واشنطن: انتهز الرئيس أوباما فرصة لقائه بالشباب والطلاب في تركيا، ليواصل التّـأكيد على التِـزامه الشخصي وقناعتِـه الذاتية، بأن الحل الوحيد للصِّـراع الفلسطيني الإسرائيلي، هو تسوية مبنية على قيام دولة فلسطينية مستقلّـة تعيش في سلام جنْـبا إلى جنب مع إسرائيل.

وقال أوباما: quot;أعتقد أن السلام مُـمكن من خلال حلّ الدّولتينquot;، وأرى أن quot;تحقيق ذلك الهدف يتطلّـب تنازلات من الطرفين. فاستمرار الوضع الراهن لن يكون في مصلحة إسرائيل، لأنه لو استمر التزايد في مشاعر العداء لها مع تزايد عدد سكان الدول المحيطة بها، سيتقلّـص أمن إسرائيل بمرور الزمن، كما أن الوضع الرّاهن للفلسطينيين غير قابل للاستمرار أيضا، لأن اقتصاد بلادهم غير قادر على توفير فُـرص العمل وموارد الدخل اللازمة لتوفير مستويات أساسية لحياة المواطنين الفلسطينيينquot;.

ودعا الرئيس أوباما الإسرائيليين إلى النظر إلى الأوضاع من وجهة نظر الفلسطينيين ووضع أنفسهم في ظل الظروف التي يعيش فيها الشعب الفلسطيني، لكي يتسنّـى للجانبين الخروج من الطريق المسدود الذي يسيران فيه.

وقال أوباما إن إدارته تُـدرك ما هي التنازلات الضرورية من كلّ طرف، وكلّ ما نحتاجه الآن هو الإرادة السياسية والشجاعة من قيادات الطّـرفين ودور الولايات المتحدة، ليس هو إبلاغ الطرفين بما يتعيّـن عمله، وإنما القِـيام بدور الصديق للجانبين الذي يتولّـى مهمّـة الحث والتشجيع على المُـضي قُـدما بالحوار. ودعا أوباما الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي، إلى التحلّـي بروح التطلّـع إلى المستقبل، بدلا من العيش في ذِكريات الماضي.

وأقرّ الرئيس أوباما بأن الطريق إلى تسوية للصِّـراع الفلسطيني الإسرائيلي سيكون شاقا، خاصة وأنه مفروش بالكثير من عدَم الثِّـقة التي تراكَمت، والكثير من الغضب والكراهية، وسيتطلب الخلاص من تلك المشاعر قَـدْرا هائلا من الصّـبر، ولكنه قال إنه من واقِـع خِـبرة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط السناتور جورج ميتشل، عندما كان مبعوثا خاصا لإيرلندا الشمالية حيث قاتل البروتستانت الكاثوليك لعدّة قرون وتعمّـقت بين الجانبين نيران الكراهية والعداء، ولكن من خلال المُـثابرة والجُـهود الشجاعة التي بذلها زعماء الجانبين، تمكّـن الوسيط الأميركي من تسوية الصِّـراع الطويل الأمد، وهو مثال يُـعطينا الأمل في أن كل شيء ممكن، إذا كُـنا راغبين في العمل بجِـد من أجل تحقيقه.

ولم يكتف الرئيس أوباما بالتأكيد على التزامه بحلّ الدولتين، وإنما قرّر القيام بزيارة إلى الضفّـة الغربية وإسرائيل في مطلع شهر يونيو القادم لإظهار التزامه الفعلي بتحريك عملية السلام في اتِّـجاه حلٍّ ينطوي على إقامة دولة فلسطينية مستقلّـة قابلة للبقاء، تعيش في سلام مع إسرائيل.

ولكن يبدو أن بوادِر الخلاف مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة بدأت تتصاعد. فبعد أن ردّ الرئيس أوباما على تنكّـر وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد ليبرمان لفكرة حلّ الدولتين، بأن أكد أوباما أن ذلك الحلّ أصبح السياسة الرسمية للولايات المتحدة بالنسبة لحلّ الصراع، سارع وزير حماية البيئة الإسرائيلي جلعاد أردان إلى التأكيد على أن إسرائيل quot;لا تتلقّـى أوامر من أحد، حتى لو كان أوباما، لأن إسرائيل لن تتحوّل إلى الولاية الحادية والخمسينquot;، على حد قوله.

وجهة نظر واقعية لمدير سابق لمنظمة أيباك

تم التوجهإلى السيد توماس داين، المدير التنفيذي السابق للّـوبي الإسرائيلي، المعروف باسم quot;إيباكquot;، لمعرفة تقييمه لمدى رغبة الرئيس أوباما في تحويل كلماته الطيِّـبة عن اعتزامه العمل بجِـد ونشاط، للتوصّـل إلى تسوية للصِّـراع الفلسطيني الإسرائيلي فقال: quot;أفضَـل ما فعله الرئيس أوباما فيما يتعلق بالصِّـراع الفلسطيني الإسرائيلي، هو التحديد المبكّـر والواضح لهدفِـه، المتمثل في حلٍّ يستند إلى إقامة دولة فلسطينية تعيش في سلام جنْـبا إلى جنب بجوار دولة إسرائيل وإعادة التأكيد على هذا الهدف كلّـما سنحت له الفرصة، مثلما فعل في أثناء زيارته لتركياquot;.

