أصبحت المجموعات quot; الجهاديةquot; السابقة شوكة في خاصرة العلاقات بين الدول المختلفة، ولا سيما بين باكستان وجاراتها من أفغانستان والهند وإيران والصين. أما الولايات المتحدة فتولي عناية قصوى لكل حادث على المستوى الدولي، ناهيك عن النشاطات المسلحة سواء أكانت تساعدها في زيادة نفوذها أم تحارب وجودها العسكري. وقد تسببت العملية الانتحارية التي حصلت في مدينة بشين الإيرانية والتي أدت إلى مقتل أكثر من 40 شخصًا، بينهم سبعة من كبار قادة القوات البرية للحرس الثوري الإيراني، إضافة إلى بعض كبار الشخصيات المحلية، في توتير الأوضاع بين باكستان وإيران.

إسلام آباد: لم تتمالك القيادات الإيرانية نفسها منذ الدقيقة الاولى للهجوم الانتحاري في مدينة بشين وبدأت توجه الإتهام إلى باكستان وبريطانيا والولايات المتحدة بضلوعها في تلك العملية. وأصدرت القيادات الإيرانية بدءًا من الرئيس أحمدي نجاد إلى رئيس الشرطة ورئيس الحرس الثوري وحتى القائد الأعلى الخامنئي بيانات تهديدية إزاء باكستان، في حين طلب قائد الحرس الثوري الإذن من الحكومة الإيرانية لتنفيذ الهجمات داخل الحدود الباكستانية.

وعلى الرغم من أنه لم تصل أي تقارير عن الإذن بذلك، إلا أن الصحافة الباكستانية نقلت تقارير عن السكان المحليين قرب الحدود الإيرانية بأن حرس الحدود الإيراني اقتحم الحدود الباكستانية وقام باعتقال بعض الأشخاص ومعظهم من الباكستانيين. كما اشارت التقارير هذه الى اقفال الحدود ايضًا، وذلك على خلفية اتهام ايران لبعض الاجهزة الباكستانية بالتعاون مع جند الله .

وفي هذا الاطار يقول الدكتور رشيد أحمد خان الباحث الكبير في معهد إسلام آباد للبحوث الإستراتيجية خلال مقابلة خاصة مع إيلاف أن أي حكومة في باكستان لا تستطيع حتى التفكير في الضرر بالمصالح الإيرانية ناهيك عن تورط أي جهاز رسمي في أي نشاط مضاد لإيران.

وردًا على سؤال عن رد الفعل العنيف من القيادات الإيرانية ضد باكستان إضافة إلى الاتهامات الإيرانية بضلوع بعض أجهزة الاستخبارات الباكستانية في هجوم سيستان، أكد الدكتور أن ذلك الرد كان مستعجلاً وطائشًا ومن دون أي تفكير. كما وأنه أشار إلى أنه قد ولى زمن حاجة المجموعات الإرهابية إلى مساعدات الحكومات والأجهزة الأخرى؛ لأنها الآن قد تمكنت من إنشاء مصادر لتمويلها، مشيرًا إلى أن المجتمع الدولي قد فشل في تجفيف منابع تمويل الإرهابيين.

وفي إشارة إلى الخلاف الشيعي السني رفض الدكتور حدوث أي مشادة بسببه مؤكدًا أن القوى الخارجية هي التي تشعل هذه الفتنة في حين لا يمكن لباكستان ولا إيران أن تقوم بأي نشاط ضد بعضهما البعض بسبب الأواصر القوية بينهما. بينما صرح بأن القيادة الباكستانية أبدت ردًا حكيمًا على الاتهامات الإيرانية وبذلت جهودها في تهدئتها.

وفي معرض الرد على سؤال عن الإجراءات المطلوبة لتفادي مثل هذا الوضع مستقبلاً، أكد أن الحدود الإيرانية الباكستانية والتي تتجاوز ألف كيلومتر ليست عليها المراقبة المطلوبة والكافية. وبناء عليه يجب تشديد مراقبة الحدود من كلا الجانبين لتضييق الخناق على الإرهابيين.

ولا تفوتنا الإشارة إلى أنquot;جند اللهquot; ـ التي دأبت السلطات الإيرانية على إعدام كل من يشتبه بانتمائه إليها علنا ـ حركة إسلامية مسلحة معظم عناصرها من أبناء الأقلية (البلوشية) السنية المتدينة التي تسكن مناطق إقليم (سيستان ـ بلوشستان) الواقع جنوب شرق إيران على المثلث الحدودي مع أفغانستان وباكستان، تأسست عام 2002 على يد الشيخ عبد المالك ريغي وهو أحد طلبة العلوم الدينية، للعمل على الدفاع عن حقوق السنة عامة والشعب البلوشي خاصة، والمطالبة باستقلال أكبر للأقاليم السنية، أو إجبار النظام الإيراني على التعاطي معها كحزب سياسي رسمي، كما يطالبون بتقسيم الثروة تقسيمًا عادلاً، وأن يكون للسنة الحرية في بناء المساجد والمدارس، حيث تتهم الجماعة حكومة طهران باضطهاد السنة، وقتل علمائهم، وهدم المساجد وإغلاق المدارس.

