إعداد عبدالاله مجيد: إستضافت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي الباحثة سوزان مالوني من مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط في معهد بروكنز للاستماع الى تقرير عن تداعيات الأزمة الانتخابية في ايران وتأثيرها على آفاق التطور اللاحق. وجاء في التقرير الذي قدمته الباحثة امام اعضاء الكونغرس:

دخلت الجمهورية الاسلامية مرحلة جديدة في تاريخها المثير دائما وبالتالي مرحلة لا يمكن التنبؤ بما تخبئه. فان قرار تزوير الانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 حزيران/يونيو لصالح الرئيس محمود احمدي نجاد وما اعقب ذلك القرار عمل على تحويل نظام ايران السياسي واعادة تشكيل الصراع السياسي في صفوف النخبة من صانعي القرار وتعميق مشاعر الاستياء بين ملايين من مواطنيها.

نتيجة لذلك يتعين على الجمهورية الاسلامية اليوم ان تتصارع مع طائفة تكاد تكون غير مسبوقة من التحديات الداخلية ، المعقدة والمترابطة. وأسفر الغضب على تزوير الانتخابات عن انبثاق حركة معارضة حقيقية وإن كانت لم تزل في مرحلتها الجنينية ، تتمتع بقيادة رمزية على اقل تقدير وبتفويض شعبي واسع. وما زالت تظاهرات الشارع المتقدة عاطفة والمنضبطة التي انطلقت في الايام التالية على الانتخابات ، تتواصل ويمكن ـ بتأثير مزيد من الاستفزازات و/أو رسم اتجاه محدَّد لها ـ ان تتطور الى قوة شديدة الفاعلية بل وحتى قوة ثورية. وهذا تطور مهم بحق. فعلى حين ان مزاعم طهران بتطبيق الديمقراطية كانت دائما تُدحض بنزعات النظام السلطوية الكامنة في اساسه ، كان الدور المتواضع الذي أُنيط بالحكم التمثيلي يرسخ استقرار النظام وشرعيته على امتداد الشطر الأكبر من العقود الثلاثة الماضية. وان انتهاء هذا الاستقرار وهذه الشرعية وظهور معارضة ذات قاعدة جماهيرية محلهما يجعل من المتعذر الاستمرار في استبداد النظام على المدى البعيد.

من الآثار البالغة الأخرى على نظام الحكم الايراني حدوث انقسامات عميقة وربما غير قابلة للاصلاح داخل قيادته. ففي كل مرحلة من تاريخ النظام الذي يمتد نحو ثلاثين عاما كانت قيادته تشهد حملات تصفية بين الأجنحة المختلفة ولكن هذه الصراعات على مستوى النخبة نادرا ما كانت تهدد وجود النظام إن كانت تهدده اصلا ، لأن الذين يمسكون مقاليد السلطة الايرانية يرتبطون فيما بينهم بعشرات السنين من التفاعل ومستويات متعددة من العلاقات الشخصية والمالية والتزام مشترك بالحفاظ على نظام الحكم الاسلامي.

ولكن كما يتبدى من التحدي الجرئ على نحو مثير للدهشة الذي طرحه اقطاب من اركان النظام مثل مير حسين موسوي ومحمد خاتمي واكبر هاشمي رفسنجاني فان الانتخابات التي جرى تزويرها على المكشوف كانت تمثل تهديدا ذا ابعاد تاريخية حتى في نظر المؤمنين الحقيقيين بالنظام الثوري. ونتيجة لذلك مارس هؤلاء الأقطاب وغيرهم ما يشكل خطابا من أشد الصنوف استفزازا للمفاعيل السياسية الايرانية ـ فهم تحدوا سلطة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي ، وقدسية منصبه. وبهذا التحدي تكون شريحة بالغة الأهمية من شرائح النخبة الايرانية بدأت تنأى بنفسها عن النظام لاحتضان الاجندة المعارضة التي تطرحها حركة جماهيرة فتية. وتشير هذه الانشقاقات على مستوى النخبة الى نهاية المماحكات الفئوية الايرانية بوصفها سجالات معهودة داخل الأسرة الواحدة وبداية مرحلة جديدة من الصراع الوجودي في اروقة السلطة الايرانية.

