واشنطن: يأتي المؤتمر السنوي للجنة العلاقات العامة الأميركية ـ الإسرائيلية (إيباك AIPAC)The American Israel Public Affairs Committee هذا العام الذي استمر ثلاثة أيام من 3 ـ 5 مايو الحالي، في وقت تشهد فيه العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية حالة من التوتر النادرة في علاقات واشنطن مع حليفتها الاستراتيجية بالمنطقة تل أبيب، لاسيما بعد تمخض الانتخابات الإسرائيلية منتصف فبراير الماضي عن حكومة يمينية متشددة ذات مقاربة للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي والتعامل مع إيران تختلف عن مقاربة إدارة باراك أوباما القائمة على حل الدولتين وإتباع النهج الدبلوماسي والحوار مع النظام الإيراني. وقد كان هذا الاختلاف جليًّا في كلمات مؤيدي إسرائيل بالمؤتمر وأعضاء الإدارة الأميركية. وانعكس هذا الاختلاف في تأجيل زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي quot;بنيامين نيتنياهوquot; أكثر من مرة لواشنطن وعدم حضوره المؤتمر السنوي لإيباك، ففي السابق كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يلقي كلمة بالمؤتمر وبعدها يلتقي بالإدارة الأميركية، وهو ما لا يحدث هذه المرة، ولكن اللقاء كان للرئيس الإسرائيلي وهو منصب شرفي أكثر منه سياسي.
ورغم الحملة القوية التي يتعرض لها اللوبي الإسرائيلي لاسيما إيباك ـ التي تعد أقوى جماعات اللوبي الإسرائيلي بواشنطن وواحدة من أقوى خمس جماعات ضغط في واشنطن ـ؛ لخطفها السياسة الأميركية لصالح إسرائيل ـ الحرب الأميركية في العراق (مارس 2003)، تجميد عملية السلام ونهج متشدد تجاه إيران ـ؛ مما أدى في التحليل الأخير للإضرار بالمصالح والأمن الأميركي، إلا أن هناك ما يقرب من 6500 مشارك بالمؤتمر، فضلاً عن نصف أعضاء مجلسي الكونجرس الأميركي، وعديدٌ من الأسماء اللامعة من السياسيين الأميركيين والإسرائيليين. فكان من بين حضور المؤتمر كبير موظفي البيت الأبيض quot;رام إيمانويلquot;، ووزيرة الخارجية السابقة ورئيسة حزب كاديما quot;تسيبي ليفنيquot;، وعدد من النشطاء السياسيين وطلاب وأساتذة الجامعات الأميركية، وأيضًا عدد من المنظمات الدينية المسيحية وناشطين أميركيين من أصل أفريقي مؤيدين لإسرائيل وممارساتها.
وقد تضمنت لائحة المتحدثين نائب الرئيس الأميركي quot;جوزيف بايدنquot;، الرئيس الإسرائيلي quot;شيمون بيريزquot;، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ السناتور quot;جون كيريquot;، رئيس مجلس النواب الأسبق quot;نيوت جينجريتش Newt Gingrichquot;، وعدد من كبار القادة في الكونجرس الأميركي. ورئيس الوزراء الإسرائيلي quot;بنيامين نيتنياهوquot; الذي ألقى كلمة خلال دائرة مغلقة.
أتى انعقاد المؤتمر بعد الإعلان عن إسقاط التهم عن اثنين من كبار مسئولي منظمة إيباك، هما ستيفن روزن Steve Rosen مدير السياسة الخارجية في المنظمة ومساعده كيث وايزمان Keith Weissman. فقد اتهما بالتجسس لصالح إسرائيل ونقل وثائق سرية. ففي عام 2005 وجهت لهما تهمة التآمر للحصول على معلومات سرية تتعلق بخطط الولايات المتحدة تجاه إيران والقوات الأميركية في العراق. واتهامهما بتميرر هذه المعلومات للحكومة الإسرائيلية وصحفيين.
إيران تتصدر المناقشات
سيطر على المؤتمر السنوي لإيباك هذا العام الطموح النووي الإيراني الذي يرى فيه مؤيدو إسرائيل أنه يمثل تهديدًا لأمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط التي تُعد من أخطر المناطق في العالم. ناهيك عن أن الطموح النووي الإيراني يُهدد ميزان القوى في المنطقة الذي يمل لصالح إسرائيل وتهديد المصالح الأميركية؛ لزيادة قوة من تطلق عليه الإدارة الأميركية قوى quot;الممانعةquot; في وجه قوى quot;الاعتدالquot; القريبة من المواقف والمصالح الأميركية بالمنطقة. وهذا العام احتل الصراع العربي ـ الإسرائيلي لاسيما الفلسطيني ـ الإسرائيلي مع قدوم حكومة إسرائيلية جديدة تتنصل مع عملية السلام أهمية ثانوية في نقاشات المؤتمر. وأظهرت النقاشات وكلمات مؤيدي إسرائيل بالمؤتمر نهجًا مختلفًا عن نهج الإدارة الأميركية الجديدة التي تعطي أولوية للعمل الدبلوماسي مع إيران وحل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي على أساس حل الدولتين، دولة فلسطينية وأخرى إسرائيلية.
