بعد أن حل الملك عبد الله برلمانا منتخبا عقب مرور نصف دورته يرجح أن يحجم عن اجراء اصلاحات سياسية حقيقية.

عمان:لم يثر الحل المفاجيء الشهر الماضي للبرلمان البالغ عدد أعضائه 110 غضبا يذكر وربما يعكس هذا شعورا منتشرا بين الجماهير على نطاق واسع بارتكاب مخالفات في انتخابات عام 2007 التي أفرزت هذا المجلس. ولم يفسر الملك (47 عاما) الذي تولى العرش عام 1999 لماذا حل البرلمان. غير أن بعض الاقتصاديين يشيرون الى أنه تم حل المجلس حتى يتسنى للحكومة تمرير ميزانية تقشف لكبح جماح الانفاق الذي خرج عن نطاق السيطرة وسن قوانين لتعزيز الاستثمار بمرسوم. ولا يتوقع الكثير من دعاة الاصلاح حدوث تغيير جذري.

ويقول طاهر كنعان النائب السابق لرئيس الوزراء quot;في الاعوام الاخيرة أصبحت التغييرات في البرلمان او مجلس الوزراء مجرد جزء من صناعة الترفيه بالاردن.quot; كان الملك طلب من الحكومة صياغة قانون انتخابي جديد قبل الانتخابات التي ستكون quot;نموذجا للشفافية والعدالةquot; وهو اعتراف ضمني بهشاشة الانتخابات الاخيرة التي كان معظم الفائزين بها من الموالين من القبائل ورجال الاعمال. والبرلمان الذي رفض مشروع قانون لاصلاح الضرائب في اغسطس اب وسعى الى زيادة الضرائب على قطاعات البنوك والتعدين والاتصالات ربما يكون عرقل ميزانية تهدف الى خفض العجز الى 3.9 في المئة من اجمالي الناتج المحلي في عام 2010 عن نسبته البالغة 3 ر7 بالمئة.

ويواجه سكان الاردن البالغ تعدادهم ستة ملايين نسمة اقتصادا منكمشا بعد ازدهار دام عدة سنوات أذكاه تدفق الاستثمارات الاجنبية وتحويلات الاموال من الاردنيين الذين يعملون بمنطقة الخليج العربية. وأغرت أوقات اليسر الحكومة بالانفاق بحرية. وقال ميشيل مارتو وزير المالية السابق ورئيس مجلس ادارة بنك الاسكان للتجارة والتمويل quot;الان أدركوا أنهم لا يستطيعون الاستمرار على هذا النهج وأن هذا يزعزع استقرار الاقتصاد بكامله.quot; ومن المتوقع أن يصل الدين العام الى رقم قياسي يبلغ 14 مليار دولار هذا العام مقتربا من السقف القانوني ونسبته 60 في المئة من اجمالي الناتج المحلي حيث يقلل الكساد من الدخل المحلي والمساعدات الخارجية. ونسبة البطالة 13 في المئة تقريبا. غير أن مارتو قال ان الاقتصاد في حالة أفضل كثيرا مما كان عليه عام 1989 حين وصل الدين الى ما بين 180 و200 في المئة من اجمالي الناتج المحلي وانهار الدينار.

وكانت هذه الازمة قد أسفرت عن أعمال شغب دفعت الملك حسين العاهل الاردني الراحل الى اعادة البرلمان وإلغاء حالة الطواريء التي فرضت منذ عام 1967. وفاز الاسلاميون بأربعة وثلاثين مقعدا من جملة 80 مقعدا في انتخابات عام 1989 التي خاضها المرشحون وسط موجة من الجدل السياسي. وضمن تطبيق نظام جديد للاقتراع عام 1993 بالتزامن مع مناطق انتخابية قسمت بعناية الا يتكرر نجاحهم ابدا. ومال التمثيل نحو الدوائر الانتخابية الريفية القبلية المؤيدة للملكية وبعيدا عن المدن التي يغلب على سكانها الفلسطينيون حيث المشاعر الاسلامية قوية.

وظل هذا الانحياز قائما ويرجع ذلك جزئيا الى خشية المعارضة لمعاهدة السلام التي أبرمها الاردن مع اسرائيل عام 1994 وتحالف المملكة الوثيق مع الولايات المتحدة. وقال كنعان النائب السابق لرئيس الوزراء quot;أسفرت بارانويا الاسلام السياسي عن انتكاسة للديمقراطية لعل من امثلتها القانون الانتخابي المثير للانقسامات والذي يجعل المنافسة السياسية قائمة على المشاعر القبلية وليس البرامج السياسية.quot; ولم يفز الاسلاميون سوى بستة مقاعد في انتخابات عام 2007 بعد أن كانوا فازوا بسبعة عشر مقعدا عام 2003 في تراجع يقول بعض المحللين انه يعكس فقد شعبيتهم وليس المعوقات التي ينطوي عليها النظام الانتخابي فحسب.

ووصف ليث شبيلات وهو اسلامي معتدل الاردن بالدولة البوليسية التي لا يسمح فيها بوجود معارضة حقيقية. وقال quot;انا اسلامي لكن لم يسبق قط أن كان لي برنامج يتصل بالدين ولكن كان لي برنامج يطالب بالحريات والديمقراطيةquot; متهما الغرب بالرياء في دعمه quot;دكتاتورية.quot; وأضاف شبيلات الذي سجن عدة مرات أن خمسة رجال اعتدوا عليه بالضرب في اكتوبر تشرين الاول بعد أن انتقد الملك.

وأمام الحكومة أربعة أشهر لتحديد موعد انتخابات جديدة لكن ساسة يقولون ان الدستور يسمح للملك بارجائها. واستبعد نواف التل المسؤول بوزارة الخارجية الذي يرأس مركز الدراسات الاستراتيجية بجامعة الاردن اتخاذ خطوات جريئة نحو الديمقراطية ما دام الصراع بالشرق الاوسط محتدما. وقالquot;لا يمكن تدشين اصلاح سياسي مؤسسي على مسار مستديم ومتين ما لم يتحقق تقدم حقيقي على الارض على صعيد القضية الفلسطينية.quot; وربما يمثل الثقل العددي للفلسطينيين في الاردن ومستقبلهم المحاط بالشكوك مشاكل حساسة لكن الدول العربية كثيرا ما استغلت الصراع كذريعة لارجاء الاصلاح السياسي.

ويدفع العنف في لبنان والعراق والاراضي الفلسطينية الاردنيين الى التفكير مرتين قبل المناداة بالتغيير. وهناك الكثير من المتعاطفين مع الجماعات المناهضة لاسرائيل مثل حركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية (حماس) وحزب الله البناني لكن التفجيرات الانتحارية التي استهدف بها تنظيم القاعدة ثلاثة فنادق في عمان عام 2007 عززت المخاوف من انتشار أعمال العنف في المملكة. وقال التل quot;الان يقدر الرأي العام الامن ولم يعد يأخذه كأمر مسلم به.quot; واذا كانت قيمة الاستقرار بالنسبة للاردنيين اكبر من قيمة الديمقراطية فربما لا يكون هناك حافز يذكر يشجع الملك عبد الله على الترويج لاصلاحات موجعة او مواجهة مؤسسة راسخة متحفظة تجاه التحديث الذي قد يزعج شبكات المحسوبية الخاصة بها. وقال رامي خوري المحلل الذي يتخذ من بيروت مقرا له quot;حين تلقي نظرة على أنحاء العالم العربي (تجد أنه) ليس هناك الكثير من المجتمعات الهادئة المستقرة. quot;الاردن نموذج ناجح شئنا ام أبينا