش الحياة الإجتماعية.

إعداد عبد الإله مجيد: مع إستمرار التحسن الأمني في العراق أخذت عودة الأوضاع إلى حالتها الطبيعية تتبدى بارتياد المطاعم وانتعاش الحياة الاجتماعية. ولكن العنف ما زال عنصرًا في حياة العراقيين اليومية والفساد يهدد باستنزاف طاقات البلد كما تقول مجلة quot;شبيغل أونلاينquot; في تقرير من بغداد جاء فيه:

تقول إنهبدأ أول نادٍ ليلي في بغداد يستقبل ضيوفه منذ عام، وكان أول ناد يفتح أبوابه منذ التسعينات عندما انتابت صدام حسين على حين غرة نوبة من التدين بعد هزيمته في حرب الخليج الاولى في الكويت، فمنع تقديم المشروبات الروحية. رئيس الوزراء المحافظ نوري المالكي هو الذي الغى المنع من بين كل الآخرين.

الآن بعد سنوات من العنف والموت يشهد العراق اقبالاً على الحياة. وفي مساء كل يوم خميس تتوقف مواكب الأعراس عند حواجز التفتيش قبل التوجه الى الفنادق متسببة في توقف السيارات بطوابير تمتد اميالاً. وعند الوصول يعقد خمسون واحيانًا ستون رجلاً وامرأة قرانهم في حفلات زفاف جماعية تقيمها مؤسسات ذات اسماء بينها quot;المنصورquot; وquot;بابلquot; وquot;فلسطينquot;. وحتى ساعة حظر التجوال في منتصف الليل يبقى شارع ابو نؤاس الشهير مضيئًا بالقناديل الملونة. مطاعم السمك المسقوف على نهر دجلة، التي ظلت مهجورة خلال سنوات الرعب، عادت تعمل بهمة ملحوظة ومعها ضباط الشرطة الذين يوفرون الأمن للمنطقة.

في نهاية حزيران/يونيو بدأت القوات الاميركية انسحابها من المدن وفي كانون الثاني/يناير المقبل سيتوجه عراق ما بعد الحرب الى صناديق الاقتراع. انه ليس نموذج الديمقراطية العربية التي كانت ذات يوم في رؤية الرئيس الاميركي السابق جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير ولا هو الجمهورية الاسلامية التي يود ملالي طهران رؤيتها جارًا لهم. وهو بكل تأكيد ليس الخلافة الدموية التي أراد زعيم quot;القاعدةquot; اسامة بن لادن اقامتها في بلاد ما بين النهرين.

العراق دولة ما زال مئات من الأشخاص يُقتلون فيها كل شهر نتيجة هجمات واشتباكات. وان تنظيم quot;القاعدةquot; الذي أُجبر على الانكفاء الى الشمال أخذ ينفذ هجمات متزايدة في الأسابيع الأخيرة. وبعد توقف الحرب بين السنة والشيعة تعتزم الجماعات الارهابية اشعال النزاع مجددًا ولكن بين العرب والكرد.

في الجنوب، تسعى الحكومة الى زيادة انتاج النفط ولكن مستثمرًا واحدًا تقدم خلال جولة التنافس التي جرت في حزيران/يونيو بين الشركات النفطية على الفوز بعقود لتطوير ثمانية حقول نفطية. لدى العراق نفط لا تملكه سوريا او مصر او تركيا وموارد مائية ليست متاحة عمومًا في المنطقة ولديه نخبة متعلمة. ولكن لديه ايضًا حكومة ليست حتى في بداية استثمار هذه الطاقات.

تمخض هذا الوضع عن نظام سياسي متناقض. فهو دولة بوليسية لكنها دولة تمنح حريات لا يُعرف مثيلها في الذاكرة الحية. وهو قوة نفطية عظمى لكنها منخورة بالمحسوبية والفساد، حيث تكافح حفنة من البرلمانيين لبناء دولة دستورية. وهو بلد رئيس وزرائه تحول في بحر ثلاث سنوات ونصف السنة فقط من مرشح توافقي شيعي الى وطني سلطوي يجيز مع ذلك قدرًا استثنائيًا من الحرية.

ظهرت طبقة ميسورة جديدة. فخلال شهر رمضان قبل عامين كانت الرحلات الجوية بين بغداد وبيروت وعمان ودبي حتى اقل من نصف شاغرة. ولكن رمضان هذا العام شهد رحلات محجوزة مسبقًا. فالنخبة العراقية غادرت للتسوق. وفي منطقة الكرادة الراقية وسط بغداد تبيع معارض السيارات الآن بورشة وجاغوار بعد موجة الازدهار التي لاحت بوادرها بالثلاجات الجديدة ودراجات الأطفال والمدفئات النفطية.

النقود متداولة بكميات كبيرة ولكن من أين تأتي؟ تقول وزيرة الاتصالات السابقة جوان فؤاد معصوم ان الفساد دائمًا سيئ، وان الانتخابات المقبلة في كانون الثاني/يناير تدفع السياسيين وكبار المسؤولين الى درجة أكبر من الفساد. quot;فما من وزير أو مدير عام يعرف إن كان سيحتفظ بمنصبه بعد الانتخابات. لذا هم يملؤون جيوبهم الآنquot;.

تقول معصوم ان المشكلة في النظام نفسه. فعندما يتنحى وزير يغادر معه كادر الوزارة كله بمن فيهم الفراش. وهذه عادة موروثة من زمن صدام. وهناك محسوبية متفشية تؤدي ايضا الى انعدام الكفاءة والفساد. خلال السنوات القليلة الماضية اصبح العراق ثاني اكثر بلدان العالم فسادًا لا تتقدم عليه إلا الصومال في جدول منظمة الشفافية الدولية. وكما يقول الكرد في شمال العراق: quot;لدينا يوميًا 10 ساعات من الكهرباء و15 ساعة من حرية التعبير و24 ساعة من الفسادquot;.

برلمان بغداد احد الهيئات المسؤولة عن التحقيق في هذه الخروقات. وتقول النائبة ميسون الدملوجي ان quot;راتبنا الشهري يعادل 6700 يورو (10 آلاف دولار). يضاف الى ذلك ان كل واحد منا يحق له 30 من افراد الحماية براتب لا يقل عن 300 يورو شهرياquot;. وتضيف انها لا تريد التعريض بزملائها ولكن من الشائع ان يُدرج الأقارب والأصدقاء على قائمة مخصصات السياسي بصرف النظر عما إذا كانوا يعرفون شيئا في الأمن والحماية. على النقيض من ذلك يحتاج اعضاء لجنة النزاهة ولجنة الميزانية في مجلس النواب الى حراس حقيقيين لحمايتهم.