واشنطن: إنه فان جونز quot;قيصر الوظائف البيئيةquot;..رآى فيه اليمين عنصرياً ومؤيدا للشيوعية وغير كفؤ،فيما اعتبره اليسار قياديا ملهما حتى كأنه يكاد يسير على الماء كيسوع الجليلي ،وهذه جميعها الانقسامات الكبرى في عصر الابتذال السياسي. لكن آراء اليمين واليسار التقت وجزمت أن جونز اقترف الخطيئة الكبرى حين وقّع على وثيقة تدعم نظرية تقول إن إدارة جورج بوش علمت مسبقاً باعتداءات 11 أيلول/سبتمبر ولم تقم بأي خطوة لمنعها،..فكان عليه أن يستقيل. وعلى تخوم الذكرى الثامنة لأحداث 11 أيلول، لم يعد جونز وحده من جهر بهذا الرأي،فقد أشارت استطلاعات الرأي إلى أن موسوعة ويكيبيديا الالكترونية تحتوي على 27 صفحة عن نظريات تآمرية يصدقها ثلث الأميركيين.

والمؤامرة الأكثر شيوعاً هي أن بوش ومساعده quot;الشريرquot; ديك تشيني خططا معاً لأحداث 11 أيلول لتبرير الحرب في الشرق الأوسط. وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة سكريبس هاورد بالتعاون مع جامعة أوهايو أن 36% من الأشخاص يقولون quot;من المحتمل جداًquot; أوquot;من المحتمل نوعاً ماquot; أن يكون مسؤولون فدراليون قد شاركوا في الاعتداءات على برجيّ مركز التجارة العالمي والبنتاغون أو انهم لم يتخذوا أي إجراءات لمنعها quot;لأنهم أرادوا أن تخوض الولايات المتحدة حرباً في الشرق الأوسطquot;. وتلقى نظرية المؤامرة هذه رواجاً واسعاً في فرنسا التي كانت في طليعة الدول التي هاجمت بوش، غير أن هذه النظريات قد تم تجاهلها تماماً وأطلقت الولايات المتحدة حملة عقاب عسكرية ضد أفغانستان.

ويمكن تقسيم هذه النظرية إلى قسمين: الأول: quot;تركوها تحصل عن قصدquot;، وهي نظرية تقول إن مسؤولين في الحكومة علموا باعتداءات 11 ايلول مسبقاً غير أنهم تجاهلوها. ويظنّ البعض أن الحكومة علمت بخطف الطائرات وحرصت على عدم اعتراضها. الثاني:quot; جعلوها تحصل عن قصدquot; وهي النظرية القائمة على أن مسؤولين في الحكومة خططوا لهذه الاعتداءات ثم تعاونوا مع تنظيم القاعدة أو أوقعوا به لتنفيذها.

وزعم مسؤول بريطاني كان عضواً في حكومة طوني بلير حتى حزيران/يونيو 2003 أنه يعلم أن الولايات المتحدة فشلت في منع هذه الاعتداءات عن قصد،فيما قال آخر أن تقرير لجنة 11 أيلول quot;مركب لدعم كذبة واحدة، وهي أن القصة الرسمية لـ9/11 حقيقيةquot;. ويظن 16% من الأميركيين أن متفجرات زرعت سراً، وليس الطائرات المخطوفة ،هي السبب الرئيس الكامن خلف تهاوي البرجين مثل بيت من أوراق اللعب، ويظن 12% منهم أن صواريخ من طراز كروز هي التي أصابت البنتاغون وليس طائرة مخطوفة تقلّ إرهابيين.

كما يعتقد كثيرون أن إدارة بوش استندت إلى أدلة مزورة وكذبت حيال تورط صدام حسين مع القاعدة بغية تبرير غزو العراق عام 2003، كما أن أحداث 11 أيلول ما كانت إلا مؤامرة لتعبيد الطريق أمام غزو أفغانستان. غير أن معظم المتحمّسين لنظريات المؤامرات لم يكونوا من قراء الصحف العاديين بل من المداومين على تصفح الانترنت، فقد كان أحد المواقع الذي يروج لنظرية المؤامرة يستقبل عشرات الآلاف من الزوار يومياً. كما أن معظم من لم يصدق القصة الرسمية كان يؤمن بنظريات تآمرية أخرى، فـ40% منهم يظنون أن مسؤولين فدراليين يقفون مباشرةً خلف اغتيال الرئيس الأميركي الأسبق جون كنيدي، وأنهم مسؤولون عن quot;إخفاء أدلة تثبت وجود مخلوقات ذكية على كواكب أخرىquot;.

