المستقيلون يتبنّون خطًا سياسيًّا يتعارض مع توجّهات الحزب
استقالة عدد من كوادر ابرز حزب معارض في تونس

إسماعيل دبارة من تونس: أكدت مصادر قيادية بالحزب الديمقراطي التقدمي المعارض نبأ استقالة 27 من منخرطي الحزب. وقدّم 27 من أعضاء الحزب الديمقراطي التقدمي أبرز أحزاب المعارضة التونسية استقالتهم الثلاثاء بسبب ما سموه quot; عدم نجاعة التمشي السياسي السائد، وافتقاده للعناصر التي ترتقي به إلى الفعالية في الإصلاح السياسيquot;.

وذكر المستقيلون وهم مجموعة تحسب على تيار quot;الإسلاميون التقدميونquot; عبر نصّ اطلعت quot;إيلافquot; على نسخة منه:quot; إن المُوقّعات والمُوقعين على هذا النصّ، من قيادات الحزب الديمقراطي التقدمي وكوادره، الذين انتموا إلى هذا المشروع في فترات مختلفة، ومن تجارب متنوعة، لئن يعبرون عن اعتزازهم بمشاركتهم من مواقع متعددة في هذا المسار إفادة واستفادة، وتمسكهم بالمنطلقات التي تأسس عليها الحزب الديمقراطي التقدمي، في ضرورة توحيد الجهود وإعطاء الأولوية للبرنامج السياسي على الانتماءات الفكرية، فإنّهم إثر تداولهم في ما تردّت إليه الأمور بعد عشر سنوات ويقفون على عدم نجاعة التمشي السياسي السائد، وافتقاده للعناصر التي ترتقي به إلى الفعالية في الإصلاح السياسي، و يؤكدون قناعتهم بأهمية التوافق على رؤية سياسية من شأنها أن تُؤمن تحقيق الديمقراطية، وعدم الاكتفاء بالاتفاق على شرعية هذا المطلب وحيويتهquot;.

وقال محمد القوماني الأمين العام المساعد والعضو المستقيل بالمكتب السياسي للحزب الديمقراطي في تصريح لإيلاف: quot;وصلت الوضعية الداخلية للحزب إلى حالة من التأزم انعدم فيها التعايش الايجابي وإمكانيات العمل المثمر، وقد استخلصنا صعوبة تحقيق البناء الحزبي المؤسساتي والتعايش الديمقراطي، في تجربة يحتفظ فيها فريق بالأسبقية التاريخية والنفوذ في التنظيم، كما أننا نستبعد تصحيح المسار سياسيًا وتنظيميًا، بعد استنفاذ كل المحاولات في هذا الاتجاه، خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، والتي كانت آخرها الرسالة الموجهة من قبل خمسة أعضاء من المكتب السياسي إلى أعضاء اللجنة المركزية المنعقدة في دورة استثنائية مطلع الشهر الجاري، بما يؤكد عدم توفر إرادة في التجاوز والتطويرquot;.

وأعلن القوماني عزمه والمجموعة المستقيلة quot; مواصلة المساهمة في بلورة مشروع سياسي يعمل بجاذبية الديمقراطية ويدفع مسار الإصلاح ببلادنا في اتجاه تفعيل المواطنة وتجديد المؤسسات وتطوير أداء المعارضة والسلطة، بالبناء على المشترك وتوخي التدرج والنجاعة وتعزيز الثقة وطمأنة مختلف أطراف العملية السياسية، وتوسيع مجال المشاركة والمنافسة، بما يفضي إلى إشراق الحريات وتحقيق الانتقال الديمقراطي.quot;

من جهتها ذكرت الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي في تصريح خاص لإيلاف إنّها quot;تأسف لهذه الاستقالات انطلاقًا من حرص الحزب على احتضان الاختلاف وتحويله إلى مصدر ثراء فكري ونقاش سياسي يفسح المجال للحوار و يعمل وفق آليات الحسم الديمقراطيquot;.

وتتابع الجريبي وهي أول امرأة تتقلد منصب أمين عام لحزب سياسي في تونس:quot; سأتولى إحاطة الهياكل الحزبية علما بهذا الأمر وفق الصيغ التنظيمية المعمول بها و تتمنى أن يجد الأخوة المُنسحبون فضاءات أخرى للإسهام في عملية الإصلاح السياسي الذي اجتمعنا من أجله و الذي لازالت بلادنا في حاجة ماسة إليهquot;.

