اعداد أشرف أبو جلالة: في الوقت الذي سبق وأن شهدت فيه الأشهر الأخيرة صراعًا بين مصر وقطر، من الناحية الإعلامية على الأقل، لفرض النفوذ على الساحة الإقليمية في ما يخص ملفات عدة بالمنطقة، يرصد معهد الشرق الأوسط لأبحاث الإعلام تقريرًا مطولاً يؤكد من خلاله أنّ واشنطن بدأت تنظر إلى الدوحة على أنّها الواجهة التي تُفضِّلُها للقيام بدور الوسيط بالنسبة إلى أزمة إقليم دارفور. وفي هذا الإطار، يشير تقرير المعهد ndash; وفقًا لرؤياه التحليلية ndash; إلى أنّ الولايات المتحدة تُفضِّل خلال الوقت الراهن قطر على مصر في ما يتعلق بالقيام بدور الوساطة في أزمة إقليم درافور.

وفي مستهل تقريره، يشير المعهد إلى عدة محاور تعزز صحة رؤاه وتدعمها بشكل كبير، حيث يقول إن البداية كانت في سبتمبر / أيلول عام 2008 عندما قامت جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي بتكليف قطر برعاية المفاوضات بين متمردي درافور والحكومة السودانية، بناء على مقترح من جانب الرئيس السوري، بشار الأسد. وقد كان لقطر دور في إحضار إحدى حركات المتمردين السودانيين إلى مائدة المفاوضات، وهي حركة العدل والمساواة. ولدى الانتهاء من الجولة الأولى للمفاوضات، بالعاصمة القطرية الدوحة، وقّعت كل من الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة على اتفاق ودي، وهو الاتفاق الذي لم يتم تنفيذه على الإطلاق. وكان من المقرر أن يتم استئناف المفاوضات في شهر أغسطس / آب الجاري.

وعلى الرغم من ذلك، لم ينسّ المعهد ndash; وفقًا لما ورد بالتقرير - أن يشيد بالمجهودات التي بذلتها القاهرة أيضًا في ملف أزمة دارفور، لكنه أخذ على مصر أنه في الوقت الذي تعتبر نفسها فيه راعيةً للملف السوداني، وتنظر إلى قضية استقرار السودان على أنه إحدى مصالحها الوطنية، إلا أنها تقحم نفسها بشكل كبير في سياسات الخرطوم الداخلية والخارجية على حد سواء. ثم عاود ليؤكد على دور مصر البارز في الأزمة، حيث أشار إلى أن القاهرة قطعت عدة خطوات أيضًا في سبيل دعم وتعزيز عملية السلام في دارفور، من بينها محاولة لعقد مؤتمر دولي في القاهرة، وزيارة للخرطوم من جانب وزير الخارجية ورئيس جهاز المخابرات العامة، وفي المقابل زيارتين للرئيس السوداني عمر البشير إلى القاهرة، وهما الزيارتين اللتين حظيتا باهتمام إعلامي واسع.

ومضى التقرير البحثي ليقول إن مصر كثفت في الآونة الأخيرة من مجهوداتها في هذا الشأن، حيث عقدت اجتماعًا للعديد من حركات المتمردين في القاهرة في محاولة لتوحيد صفوفهم تمهيدًا للجولة القادمة من المفاوضات، كما اقترحت خارطة طريق لتسوية الصراع، وهي الخطوات التي رأى المعهد أنها تُشكل تحديًا صريحًا لقطر باعتبار أنها القوة الرائدة في دعم وترويج المبادرة العربية الإفريقية لإحلال السلام بإقليم دارفور.

وفي محور آخر، يعكس حقيقة الحرب الإعلامية المتأججة بين العاصمتين في ما يتعلق باليقام بدور الوساطة الحيوي في ملف أزمة إقليم دارفور، يبرز المعهد في تقريره أجزاءً من بعض ما كتبته وسائل الإعلام المحلية هنا وهناك حول أحقية كليهما في تولي مسؤولية الوساطة في إشكالية دارفور. البداية كانت مع وسائل الإعلام القطرية، التي قالت إن الوساطة في صراع دارفور يُمثِل لقطر وسيلة لكسب الهيبة والاعتراف بأنها لاعبًا أساسيًا في الشرق الأوسط والدبلوماسية الدولية.

وفي هذا الإطار، أبرز المعهد ما أشارت إليه صحيفة الراية القطرية الحكومية بأن وساطة قطر في أزمة دارفور جاءت ناجحة، متجاهلة ً في الوقت ذاته المبادرات المصرية. فيما قال حامد إبراهيم حامد، الكاتب الصحافي السوداني بنفس الصحيفة، أن تدخل مصر في ملف دارفور قد تم بناء على دوافع مريبة. بينما ألمح الكاتب الصحافي أحمد ذيبان في مقال له بجريدة الراية إلى أنه وفي الوقت الذي تبدي فيه مصر اهتمامًا باستقرار السودان، يتوجب عليها أن تُحجم عن تقويض دور قطر كوسيط، لأنها تقوض بذلك عملية السلام في السودان.

في ذلك الوقت، أشارت أغلبية الصحف المصرية إلى أن الوساطة القطرية في ملف أزمة دارفور باءت بالفشل. فأثنت صحيفة الأهرام المصرية من جانبها على دور الوساطة المصري في الأزمة، قائلةً إنها آخر فرصة لحل الإشكالية، وكذلك الفرصة الوحيدة لإنقاذ الرئيس السوداني من الإدانة من قِبل المحكمة الجنائية الدولية. وفيالوقت ذاته، وجه الكاتب الصحافي بجريدة الجمهورية المصرية الحكومية، محمد علي إبراهيم، انتقاداته اللاذعة لقطر، معتبرًا أنها ترشو المتمردين للمشاركة في المفاوضات. وزعم إبراهيم ndash; بحسب ما ذكره المعهد في تقريره ndash; أن مصر تولت مسؤولية أزمة دارفور بعد أن فشلت في القيام بدور الوساطة. كما أكد على أن زيارة البشير الأخيرة للقاهرة تشير إلى أن السودان تنأى بنفسها بعيدا ً عن محور إيران ndash; قطر، وتسلك طريقًا يقربها من مصر.