أفشين مولافي من واشنطن: يتمتع الرئيس الأميركي باراك أوباما بشعبية في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي تفوق على نحو ساحق شعبية الرئيس السابق جورج بوش، على الرغم من أن المواطنين في الشرق الأوسط ما زالوا ينظرون بعين الريبة إلى سياسات الولايات المتحدة. الإندونيسيون يحبون الرئيس الأميركي أكثر مما يحبه أي بلد مسلم آخر. السنة اللبنانيون يحبون أوباما لكن الشيعة لا يحبونه. أما الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف فلا يحظى بشعبية على إمتداد الشرق الأوسط. كما أن اللبنانيين والمصريين والأتراك والباكستانيين والفلسطينيين مستاؤون إستياءً شديدًا من أوضاعهم الإقتصادية والوطنية. والأتراك ينظرون نظرة متشائمة للغاية إلى أميركا وإلى آفاق النجاح في العراق. وغالبية المسلمين يرفضون التفجيرات الإنتحارية أيًا يكن سببها (بإستثناء الفلسطينيين الذين ما زالت غالبية ضئيلة منهم يعتبرونها مشروعة). الفلسطينيون أنصار متحمسون لإقتصاد السوق الحرة والاسرائيليون هم الوحيدون في العالم الذين يفضلون الرئيس بوش على أوباما.

هذا بعض ما توصل اليه احدث استطلاع اجرته مؤسسة quot;بيوquot; للابحاث في اطار مشروعها لدراسة مواقف العالم Pew Research Foundation Global Attitudes ونشرت نتائجه يوم الخميس. وتجري المؤسسة التي يوجد مقرها في واشنطن استطلاعات للرأي العام العالمي منذ 2003. يشمل الاستطلاع 25 بلدًا بينها من الشرق الأوسط والعالم الاسلامي تركيا والاردن ومصر وفلسطين ولبنان واسرائيل واندونيسيا وباكستان ونيجيريا.

من الواضح ان البلدان الشرق اوسطية والاسلامية التي شملها الاستطلاع تفضل باراك اوباما على الرئيس بوش ، والاستثناء الوحيد هو اسرائيل. ولدى مقارنة quot;الثقةquot; ببوش في استطلاع عام 2008 مع quot;الثقةquot; باوباما في استطلاع 2009 نرى ان 42 في المئة من المصريين اعربوا عن ثقتهم باوباما و11 في المئة فقط ببوش العام الماضي. وبالنسبة للاتراك كانت النسب 2 في المئة لبوش و33 في المئة لاوباما والاردنيين 7 في المئة لبوش و31 في المئة لاوباما وللفلسطينيين 8 في المئة لبوش و23 في المئة لاوباما. اما بالنسبة للاسرائيليين فكانت النسب 57 في المئة لبوش و56 في المئة لاوباما.

اوباما اوسع شعبية على الصعيد العالمي وفي الشرق الأوسط والعالم الاسلامي من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الالمانية انغيلا ميركل والرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف ، كما اظهر استطلاع مؤسسة quot;بيوquot;. وكانت شعبية ميدفيديف متدنية بصفة خاصة في الشرق الأوسط حيث تنظر غالبيات كبيرة نظرة سلبية اليه.

ولكن على الرغم من التحسن الدراماتيكي في مواقف الشرق الأوسط والعالم الاسلامي فان الأرقام الخاصة بشعبية اوباما فيهما كانت بين أدنى الأرقام في العالم. وسجل اوباما نسب شعبية عالية على نحو لافت في اوروبا وآسيا واميركا اللاتينية وافريقيا حيث تراوحت هذه النسب بين 70 و 95 في المئة لكنها لم تزد قط على 45 في المئة في العالم العربي رغم ان نيجيريا واندونيسيا المسلمتين منحتا اوباما علامات عالية جدا بلغت 81 و70 في المئة على التوالي.

