ينظر المهاجرون الشبان الى تركيا على أنها محطة عبور ومنطلق إلى أوروبا مما جعل الاتحاد الأوروبي يمارس ضغوطا على تركيا لوقف طوفان المهاجرين عبر حدودها.

إسطنبول: يستعد الشاب الجزائري أمين للإقدام علو محاولته التالية لعبور الحدود التركية مع أوروبا بشكل يشبه استعداد جنرالات الحرب لخوض معاركهم. جلس أمين 24 عاما في إحدى مقاهي الانترنت ليبحث عبر محرك البحث غوغل ايرث عن ثغرة في الحدود التركية اليونانية.

يعتزم أمين quot;النوم في الخفاء نهارا والتسلل ليلا عبر الحدودquot; وليس أمين إلا واحدا من عشرات الآلاف من المهاجرين الراغبين في العبور لأوروبا عبر تركيا بأي ثمن. قام أمين بسبع محاولات عبور فاشلة حتى الآن فقد كانت الشرطة اليونانية تعترض طريقه في كل مرة من خلال كمين بمكان الوصول.

وبسبب كثرة هذه المحاولات أصبح أمين يتخيل quot;أنه جندي.. بعيدا عن الهزل، هذه المحاولات تذكرني بوقت الخدمة العسكرية في بلاديquot;.

ورغم ذلك فليس من الصعب حسب أمين الوصول لدول الاتحاد الأوروبي عبر الحدود مع تركيا. ولكن هناك رقابة شديدة داخل اليونان على المهاجرين الذين نجحوا في الوصول لليونان.

يتربص رجال الشرطة لهؤلاء المهاجرين عند محطات الحافلات والقطارات والشوارع الرئيسية مما جعل أمين يعتزم تجنب هذه الأماكن خلال المحاولة التالية.

ويبحث أمين من خلال محرك البحث غوغل ايرثعلى الانترنت عن شارع جانبي صغير يستطيع من خلاله تجنب القرى الفاصلة بينه وبين وجهته في اليونان.

لم يفر أمين من خطر محدق أو ملاحقة وحشية في بلاده. كان يعمل في الجزائر سائقا في شركة متخصصة في صناعات الألبان ولكن الأمل أصبح يساوره في حياة أفضل في الاتحاد الأوروبي. وليست إسطنبول إلا معبر إلى فرنسا، هدفه الأساسي quot;لأن الفرنسية هي لغتي، كما أن عائلتي في باريسquot;.

ويتطلع مهاجرون آخرون يترددون على حي كومكابي في إسطنبول للوصول لوجهات أوروبية أخرى مثل ألمانيا أو الدول الإسكندنافية. يجلس هؤلاء في المقاهي وفي محلات الهاتف التي توفر مكالمات دولية رخيصة. وتدور هذه المحادثات الهاتفية عن المستقبل.

باستطاعة المهاجرين أن يقوموا بمحاولات عبور الحدود بمفردهم أو أن يتفقوا مع المهربين والذين يطلبون عدة مئات إلى عدة آلاف من عملة اليورو لنقلهم من تركيا إلى اليونان برا أو بحرا ليصبح الهدف هو الوصول لإحدى الجزر اليونانية.

وغالبا ما يضطر هؤلاء لدفع ثمن الرحلة في بلدهم الأصلي قبل أن يشرعوا في رحلتهم.

المجموعات التي تنتظر العبور لأوروبا من حي كومكابي متعددة الأطياف . فهناك لاجئون من العراق ولكن هناك أيضا سنغاليون مثل هذا الشاب الذي يقول إنه درس تقنية الكمبيوتر في بلاده ولكنه لم يجد فرصة عمل مناسبة هناك مما جعله يحلم بمستقبل في أحد أندية كرة القدم quot;ربما في ألمانيا..في الرياضة يمكن تحصيل الكثير من المال في وقت قصيرquot; حسبما يقول الشاب السنغالي الذي يبدو وكأنه خبير بشئون الحياة.

يزعم الشاب السنغالي أنه جاء لتركيا كسائح. وهناك في شوارع حي كومكابي شباب تعرضوا لتجارب مريرة، شباب فقدوا كل شيء تقريبا أو عوملوا بشكل سيء للغاية. ولكن هناك من بينهم من يختلق أكاذيب واضحة وصارخة.

أما من يتساءل عن أحد التفاصيل التي قد تبدو متناقضة مع السياق العام فلا يجني إلا النظرات الشريرة، وسرعان ما يلجأ المهاجر عندئذ للصمت ويلوذ بمسكنه في الأفنية الخلفية من المباني.

ولكن هؤلاء المهاجرين متواجدون في كل مكان من مدينة إسطنبول ولا يخشون كثيرا من الشرطة التركية، فهم لا يحصلون على مساعات من الدولة التركية ولا تلاحقهم السلطات هناك.

وطالب جاك بارو، المفوض الأوروبي لشؤون العدل، تركيا الصيف الماضي بالتصدي لتيار المهاجرين غير الشرعيين إلى اليونان وإحكام المراقبة عليهم.

ونقلت وسائل إعلام يونانية عن بارو قوله أثناء زيارته لها:quot;لا يمكننا أن نقبل أن تغض تركيا الطرف عن عصابات تهريب البشر التي تستغل المهاجرينquot;.

