مصادرة صحف وعقوبات سالبة للحريات وقوانين غير مقنعة
حرية الصحافة في مصر تدخل نفقا مظلما

محمد حميدة من القاهرة: بالرغم من مطالبة الرئيس مبارك بإلغاء العقوبات السالبة للحريات, إلا أن حرية الصحافة في مصر تسير في اتجاها غامضا , فلا تزال الأحكام تتوالى بقسوة على الصحفيين , ومصادرة الصحف وإغلاقها على قدم وساق , ويمارس العاملين بمهنة المتاعب أعمالهم في بيئة مليئة بالصعاب , وتلاحقهم قوانين غامضة وغير مقنعة. وباستثناء جريدة البديل اليومية التى قررت التوقف عن الصدور بسبب الأزمة المالية العالمية , شهد الأسبوع الماضي قرارا قضائيا بإلغاء ترخيص إحدى أهم المجلات المصرية والعربية، ومصادرة إدارة الرقابة للمطبوعات لجريدة اخرى .

وقد أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها بإلغاء ترخيص مجلة إبداع - التي تصدرها الدولة عبر وزارة الثقافة - ، بسبب نشر المجلة لقصيدة شعر بعنوان quot;شرفة ليلى مرادquot;، أثارت جدلا بين المثقفين وبعض رجال الدين بسبب quot;الإساءة للذات الإلهيةquot;, ورأت الجماعة الحقوقية إلغاء ترخيص المجلة يعد تراجعا شديدا لحريات الإبداع والنشر في مصر , ويفتح الباب أمام دعاة الكراهية أصحاب ثقافة المصادرة لممارسة مزيدا من الضغوط على حرية الإبداع ؛ وسوف ينعكس سلبا على منظومة الفكر والإبداع في مصر.

وقد صادرت إدارة الرقابة على المطبوعات الأجنبية العدد الثامن من quot;شارع الصحافةquot; ، بسبب ملف عن توريث الحكم في مصر،والغريب ان هذه الجريدة تصدر بترخيص اجنبى وتعيد نشر الموضوعات التى تنشر بالصحف المحلية ,مما يعنى ان هذا الملف سمح له بالنشر في الجريدة الأصلية .

البديل واهتمام حقوقي

أما جريدة البديل اليومية لسان اليسار المصري, فقد قررت الجمعية العمومية إيقاف الجريدة مؤقتا على ان تعود أسبوعية في وقت لاحق الشهر القادم, بدعوى إيقاف نزيف الخسائر في ظل الأزمة المالية التى حرمت الجريدة من مقومات البقاء والاستمرار . قرار إيقاف البديل اثار صدمة في الشارع الصحفي ومخاوف من تساقط صحف اخرى في فخ الإيقاف او الإغلاق بسبب الأزمة المالية التى أثرت بالسلب على غيا الاعلان . وقد حدا القرار بمؤسسات وجمعيات حقوقية مصرية الى الدعوة لعقد اجتماعات للتشاور بشأن مستقبل الجريدة و بحث سبل دعم أمكانية استمرارها . ودعت quot;لجنة إنقاذ البديل quot; في بيان حمل عنوان quot;من أجل أن تصبح جريدة البديل جريدة شعبية .. دعوة للمشاركة ملكية جريدة البديلquot; الجمهور للمساهمة في تنمية رأس مال الشركة وفقا للقدرات المالية لكل شخص. بألف جنيه للسهم ، او دعم الجريدة بواسطة المبادرة للاشتراك السنوي وتوسيع قاعدة الملكية لكي تكون بحق شركة شعبية.

توقف هذه الصحف في اسبوع واحد أثار قلق المعنيون بحقوق التعبير في مصر , لدرجة ان أطلقت عليه الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان quot;الأسبوع الأسود للصحافة المصريةquot; وقالت في بيان لها إن quot;الكارثة ليست فقط في توقف ثلاثة إصدارات هامة عن الصدور، ولكن أن يصبح الأمر وكأنه أمر عادى وطبيعي، نحن لا نعتبره كذلك، إنها ضربة قاسية بالفعل لحرية الصحافة وحرية التعبير في مصر، ولكل المهتمين بهذه الحريات في العالمquot; . وأضافت الشبكة العربية أن quot;الخسائر التى تتحملها الحكومة عن إحدى جرائدها مثل جريدة روز اليوسف في يوم واحد، كانت تكفي لميزانية شهر كامل لجريدة البديل، لكن البديل تعبر عن فئات وشريحة واسعة من المواطنين، بعكس روزاليوسف التى تعبر عن لجنة السياسات بالحزب الوطنى الحاكم، هذه هى القضية، ولتذهب حرية الصحافة والنشر إلى الجحيمquot;.