وشكل المشككون النسبة الأكبر من الرأي العام خارج الولايات المتحدة، ففي موسكو مثلاً، عُرض فيلم وثائقي إيطالي بعنوان quot;صفرquot; لمناسبة الذكرى السابعة لأحداث 11 أيلول، حضره حشد كبير من المسؤولين الروس. وقال أحد معدّي هذا الوثائقي، وهو عضو في مجلس البرلمان الأوروبي يدعى جيلييتو تشيسا quot;عرف الأشخاص الذي خططوا لـ11 أيلول الوضع الجيوسياسي ووضع الطاقة في العالم، وعرفوا كيف سيغير هذا الهجوم مستقبل العالمquot;. وبالطبع عنى quot;بالأشخاصquot; الحكومة الأميركية وليس تنظيم القاعدة وزعيمها أسامة بن لادن.

ولا يثير الوثائقي الشكوك حول تورط بن لادن في الاعتداءات فحسب، بل حول وجود القاعدة نفسها، رغم أن بن لادن والرجل الثاني في تنظيمه، أيمن الظواهري لم ينكرا يوماً دورهما في التخطيط لأحداث 11 أيلول واعترفا بالصدمة التي تلقتها quot;إمبراطورية الشر الأميركيةquot;. وقد صدر كتابان واحد بالفرنسية وآخر بالألمانية حول مؤامرة 11 أيلول وباع كلّ منهما أكثر من مليون نسخة. وكان الرئيس السابق للاستخبارات الباكستانية، حميد غول، الذي يكره الولايات المتحدة أول من أطلق نظرية تورط القوات الجوية الأميركية في أحداث 11 أيلول، حيث قال لأحد الصحفيين بعد أقل من شهر على الاعتداءات،إن المقاتلات الجوية الأميركية لم تكن على عجلة من أمرها لمنع الطائرات المخطوفة من الوصول إلى أهدافها المحددة.

وصرخ مسؤول باكستاني رفيع المستوى قائلاً quot;كلنا نظن ذلكquot; تعليقاً منه على خبر يفيد أن الصحافيين المرافقين لرئيس الوزراء الباكستاني في زيارته إلى الولايات المتحدة يؤمنون أن ادارة بوش تآمرت من اجل تنفيذ أحداث 11 أيلول لتبرير غزو أفغانستان، جارة باكستان النووية. وبالطبع لم يكن ينسب آراءه إلى الآخرين ،غير أن ردة فعله الإنفصامية والارتيابية تعكس إلى حد بعيد رأي هذه الدولة الحليفة غير العضو بحلف شمال الأطلسي. من الواضح أن باكستان بحاجة إلى حليف كالولايات المتحدة، إذ تعتمد بشكل أساسي على المساعدات العسكرية والاقتصادية الأميركية، غير أن أهدافهما في أفغانستان مختلفة جداً، فواشنطن تريد تخليص أفغانستان من حركة quot;طالبانquot; وشريكتها quot;القاعدةquot;،وباكستان تريد التخلص من عناصر quot;طالبانquot; المتشددين المنتشرين على أراضيها،ولن تكون مستاءة من قيام حكومة إصلاحية لطالبان في أفغانستان.

ويقرّ صناع القرار الباكستانيون بأن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي تعبوا من الصراع المفتوح في أفغانستان، وعاجلاً أم آجلاً سيقومون بإجراء مفاوضات تسوية مع عناصر معتدلة من طالبان، وهذا ما يدفع بإتجاهه الرئيس الأفغاني حميد كرزاي،..ربما ليخفف من آثار ما يبدو كأنه إعادة انتخاب مهزوز .