لكن توماس داين أقر بأنه رغم وضوح ذلك الهدف، فإن أوباما يُـدرك أن هناك الكثير من المشاكِـل التي تُـحيط بعملية التفاوض حول حلّ الدولتين. فالإسرائيليون يُـعانون من تزايُـدٍ في عدم الثِّـقة بأن المفاوضات ستجلُـب لهم الأمن بالنّـظر إلى استمرار أعمال العنف، وعلى الجانب الآخر، يتعمّـق الشعور بين الفلسطينيين بعدَم الثقة في إمكانيات السلام مع إسرائيل، في ضوء استمرار الاحتلال وتملّـص إسرائيل من الالتزام بإقامة السلام مع الفلسطينيين.

وأضاف المدير التنفيذي السابق للّـوبي الإسرائيلي أن رؤية الرئيس أوباما لكيفية تسوية الصِّـراع الفلسطيني الإسرائيلي تواجه صعوبة أخرى يعكِـسها الانقسام السياسي الذي عكسته نتائج الانتخابات الإسرائيلية من جهة، والشرخ الذي أصاب الوِحدة الفلسطينية بين فتح من ناحية وحماس والجماعات الفلسطينية الأخرى الرافضة لفكرة التسوية السلمية مع إسرائيل.

ويرى السيد توماس داين أنه رغم التصريحات النارية الرافضة لفِـكرة حلّ الدولتين، التي يطلقها الوزراء الإسرائيليون في الحكومة الإسرائيلية الجديدة، فإن بنيامين نتانياهو يُـدرك تماما أنه من مصلحة إسرائيل مواصلة التّـعامل مع الولايات المتحدة، التي أعلن رئيسها بما لا يَـدعُ مجالاً للشكّ، أنه عاقِـدٌ العزمَ على تحقيق حلّ الدولتين، الذي سينطوي على تقديم الجانبيْـن إلى تنازلات والقبول بحلول وسط.

وأكّـد السيد داين أن الرئيس أوباما يُـدرك تماما أيضا أنه لكي يُـمكن التوصّـل إلى تسوية، فلابد من مشاركة حماس في التوصّـل إلى حلّ، بدلا من أن تُـصبح جزءا من المشكلة التي تحُـول دون التوصّـل إلى تسوية.

ولدى سؤال المدير التنفيذي السابق للّـوبي الإسرائيلي عمّـا يقصده الرئيس أوباما بحلّ الدولتين فيما تتآكل الأرض الفلسطينية تحت وطأة الاستيطان، قال: quot;سيؤكِّـد الرئيس أوباما بشكل حاسـِم لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو، أن عهد التوسّـع الاستيطاني قد انتهى، وسيذكِّـره بقناعة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط السناتور جورج ميتشل الخاصة بأنه يتعيّـن على إسرائيل أن تختار بين كفّـتين: المستوطنات في جهة، وتحقيق الأمن لإسرائيل في الكفة الأخرى، وبالتالي، سيتعيّـن على إسرائيل وقْـف بناء المستوطنات أو توسيعها، وفي المقابل، سيتعيّـن على الفلسطينيين وقْـف أعمال العُـنفquot;

هل يجرُؤ أوباما على ممارسة الضغط؟

يُـجيب السيد توماس داين بقوله، إن التعريف العِـلمي للضغط، بحسب دراسات العلوم السياسية، هو أن يقوم الطّـرف الضاغط بحثّ طرف آخر على عمل أشياء لم يكُـن راغبا في القيام بها، ولذلك، سيمكن للرئيس أوباما أن يُـمارس ذلك التعريف، دون أن يكون ذلك علنِـيا أو استفزازيا، وسيُـدرك الإسرائيليون في نهاية المطاف، أن من مصلحتهم في المدى القصير والمدى البعيد، وتحقيقا لهدف العيْـش في أمن وسلام مع جيرانهم، أن يدخلوا في تسوية تُـنهي الصراع وتسمح بقيام دولة فلسطينية مستقلّـة، قابلة للبقاء والعيش في سلام مع إسرائيل.

أما السيد فين ويبر، العضو السابق في مجلس النواب الأميركي والرئيس الحالي للمؤسسة القومية الأميركية من أجل الديمقراطية، فقال لسويس إنفو: quot;ليس مهمّـا أن إسرائيل انتخبت حكومة ليست ملتزمة بحلّ الدولتين، لأنه أصبح السياسة الرسمية للولايات المتحدة، بل وأصبح التزاما شخصيا للرئيس أوباما، إذ لن يستطيع أحد أن يحُـول دون إدارة الرئيس أوباما وتحقيق التسوية المستندة إلى حلّ الدولتين كحل وحيد للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولكن ذلك لا يقتضي بالضرورة ممارسة ضغوط أميركية قد تُـسفر عن آثار عكسية لما يُـراد تحقيقه، ولذلك، لا أنصح بممارسة ضغط علَـني، وإنما استخدام الطُّـرق الدبلوماسية في حثّ الطرفين من وراء الكواليس على المُـضي قُـدُما في التفاوض وتقديم تنازلات متبادلة والقبول بحلول وسطquot;.

غير أن السيد جيرامي بن عامي، رئيس منظمة quot;جيه ستريتquot;، التي تضم اليهود الأميركيين وغيرهم من أنصار السلام، يؤكد أن غالبية اليهود الأميركيين لا يُـمانعون في أن يستخدِم الرئيس أوباما الضّـغط من أجل التوصّـل إلى تسوية سِـلمية للصِّـراع الفلسطيني الإسرائيلي، باعتبار أن تلك التسوية تخدِم المصالح القومية الأميركية وتوفِّـر الأمن لإسرائيل.