معدلات شعبية اوباما المتدنية نسبيا في الشرق الأوسط يمكن ان تُفهم في سياق الشك في ما إذا كانت سياساته ستختلف اختلافا جذريا عن سياسات الرؤساء الاميركيين السابقين. فردا على السؤال quot;هل سيكون اوباما عادلاً في الشرق الأوسط؟quot; أجاب غالبية الاتراك والمصريين والاردنيين واللبنانيين بالنفي. وكان الاردنيون الأشد تشاؤما حيث أجاب 69 في المئة quot;كلاquot; لن يكون عادلا. وفي حين ان اوباما محبوب اكثر من بوش على المستوى الشخصي فان الشكوك تبقى عميقة في سياسات الولايات المتحدة. الاندونيسيون كان الأكثر تفاؤلاً حيث قال 54 في المئة quot;نعمquot; انه سيكون عادلاً. ويدين التأييد الذي يحظى به اوباما في اندونيسيا بالكثير لاصوله كونه ترعرع في اندونيسيا عندما كان طفلاً.

مؤسسة quot;بيوquot; استطلعت عن قرب ايضا آراء الفلسطينيين والاسرائيليين قبل الخطاب الذي وجهه الرئيس اوباما الى العالم الاسلامي من القاهرة في حزيران/يونيو وبعده. وتوصل الاستطلاع الى ان الاسرائيليين خفضوا معدلات نظرتهم الايجابية الى اوباما بعد الخطاب فيما سجلت آراء الفلسطينيين بسياسات اوباما ارتفاعًا طفيفًا في خانة النظرة الايجابية.

في غالبية بلدان المنطقة التي شملها الاستطلاع تزيد شعبية اوباما بدرجة كبيرة على شعبية اسامة بن لادن إلا في فلسطين وباكستان اللتين كانتا الاستثناءين الوحيدين. وتبلغ شعبية اسامة بن لادن ادنى مستوياتها في لبنان وتركيا حيث كان لدى أقل من 5 في المئة من المواطنين في البلدين على السواء رأي ايجابي به.

اللبنانيون منقسمون انقسامًا عميقًا في آرائهم حول اوباما ، بحسب الاستطلاع. إذ يبدي نحو 65 في المئة من المسلمين السنة ثقة باوباما و46 في المئة من المسيحيين و26 في المئة من الشيعة. وحول الولايات المتحدة تكون الانقسامات حتى أسطع: 90 في المئة من السنة اللبنانيين لديهم quot;صورة ايجابيةquot; عن الولايات المتحدة و66 في المئة من المسيحيين و2 في المئة من الشيعة.

تبقى معدلات النظرة الايجابية العامة الى الولايات المتحدة متدنية في عموم المنطقة ، باستثناء اسرائيل ولبنان واندونيسيا. من جهة اخرى تتمتع الصين بنظرة ايجابية أعلى في عموم البلدان المشمولة بالاستطلاع ، وفي اسرائيل تقترب معدلات النظرة الايجابية الى من معدلات النظرة الايجابية الى الولايات المتحدة نفسها. وابدت باكستان واندونيسيا على السواء نظرة ايجابية بصورة لافتة الى الصين بنسبة 84 و85 في المئة على التوالي.

لم تتمكن روسيا من التنافس مع الصين بمعايير النظرة الايجابية اليها في المنطقة. ففي عموم الشرق الأوسط والعالم الاسلامي كانت نظرة الغالبية نظرة سلبية الى روسيا مع استثناء واحد هو لبنان حيث نظر 58 في المئة نظرة ايجابية الى روسيا. وتخطت معدلات النظرة الايجابية الى روسيا في العالم العربي والاسلامي ما تحظى به الولايات المتحدة. وهنا ايضًا كان لهما قاسم مشترك واحد: لبنان هو البلد العربي الوحيد الذي كانت لغالبية ضئيلة فيه آراء ايجابية بالولايات المتحدة (57 في المئة).

وفي حين كان للبنانيين غالبية بسيطة من الآراء الايجابية بالولايات المتحدة وروسيا (رغم انقسامها انقساما عميقا حسب الطائفة) فقد كان هناك اتفاق عام بين اللبنانيين على الوضع المتردي اقتصاديا. إذ كان اللبنانيون بين الأشد تشاؤمًا في المنطقة إزاء quot;وضعهم الاقتصادي الراهنquot;. وينظر 90 في المئة من اللبنانيين الى الوضع على انه سيئ جدًا. كما كان اللبنانيون الأكثر تشاؤمًا بحالة اقتصادهم الوطني حيث ينظر 11 في المئة فقط نظرة ايجابية اليه. في هذه الاثناء سجل الباكستانيون هبوطا حادا في نظرتهم الى الاقتصاد الوطني باعلان 41 في المئة منهم ان الاقتصاد quot;في حال جيدةquot; عام 2008 وتراجع هذه النسبة الى 22 في المئة فقط اليوم.