وترى quot;جند اللهquot; في إيران دولة عنصرية quot;تأسست على فكر رجل واحد هو الخميني، ووضعت حجر أساسها على فلسفة ولاية الفقيه ليس إلاquot;، وبينما يصنفها البعض على أنها حركة سلفية أصولية الامر الذي تنفيه الحركة معلنة أنها تطالب بقيام quot;نظام ديمقراطي علماني يحترم معتقدات الشعب ومذاهبهquot;، لذلك قام زعيم الحركة عبد الملك ريغي بالإعلان عن تغيير اسمها من جند الله إلى quot;حركة المقاومة الشعبيةquot;، حيث يقول ريغي: إن quot;نضالنا لا يعتمد على العمل العسكري فحسب، فلنا مطالبنا وحقوقناquot;، مشيراً إلى أن نهجه يعارض الأطروحات الراديكالية، سنية كانت أم شيعية.. إلا أن جند الله تؤكد في الوقت نفسه أنها لا تريد حكومة تعادي الدين.

تنشط الحركة المسلحة في مثلث حدودي ساخن حيث تتخذ من جبال quot;بلوشستانquot; مأوى لها، ولعل وعورة الجبال التي تتحصن بها هو سر قوتها وقدرتها على الاستمرار في مناهضة الدولة القوية، حيث تضم الحركة أكثر من 1000 مقاتل، ومنذ تأسيسها لم تتوقف الجماعة عن تنفيذ الهجمات وشن عمليات الاختطاف التي تستهدف جنودا حكوميين وعناصر في الحرث الثوري وقوات الباسيج، مستفيدة من أسر الجنود لتفاوض الحكومة على إطلاقهم فتحصل على فدية مادية، وأحيانًا على بنادق وأدوات حربية.

تنظر طهران إلى جند الله باعتبارها quot;فئة باغيةquot; أو جماعة متمردة، وتصنف أميرها عبد المالك ريغي وهو في العقد الرابع من عمره بالمطلوب الأول المحكوم عليه بالإعدام quot;لتورّطه في عمليات خطف وقتل جنود، وتشكيل جماعة مسلحة تناهض الجمهورية الإسلاميةquot;، متخذة من الأراضي الباكستانية خلفية لها، وهو ما تنفيه جند الله مستندة إلى قدرة الجبال الممتدة داخل الحدود الإيرانية على توفير الحماية الكاملة لعناصرها، حيث يقول ريغي في تصريحات صحفية: quot;لسنا بحاجة إلى المجيء إلى باكستان، معظم مراكزنا العسكرية ورجالنا هم داخل إيران، فبحمد الله عز وجل جبال بلوشستان حرة طليقة حتى الآنquot;، فلا يستطيع الجيش الإيراني أن يقوم بمناوشات عسكرية هناك.

ومن بين أبرز العمليات التي نفذتها جند الله، الهجوم الذي استهدف (الخميس rlm;28/5/2009) تجمعا للحرس الثوري وقوات الباسيج داخل حسينية في مدينة زاهدان. ثم قيامها في ديسمبر 2005 باختطاف تسعة جنود قرب مدينة (زاهدان)، فأفرجت عن ثمانية منهم بينما قتلت التاسع، وهو ضابط مخابرات يدعى quot;شهاب منصوريquot;، ونشرت شريطًا مصورًّا لتنفيذ حكم الإعدام ضده، وفي مارس 2006 قتلت الجماعة 26، وأصابت 12 من quot;الحرس الثوريquot; كانوا يعبرون في سيارات على مقربة من الحدود مع باكستان، كما تبنت quot;جند اللهquot; عملية تفجير حافلة أدت إلى مقتل 11 من عناصر الحرس الثوري الإيراني وإصابة 31 آخرين.

وكان من أبرز ما تبنته في الآونة الأخيرة، عملية الكمين الذي نصبته لقافلة حكومية في منتصف شهر مارس الماضي على طريق (تاسوكي) الواصل بين مدينة زاهدان مركز الإقليم ومدينة زابل ثاني أكبر مدن بلوشستان، وقد أسفر عن مقتل حاكم مدينة زهدان واثنين وعشرين شخصا واحتجاز سبعة مسؤولين آخرين، وتؤكد الجماعة قدرتها على تنفيذ عمليات نوعية داخل العمق الإيراني وصولاً إلى العاصمة quot;طهرانquot;، حيث يقول عبد الملك ريغي: إن quot;معظم برنامجنا هو تدريب الشباب وإرسالهم إلى الداخلquot;.