قوانين غير مقنعة

ورغم وعد الرئيس مبارك الذي قطعه في وقت سابق، في محاولة لامتصاص غضب الصحفيين بإلغاء المادة المتعلقة بالحبس في جرائم الطعن في الذمة المالية الواردة بمشروع قانون تعديل العقوبات في جرائم النشر على ان يتم مضاعفة العقوبة المادية لتصل إلى 40 ألف جنيه كحد أقصى لعقوبة القذف, إلا ان القانون المعدل لا يزال غير مقنعا للصحفيين .

يقول ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان انquot; مسلسل إحالة الصحفيين الى المحاكمات الجنائية لا يزال مستمرا , وحظر النشر في القضايا لم يتوقف , كما ان التعديلات التشريعية التي أدخلت مؤخرا على البنية التشريعية المصري لم تؤتي بثمارها حتى الآن حيث أن تلك التعديلات و إن كانت ألغت العقوبات السالبة للحرية فيما يخص قضايا السب و القذف بسبب النشر إلا إنها غلظت العقوبات المالية و هو الأمر الذي لا يقل خطورة عن العقوبة السالبة للحرية حيث آن تلك الغرامات المالية من شأنها أن تؤدي إلى إغلاق صحف أو منع الصحفيين من الكتابةquot; .

37 قضية وأحكام قاسية

ويشير أخر بيان لمرصد حرية الرأى والتعبير التابع للملتقى ان عدد القضايا المتداولة ضد صحفيين منذ 1يناير 2009 الى الان حوالي (37) قضية , و تعتمد منهجية التقرير على رصد كافة الانتهاكات والإحداث المعنية بحرية الصحافة خلال فتره زمنية محددة . ورصد التقرير عدد (28 ) دعوى قضائية تم تحريكها ضد (13 ) صحيفة مصرية , انتهت ثمان قضايا منها بالبراءة لقضيتين وقضيتين بالحبس و 4 دعاوى انتهت بفرض غرامات مالية .

وأكدت المؤشرات النهائية لأعمال التقرير على أن الصحف الخاصة هي أكثر الصحف المصرية تعرضا للملاحقة القضائية في مجال قضايا النشر حيث رصد التقرير تحريك دعاوى قضائية ضد ثمان من الصحف الخاصة بينما حلت الصحافة الحزبية في المركز الثاني بعدد ثلاث صحف و جاءت الصحافة القومية في المرتبة الثالثة بجريدتين فقط لا غير . والصحافة اليومية هي الأكثر تعرضا للمسائلة القانونية و الملاحقة القضائية عن مثيلتها الأسبوعية و لكن ما لم يكن منطقيا ان يكون الفارق ما بين كل منهما ضئيلا للغاية فقط جاءت الصحافة اليومية في المقدمة 54% و حلت الأسبوعية تالية لها بنسبة 46%.

وعلى الرغم من تراجع نسبة الأحكام السالبة للحرية أمام الأحكام الصادرة بالغرامات المالية و على الرغم من أن هذا الأمر يعد مؤشرا ايجابيا إلا انه لا يعبر عن تطور حقيقي لضمانة حرية الرأي و التعبير في مصر حيث بلغت نسبة الأحكام السالبة للحرية 29% من إجمالي الأحكام التي رصدها التقرير و جاءت الأحكام الصادرة بالغرامة بنسبة 57% بينما جاءت الأحكام الصادرة بالبراءة بنسبة 14% من إجمالي الأحكام التي رصدها التقرير خلال الفترة من 1 يناير 2009 و حتى 31 مارس من ذات العام .

والملاحظ أن الأحكام الصادرة بالغرامة المالية هي أحكام قاسية و مغلظة و قد وصل مجموع الغرامات المالية إلى 220 ألف جنيها وهو الأمر الذي يمثل عبئا ثقيلا على الصحافة المصرية وخطر يهدد حرية التعبير في مصر. و قد رصد التقرير مثول عدد 57 صحفي امام القضاء المصري متهمين في عدد 28 دعوى قضائية خلال الفترة من 1 يناير و حتى 31 مارس 2009 م .و قد سجلت نسب الدعاوى المرفوعة من قبل صحفيين على صحف بدعوى السب و القذف (26 % ) من إجمالي الدعاوى التى رصدتها المؤسسة و جاء في المرتبة الثانية حزبين و اعضاء بالبرلمان بنسبة ( 26%) و قد حل في المرتبة الثالثة الشخصيات العامة بذات النسبة ( 26 %) من اجمالي الدعاوى التى تم تحريكها ضد الصحافة المصرية؛ في حين رصد التقرير ان المواطن المصرى كان الأكثر تسامحا في عد اقامة دعاوى بحق الصحفيين سواء أمام المحاكم الجنائية او المدنية.