ثمة على الأقل ثلاثة اتجاهات محتملة يمكن ان تتخذها مسيرة ايران المتعرجة: إحكام قبضة خامنئي على السلطة يمكن ان ينذر بمجيء نظام حكم استبدادي بصورة متزايدة في ايران ، لا تثنيه تفاصيل مؤسسات انتخابية محدودة أو اي ادعاء بشرعية شعبية عن قمع شعبه نفسه على نطاق واسع. ففي غمرة الحرب الأهلية التي اشتعلت في المراحل الأولى بعد الثورة دافعت قيادة الجمهورية الاسلامية بشراسة عن نفسها وعن نظامها الثيوقراطي حديث النشأة ضد الأخطار الداخلية ، الحقيقية منها والمتخيَّلة ، بممارسة التعذيب والاعدامات الجماعية وغيرها من اساليب البطش. قد تكون العودة الى هذا الاسلوب في تأمين السلطة مغرية للمتشددين من قادة الحرس الثوري والباسيج الذين يبقى مبرر وجودهم يرتكز على الايهام بوجود تهديد وتهويله. وللأسف ان مثل هذه الحصيلة التوتاليتارية ليست مستبعدَة رغم انها ستكون انتقالية بطبيعتها في بلد زاخر بارهاصات الديمقراطية ، بما في ذلك تقاليد دستورية عريقة وشعب متعلم لا يخشى المجاهرة برأيه.

ثمة على الأقل سيناريوهان بديلان يبدوان أكثر جاذبية على المدى القريب على أقل تقدير. السيناريو الأول يشمل التفاوض من اجل التوصل الى صيغة عمل بين المحافظين ورباعي القادة المعتدلين ـ مير حسين موسوي ومحمد خاتمي واكبر هاشمي رفسنجاني الذين مر ذكرهم مع مهدي كروبي المرشح الرئاسي الاصلاحي الآخر ـ الذين قادوا الحملة ضد تزوير الانتخابات. ويمكن ان تنطوي حصيلة هذا البديل على مجموعة سيناريوهات بدرجات متفاوتة من التنازلات التي يقدمها كل طرف. سيناريو الحد الأقصى سيتضمن احياء حركة اصلاحية بالغة القوة تفرض قيودا جديدة على منصب المرشد الأعلى واجراء استفتاء على النظام السياسي كما اقترح خاتمي مؤخرا. وثمة سيناريو أقل طموحا يتمخض عن المفاوضات ليتضمن تنازلات حتى أكبر من الاصلاحيين بما يؤدي الى سلام هش يُحجَّم فيه الاصلاحيون الى شكل معطَّل من اشكال المعارضة الموالية مقابل كوابح على بطش النظام يفرضها النظام نفسه على نفسه ، كما في حالة مهدي بازركان رئيس حكومة ايران الأولى بعد الثورة الذي استقال بسبب احتلال السفارة الاميركية في عام 1979.

أخيرا السيناريو المحتمل الثالث هو السيناريو الذي يبدو في الوقت الحاضر بعيد المنال لكنه يبقى أكبر تهديد لنظام الحكم الايراني. فبمرور الوقت وتوفر المزيد من العوامل المساعدة يمكن للانشقاقات داخل النخبة والاستياء الشعبي الذي تفجر خلال الاسابيع الماضية ان يتطورا الى شيء أقوى ويمكن ان تشهد ايران انبثاق حركة مستدامة جدية هدفها اطاحة نظام الحكم برمته. فرغم المشاهد الدراماتيكية للمعارضة الجماهيرية وعنف النظام ، حرص المحتجون وقيادتهم في واقع الأمر ، على تركيز مطالبهم على الاجراءات الانتخابية وما أسفر عنها من اجهاض للعدالة ، وتفادوا بصراحة تحدي النظام الشمولي تحديا مكشوفا.

من البديهي ان هذه السيناريوهات المحتملة لا تنقض بعضها بعضا. ومن الجائز تماما ان يكون الانعطاف نحو التوتاليتارية الشرارة التي تطلق معارضة حقيقية ، وان عملية التفاوض المتقطعة بين اركان النخبة يمكن ان تتجاوزها احداث الشارع وتصنع قائدا معارضا لا يهادن ، كما حدث قبل ثلاثين عاما.