وتزامن المؤتمر السنوي لإيباك مع رعاية ثلاثة من أعضاء مجلس الشيوخ الموالين لإسرائيل، وهم إيفان بايه Evan Bayh عن ولاية أنديانا، جوزيف ليبرمان عن ولاية كونكتيكت والمتحول عن الحزب الديمقراطي، وجون كايل Jon Kyl عن ولاية أريزونا، لمشروع قانون عقابي ضد إيران يجري تداوله في الكونجرس بمجلسيه بعد حصوله على دعم 27 من أعضاء مجلس الشيوخ، كما حث عدد من ديمقراطي مجلس النواب خطيًّا أوباما على ضرورة التصدي العاجل للملف النووي الإيراني. هذا المشروع يمثل حسب أحد راعيه quot;إيفان بايهquot; أفضل الطرق لمعالجة الأزمة النووية الإيرانية قبل الشروع في استخدام القوة العسكرية.
وتدعم منظمة إيباك هذا المشروع، فعنه يقول الناطق باسمها جوش بلوك Josh Block: إن من شأن هذا المشروع إقناع النظام الإيراني بأنه إذا لم يقف تخصيب اليورانيوم والأنشطة النووية السرية، فإن واشنطن وحلفاءها على أتم الاستعداد لفرض عقوبات جديدة على إيران من خلال استهداف الاقتصاد الإيراني والبني التحتية. فمشروع القانون المعنون بـquot;قانون العقوبات على النفط الإيراني المكرر Iran Refined Petroleum Sanctions Act (IRPSA)quot; يدعو إلى فرض عقوبات على واردات البنزين والنفط المكرر إلى إيران. وقد حصلت المنظمة على تأييد عدد كبير من أعضاء مجلسي الكونجرس، مجلس النواب والشيوخ، الحاضرين مؤتمرها السنوي. ولكن عديدًا من المصادر تشير إلى معارضة البيت الأبيض لهذا القانون. وهناك عدد من الجماعات الموالية لإسرائيل، جماعات معتدلة، مثل quot;جى ستريتquot; وquot;الأميركيين من أجل السلام الآنquot; تعارض مشروع القانون على أساس أن من شأنه أن يرسل رسائل مختلطة، إلى جانب إضعاف الجهود الدبلوماسية التي تبذلها إدارة أوباما تجاه أزمة البرنامج النووي الإيراني.
وقد تتضمن المؤتمر خطبًا نارية تجاه التعامل مع البرنامج النووي الإيراني منها كلمة الرئيس الإسرائيلي quot;بيريزquot; وquot;جينجريتشquot; الذي ما يزال له تأثير كبير داخل حزبه الجمهوري، والذي ألقى في أولى أيام المؤتمر كلمة نارية تدعو إلى نهج متشدد مع إيران وربط في كلمته بين الرئيس الإيراني quot;محمود أحمدي نجادquot; والزعيم الألماني quot;هتلرquot;. ويؤيد جينجريتش العمل العسكري الاستباقي ضد إيران وكوريا الشمالية، ويؤيد أيضًا العقوبات على قطاع النفط الإيراني للنيل من الاقتصاد الإيراني الذي سيؤثر بالتبعية على مستوى معيشية المواطن الإيراني مما يدفعه إلى الثورة على حكم الملالي في إيران. وقد نالت كلماته تلك استحسان الحضور، ولكنها في الوقت ذاته كانت محل انتقاد عدد من المنظمات اليهودية الأميركية المعتدلة مثل quot;جي سترتquot;، التي نشأت لكي توازن الدعم اللامتناهي لإيباك لإسرائيل والذي لا يخدم المصالح الإسرائيلية والأميركية أيضًا في الوقت ذاته.
نهج إدارة أوباما مختلف
جاءت كلمة بايدن أمام لجنة العلاقات العامة الأميركية ـ الإسرائيلية مختلفة عن كلمات المسئولين الأميركيين الذين سبقوه في إلقاء كلماتهم خلال أول يومين من المؤتمر. ويرى البعض أن كلمة بايدن كانت رسالة إلى إسرائيل ومؤيديها ورئيسها quot;شيمون بيريزquot; قبل لقائه الرئيس الأميركيquot;باراك أوباماquot;. فعلى خلاف الداعين إلى إتباع نهج متشدد ضد إيران عبر نائب الرئيس عن أن سياسة إدارة أوباما تعتمد بالأساس على المبادئ الدبلوماسية، ومغيرًا من نهجه تجاه إيران قائلاً:quot;نريد لإيران أن تأخذ مكانها الصحيح في المجتمع الدولي سياسيا واقتصاديًّاquot;. وألمح بايدن في كلمته إلى ضرورة دراسة خيارات أخرى إذا فشلت الجهود والمساعي الدبلوماسية، لكنه لم يذكر كلمة quot;عقوباتquot; التي ترددت طوال جلسات المؤتمر وبين جل الحاضرين إلى نهايته.