مصاعب وبلطجة

علاوة على ذلك quot;القوانين المعدلة لم تقر بعد حرية تداول المعلومات التى قد تنأى الصحفي عن مثل هذه الإشكاليات القضائية , كما لم توفر أيضا له الحماية من ظاهرة البلطجة quot; كما يقول الصحفيين , سواء من قبل رجال الأمن او الخارجين عن القانون المدفوعين من الحزب الحاكم لمهاجمة الصحفيين أثناء قيامهم بتغطية الاحتجاجات المناهضة للحكومة كما حدث في الانتخابات البرلمانية والمظاهرات التضامنية مع القضاة ، وقال صحفيون في مقابلات إنهم تعرضوا للكم والركل والصفع كما تعرضت صحفيات للتحرش الجنسي .

واضافة الى المصاعب التى تواجه صحفيو مصر وتعوقهم عن اداء عملهم التهديد بشكل مباشر على شكل تحذير رسمي من وزارة الداخلية للصحفيين بعدم التواجد في أماكن التظاهر أحياناً إلا بتصريح خاص لا يعطى لكل الصحفيين، أو على شكل تهديد مباشر من رجال الأمن في موقع المظاهرة أحيانا بشكل مهذب وغالبا بعنف وتهديد بالاعتقال. وأكثر من يتعرضون للاعتداء هم المصورين، وقد نظم هؤلاء مظاهرة احتجاجية مؤخرا على سلم نقابة الصحفيين احتجاجا على تعرضهم لمعاملات قاسية من رجال الأمن ومصادرة كاميراتهم .

تراجع واسباب

حرية الصحافة والتعبير تعيش أسوأ فتراتها الآن في مصر كان ذلك هو ما انتهى اليه المؤتمر الذى نظمته لجنة الشؤون العربية بنقابة الصحفيين الأول بمناسبة مرور 100 عام على خروج أول مظاهرة تنادى بحرية الصحافة .وقال جمال فهمى، عضو مجلس نقابة الصحفيين: quot;حرية الصحافة هى تاج على رأس الوطن ككلquot;, مضيفا ان quot;الحرية التى تتمتع بها الصحف الخاصة والمستقلة الآن، ليست هبة من النظام الحاكم، ولكنها حق انتزعه هؤلاء الصحفيون بأنفسهم، وسط كل هذه الغابة من القوانين التى تجرم حرية التعبيرquot;.

ومن جانبه، أكد الشاعر والكاتب بهاء جاهين quot;ان حرية الصحافة تعانى الآن من تراجع شديد، مقارنة بما كانت عليه في فترة ما قبل الثورة وقت الاحتلال الأجنبى لمصرquot;، واستشهد جاهين quot;بسهولة إصدار صحف في هذه الفترة، مقارنة بالوقت الحالي الذى يعد فيه إصدار صحيفة مستقلة إنجازا كبيراً، وسط كل هذه القوانين التى تقيد الحريات والمطبوعاتquot;.

وأكد جمال عيد، رئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، أن هناك مساحة تراجع ملحوظة في حرية الصحافة المصرية منذ عام 2003، وشهد هذا التراجع قمته عام 2007، بسبب محاكمة عدد كبير من المدونين والصحفيين، وقال: quot;قمع حرية التعبير الآن، أكبر مما كان عليه وقت الاحتلال البريطانى، والنظام يعمل جاهدا على جعل قضية حرية الصحافة قضية شخصية بالصحفيينquot;.

وقد إعتبر حقوقيون ونشطاء حقوق الانسان أن تراجع ترتيب مصر في التصنيف العالمي لحرية الصحافة الصادر عن منظمة laquo;مراسلون بلا حدودraquo; وحصولها علي المرتبة 156 من إجمالي 173 دولة يدلل على المناخ المناهض لحرية الصحافة في مصر، مؤكدين أن أسباب هذا التراجع يعود إلي كم القضايا المرفوعة ضد الصحافيين واستمرار الحبس بقضايا النشر إضافة لكون مصر من الدول القليلة جداً في العالم التي تفتقد لقانون حرية تداول المعلومات مع تفشي ظاهرة جديدة وهي قضايا الحسبة التي يرفعها محامو الحسبة ضد العديد من الصحافيين لإثبات ولائهم للنظام الحاكم.