وبعد تلك العملية طالبت إيران من باكستان القيام بخطوة جادة عملية ضد quot; جند الله quot; التي تتهمها إيران بأنها تعمل من التراب الباكستاني؛ إلا أن باكستان تنفي هذا الاتهام. وعلى الرغم من ذلك قامت القوى الحدودية بمداهمات وعمليات تفتيش في المناطق الحدودية وتمكنت من اعتقال بعض العناصر من جند الله حسب التصريحات الرسمية وبينهم أخ لعبد المالك ريغي وقامت بتسليمهم إلى إيران.

كما وأن quot;جند اللهquot; تمثل إحدى حركات المقاومة البلوشية وينتمي معظم قادتها وعناصرها إلى الشعب البلوشي، فمن الجدير بالذكر الإشارة إلى خلفية البلوش كعرقية لها خصائصها التي تميزها عن غيرها من باقي العرقيات، فقد ظل إقليم quot;بلوشستانquot; محتفظًا بوحدة رقعته الجغرافية خلال القرون الماضية حتى تم تقسيمه بين إيران وباكستان وأفغانستان بعد الغزو البريطاني.. مما أدى إلى نشوء بلوشستان إيرانية، وبلوشستان باكستانية، وبلوشستان أفغانية، إلا أن السكان البلوش ظلوا في المناطق الثلاث متمسكين بوحدة انتمائهم العرقي، إضافة إلى اللغة البلوشية، والانتماء إلى الإسلام السُّني.. ومن ثم نشطت الحركات البلوشية مطالبة بفصل بلوشستان عن البلاد التي توزعت بينها (إيران وأفغانستان وباكستان) لإقامة دولتهم الموحدة.

من جهة أخرى قام وفد إيراني بقيادة وزير الداخلية الإيراني مصطفى نجار إلى باكستان وأجرى محادثات مع نظيره الباكستاني عبد الرحمن ملك يوم الجمعة الفائت وقد بحث معه موضوع جند الله وطالب بتسليم عبد المالك ريغي إلى إيران. ومع تأكيد كل الدعم للسلطات الإيرانية في سبيل مكافحة الإرهاب، أوضع ملك أن عبد المالك ريغي ليس في باكستان بل إنه في أفغانستان، مشيرا إذا تستطيع باكستان أن تقوم بتسليم أخيه إلى إيران، فما ذا يمنعه من ترحيله إلى إيران؟ بيد أنه أكد تواجد اثنين من الإرهابيين رهن الأجهزة الأمنية إلا أنه استدرك بأنه لم يتم التأكد من جنسيتهما بعد.

كما وأن الناطق باسم الخارجية الباكستانية عبد الباسط أكد أن باكستان لا تستطيع أن تراهن على علاقاتها مع إيران بسبب جند الله، مشيرا إلى أن باكستان ستتعاون مع إيران لمكافحة الإرهاب.

وقد أشارت افتتاحيات بعض الصحف الباكستانية إلى أنه يجب على إيران ترتيب بيتها قبل توجيه الاتهامات إلى باكستان، مؤكدة أن العديد من المجرمين الشيعة الضالعين في اغتيال بعض كبار العلماء السنة في باكستان يعيشون في إيران؛ إلا أن باكستان لم تطالب بتسليمهم إليها بسبب رعايتها للعلاقات بين البلدين. وأشارت إلى أن العمليات الإرهابية في إقليم بلوشستان الإيراني نتيجة الاضطهاد الذي يتعرض له السنة هناك.

ومن المثير أن إيران قامت بتسليم خسمة جثث لمواطنين باكستانيين إلى باكستان يوم أمس الجمعة على حدود تافتان وزعمت أنهم قتلوا في الهجوم الانتحاري على قادة الحرس الثوري؛ إلا أن الأجهزة الأمنية الباكستانية أفادت بأنه لم يوجد أي أثر للإصابات على تلك الجثث.

وقد أدان جميع المحللين والزعامات السياسية ذلك الهجوم في حين دعا زعيم المعارضة في الجمعية الوطنية شودري نثار علي خان الحكومة إلى التعاون مع إيران في جلب الجناة إلى العدالة، إضافة إلى توجيه انتقادات لاذعة إلى الحكومة مشيرا إلى سياساتها الفاشلة التي أدت إلى استعداء أقرب أصدقاء باكستان عليها.