كما ربط كبير موظفي البيت الأبيض quot;رام إيمانويلquot; بين القدرة الأميركية على الوقوف أمام الطموح النووي الإيراني، والتقدم في عملية السلام الفلسطينية ـ الإسرائيلية، قائلاً: إن التقدم في عملية السلام سيسمح بمعالجة التهديد النووي الإيراني.
ومع أن كيري يرى في كلمته أن السماح لإيران لأن تكون دولة نووية سيشجع حركة حماس وحزب الله اللبناني لانتهاج نهج أكثر تشددًا، فضلاً عن أن امتلاك إيران لسلاح نووي سيطلق سباق التسلح النووي بالمنطقة في منطقة من أكثر مناطق العالم خطورة، إلا أنه أكد على نهج الإدارة الدبلوماسي مع إيران.
حل الدولتين محور السياسة الأميركية
ولم يغبْ رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي سيزور واشنطن منتصف هذا الشهر عن المؤتمر فقد تحدث في العشاء الرئيس لإيباك عبر دائرة تليفزيونية مغلقة من تل أبيب عن ضرورة اعتراف الفلسطينيين بيهودية إسرائيل متجاهلاً الإشارة من قبيل أو بعيد عن حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم.
فقال:quot; إن الحل الدائم مع الفلسطينيين يجب أن يشمل ثلاثة مسارات: السياسي والأمني والاقتصادي. في المسار السياسي علينا الاهتمام بتجديد المفاوضات دون تأجيل. وفي المسار الأمني يجب مواصلة التعاون مع الأردن والسلطة الفلسطينية. وفي المسار الاقتصادي، نحن على استعداد للتقدم من أجل إزالة العوائق قدر الإمكان لدفع تطوير الاقتصاد الفلسطينيquot;.
لكن مسئولي إدارة أوباما تبنوا نهجًا جديدًا حيال الصراع العربي ـ الإسرائيلي يختلف عن طرح مؤيدي إسرائيلي، فقد استهل quot;بايدنquot; كلمته بقوله:quot;إن كلماته قد لا تعجب الحضور، حيث طالب إسرائيل بوقف بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية. ودعا إسرائيل إلى العمل من أجل حل قائم على الدولتين وليس بناء مزيد من المستعمرات، والسماح بحرية التنقل للفلسطينيين وحصولهم على فرص اقتصادية، وفي المقابل دعا الجانب الفلسطيني إلى العمل على مكافحة ما أطلق عليه quot;الإرهابquot;، والتوقف عن التحريض ضد إسرائيل. وطالب بايدن حماس بالتخلي عن لاءاتها الثلاثة هي لا الاعتراف بإسرائيل، ولا لقبول الاتفاقيات السابقة، ولا للتخلي عن العمل العسكري، وهو ما يدعو إليه البيت الأبيض. كما دعا كيري في كلمته إلى تجميد بناء المستوطنات ودعم السلطة الفلسطينية والعمل على إيجاد quot;ضوء في نهاية النفقquot; بالنسبة للأطفال في غزة.
وفي كلمته أيضًا طالب بايدن الدول العربية بضرورة الانفتاح على تل أبيب وإنهاء العزلة العربية لها، مضيفًا أنه على الدول العربية اتخاذ خطوات ذات معنى من أجل سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فقال: quot;لقد حان الوقت كي تقدم الدول العربية إشارات ذات معنى تظهر للشعب والقيادة الإسرائيلية بأن وعد إنهاء عزلة إسرائيل حقيقيquot;. ولكنه لم يخف الالتزام الأميركي بأمن إسرائيل. وفي هذا الصدد دعا رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي السيناتور جون كيري في كلمته الدول العربية إلى تعزيز عملية السلام بالبدء في تطبيع علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي وذلك من خلال رفع الحظر عن تحليق الطائرات الإسرائيلية فوق أراضيها.
وفي نهاية الفعاليات توجه ناشطوا إيباك إلى الكابيتول هيل Capitol Hill للضغط على أعضاء الكونجرس خلال ما يقرب من 515 لقاء. وحث أعضاء الكونجرس على التوقيع على رسائل إلى الرئيس أوباما لتعزيز المبادئ التي ينبغي على الولايات المتحدة إتباعها عن انخراطها في عملية السلام العربية ـ الإسرائيلية. كما طالب ناشطوا إيباك المشرعين لدعم مساعدات أمنية لإسرائيل للسنة المالية الجديدة 2010 تصل إلى 2.775 مليار دولار.