ويشهد الحزب الديمقراطي التقدّمي (يسار وسط) خلافات منذ انعقاد مؤتمره السادس في العام 2006 بعد ظهور تيار اقليّ يتزعمه محمد القوماني عضو المكتب السياسي.

ويدعو quot;القومانيquot; إلى إعادة النظر في العلاقة بين حزبه والحكم التي تقوم على القطيعة شبه التامة بسبب مواقف الحزب الديمقراطي quot;الرافضة للوصاية الحكومية والداعية إلى التسريع في نسق الإصلاح الديمقراطيquot;.

وقاد المُستقيل تيارا داخل quot;التقدّميquot; اختلف مع الأغلبية المتمسكة بلوائح المؤتمر الأخير ،كما شهدت العلاقة بين تياره وتلقيادة توترًا ملحوظًا خصوصًا منذ تصويت الأقلية ضدّ ترشّح الأستاذ احمد نجيب الشابي الأمين العام السابق للحزب للانتخابات الرئاسية 2009 خلال اللجنة المركزية التي انعقدت في شباط/فبراير 2008.

كما اشتدّ الخلاف بين قيادة الحزب و quot;القومانيquot; أثناء مشاركة الأخير في quot;مؤتمر الدوحة حول التنمية والديمقراطيةquot; أيام 13/14/15 أبريل من العام 2008 و الذي حضرته وزيرة الخارجية الإسرائيلية أنذاك تسيني ليفني، وتبرأ الحزب حينها من مشاركة القوماني و اعتبرها quot;شخصيةquot; ولا تعبر عن توجهات الحزب الرافضة للتطبيع مع إسرائيل و مساندة القضية الفلسطينية دون قيد أو شرط.و أحيل quot;القومانيquot; فيما بعد على لجنة النظام الداخلي التابعة للحزب التي وجّهت له لوما على مشاركته في المؤتمر المذكور.

ويرى متابعون أن استقالة محمد القوماني وعدد من المحسوبين على تياره داخل الحزب كانت شبه حتمية ، كونه يختلف جوهريا مع مقررات ولوائح الحزب التي انبثقت عن مؤتمره الأخير و تدفع ndash; في معظمها - نحو التمسك بمواقف مستقلة تجاه الحكومة وتدعو إلى تسريع نسق عملية الانتقال الديمقراطي ، في حين يدعو القوماني و تياره إلى تجنب quot;الخط الراديكاليquot; و إتباع سياسة التدرج و الاعتراف ببعض انجازات الحكومة الحالية و البناء على المشترك في العلاقة بين الحكم و المعارضة.

يذكر أن quot;الحزب الديمقراطي التقدميquot; يضم بين منخرطيه وقياداته شخصيات متعددة الانتماءات الإيديولوجية والفكرية كالإسلاميين التقدميين الذين ينتمي إليهم محمد القوماني وعددًا من أبرز وجوه اليسار التونسي، إضافة إلى مستقلين وقوميين وليبراليين.

ويرى محللون أن هذا التنوّع في المرجعيات الفكرية للحزب الذي كان يُسمى في السابق quot;التجمع الاشتراكي التقدميquot;، يُسبب اختلافات وتنوعًا في الرؤى والأطروحات السياسية ، لكن من الواضح أن الخلاف داخل quot;الديمقراطي التقدميquot; أساسه اختلاف سياسي بين طرحين مختلفين بشكل جوهريّ.

يُذكر أنّ الحزب الديمقراطي ساهم في العام 2005 في تأسيس quot;هيئة 18 أكتوبر للحقوق و الحريات quot;وهو تكتّل لقوى معارضة في تونس يضمّ أحزاب قانونية وغير قانونية ومستقلين بتوجهات ليبرالية وقومية و شيوعية، ولا تعترف السلطات التونسية بهذا الائتلاف و تعتبره غير قانونيّ وكثيرًا ما تُضيّق على نشاطاته و تعزل رموزه مما ساهم في إضعافه بشكل كبير.