استطاعت السلطات اليونانية الإمساك بنحو 146 ألف مهاجر غير شرعي لأوروبا عام 2008 أكثرهم من دول في الشرق الأوسط ودول شمال أفريقيا. وقدم معظم هؤلاء عبر البوابة التركية حسب وزارة الداخلية اليونانية.

ولكن تركيا تسلمت فقط نحو 2800 quot;مهاجر غير شرعيquot; من اليونان رغم وجود اتفاقية بين تركيا واليونان تلزم اليونان برد المهاجرين غير الشرعيين لتركيا.

وفي الوقت الذي لايجد فيه معظم الشباب ممرا لأوروبا إلا عبر تركيا ، فإن الأتراك يطالبون بدليل ملموس على أن المهاجرين الذين يتم ضبطهم متسللين لليونان جاؤوا إليها عبر تركيا وهذا ما تجد الشرطة اليونانية صعوبة في إثباته.

أصبح واحد من كل عشرة في اليونان مواطنا غير أوروبي ويبلغ إجمالي الأجانب الذين يعيشون في اليونان حاليا أكثر من مليون مهاجر منهم نحو 400 ألف يقيمون بشكل غير مشروع في اليونان.

بدأت اليونان في التعامل بحزم أكثر مع الهجرة غير الشرعية وتعتزم الحكومة اليونانية على سبيل المثال فتح معسكرات تحظى باجراءات أمنية مشددة لاعتراض المهاجرين غير الشرعيين في جزر شرق اليونان ونقلهم من خلال إجراءات سريعة لبلد مجاور مصنف من قبل الاتحاد الأوروبي على أنه بلد محايد آمن.

كما تردد في أوساط وزارة الداخلية اليونانية أن الوزارة لن تسمح للمهاجرين غير الشرعيين بالبقاء في اليونان. وقالت وزيرة الخارجية اليونانية السابقة دورا باكوجيانيس: quot; يجب الايسمح للمهاجرين غير الشرعيين بالبقاء فى اليونان أكثر من عام.. على كل منا نحن الأوروبيون أن يقوم بمسئوليته.. لا يمكن أن يستمر هذا الوضع طويلاquot;.

كما تريد أثينا من الاتحاد الأوروبي أن يزيد من ضغوطه على تركيا حتى توافق علي تسلم المهاجرين الذين يتم ضبطهم متسللين لليونان. ولكن أنقرة رفضت على لسان وزير الشؤون الأوروبية ايجمين باجيس الذي قال:quot;نرفض أن نصبح أكبر معسكر للاجئين في العالمquot;.

وكانت منظمة العفو الدولية quot;أمنستي انترناشونالquot; المعنية بحقوق الإنسان من بين الجهات التي وجهت انتقادات لتركيا. وحثت المنظمة تركيا على اعتماد قانون عادل للجوء يتوافق مع المعايير الدولية.

وجاء في تقرير للمنظمة بشأن ظروف اللاجئين في تركيا:quot;إن المنظمة قلقة بشأن عدم ضمان حقوق الأشخاص الذين يحتاجون لحماية دولية في تركيا لأن اللوائح الخاصة باللاجئين لا تتوافق مع المعايير الدولية وغير عادلة كما يتم تطبيقها بشكل متعسفquot;.

وسجلت المنظمة بعض الحالات التي رفضت فيها تركيا منح اللجوء للاجئين أو أجبرتهم على العودة لبلدهم الأصليquot;.

وأشار داود بارتلت المتحدث الصحافي باسم منظمة العفو الدولية إلى أن تركيا هي الدولة الوحيدة من الدول الموقعة على ميثاق جنيف الخاص باللاجئين التي لا تقبل طلبات اللجوء من غير الأوروبيين وأنه كثيرا ما يتم اعتقال المتقدمين بطلب الحصول على لجوء في تركيا ويعاملون بشكل سيء في معتقلهم ولا يحصلون على الضروريات الأساسية هناك ويتوقعون ترحيلهم في أي وقت حتى وإن كانوا مهددين في بلادهم بانتهاكات جسمية ضد حقوق الإنسان.

وكان محتجزون أجانب على ذمة الترحيل في أحد مراكز الشرطة بحي كومكابي في إسطنبول قاموا بعمليات تخريب في أيلول/سبتمبر الماضي احتجاجا على الظروف المتردية في المبنى الذي تعتبره الداخلية التركية معسكرا للاجئين. ويواجه أصحاب الحظ السيئ و كل من يتصرف بشكل أقرب للإجرام خطر الترحيل فورا من تركيا.

كما يغرق الكثير من المهاجرين أثناء محاولتهم الوصول لإحدى جزر اليونان. ويقول الشاب الجزائري أمين:quot;نسمع عن البعض أنهم نجحوا في العبور ولا نسمع أي أخبار عن البعض الآخر مما يجعلنا نظن أنهم ماتواquot;.

ويرى أمين أن العبور لليونان عبر البحر يمثل له خطورة كبيرة لذا فقد قرر القيام بمحاولة أخرى عبر الطريق البري.

وتعلم اليونانيون هم الآخرون كيفية التعامل مع موقف تركيا الرافض للتعامل بحزم ضد تسلل اللاجئين لليونان عبر تركيا حيث أكد أمين أنه ضرب بشدة من قبل الشرطة اليونانية في بلدة ديديموتيشو الحدودية في اليونان قبل أن يعيدوه للحدود التركية.