حول القضايا المتعلقة بالاوضاع الداخلية وحالة الرضا على الصعيد الوطني ابدى غالبية المواطنين في عموم المنطقة درجات لافتة من الشعور بالاحباط. فعند السؤال عما إذا كانوا راضين على الوضع الاقتصادي الحالي كانت نسبة المصريين الذين أجابوا بالنفي (69 في المئة) أعلى منها في اي بلد من البلدان الخمسة والعشرين المشمولة بالاستطلاع. وجاء اللبنانيون بالمرتبة الثانية بفارق ضئيل بنسبة 67 في المئة قالوا انهم ليسوا راضين على الاوضاع الاقتصادية الحالية. في هذه الاثناء قفز عدد المصريين الذين يقولون انهم لا يملكون ما يكفي من المال لشراء الطعام من 8 في المئة عام 2008 الى 16 في المئة عام 2009 ، وارتفع عدد الاردنيين الذين يقولون انهم لا يملكون ما يكفي من المال للعلاج الصحي من 16 في المئة عام 2007 الى 28 في المئة عام 2009.

وردًا على سؤال مؤسسة quot;بيوquot; المشمولين باستطلاعها عما إذا كانوا quot;راضين على الاوضاع الوطنيةquot; أثبت الاتراك والفلسطينيون والباكستانيون كونهم الأكثر احباطا يليهم اللبنانيون. فان 9 في المئة فقط من الاتراك والباكستانيين اعربوا عن رضاهم على الاوضاع الوطنية و8 في المئة من الفلسطينيين و11 في المئة من اللبنانيين. وابدى الاردنيون أعلى مستوى من الرضا على الاوضاع الوطنية في المنطقة بنسبة 46 في المئة. واللافت ان 85 في المئة من الصينيين ابدوا شعورهم بالرضا على الاوضاع الوطنية.

تصدر الهنود والكنديون والاسبان والاميركيون والفرنسيون المراتب الخمس الاولى بين الشعوب التي اعربت عن رضاها على الحياة بأغلبيات ساحقة بلغت 95 في المئة من الهنود الذين اعلنوا رضاهم على حياتهم. وكان المصريون الأشد تذمرا من quot;حياتهم عموماquot; بنسبة 60 في المئة اعربوا عن استيائهم يليهم الاردنيون بنسبة 56 في المئة.

الغالبية العظمى من المواطنين الذين جرى استطلاع آرائهم في الشرق الأوسط والعالم الاسلامي يدعمون بقوة حرية التجارة وزيادة التعاون التجاري العالمي. والفلسطينيون من أشد المتحمسين لحرية التجارة (80 في المئة) وهم يشتركون في ذلك مع الاسرائيليين (88 في المئة).

حول القضية المتمثلة في ما إذا كانت الولايات المتحدة سترى امكانية quot;النجاحquot; في العراق انقسمت الآراء في عموم المنطقة حيث نفت غالبيات بسيطة مثل هذه الامكانية. وكان الاتراك الأكثر سلبية في نظرتهم الى الوضع: 17 في المئة فقط من الاتراك يرون امكانية النجاح في العراق. حول قضية quot;التفجيرات الانتحاريةquot; رفض الغالبية العظمى من المشمولين بالاستطلاع هذه العمليات رفضًا قاطعًا. وظل الفلسطينيون الأكثر تجاوبًا معها فيما ايدتها غالبية ضئيلة من الشيعة اللبنانيين والنيجيريين.

شعبية اسامة بن لادن ايضًا تراجعت في عموم المنطقة. وكانت استطلاعات مؤسسة quot;بيوquot; تابعت شعبيته منذ عام 2003 وقد هبطت معدلات شعبيته هبوطًا دراماتيكيًا اليوم عنها قبل ست سنوات. فلسطين ونيجيريا هما البلدان الوحيدان اللذان ما زالت غالبية بسيطة فيهما تنظر نظرة ايجابية الى اسامة بن لادن.