وصل رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري اليوم إلى دمشق، في زيارة وصفت بـquot;التاريخيةquot;بعد قطيعة في العلاقات استمرت سنوات. وسط تساؤلات إذا ما كان لقاء الحريري مع الأسد هو لحظة تحوّل دراماتيكي في العلاقات بين البلدين والرجلين، أو إذا ما كانت لقاء عابرا بحكم الظروف.


بيروت: لكم يبدو المشهد تاريخياً اليوم. رئيس حكومة لبنان سعد الحريري يصافح رئيس جمهورية سورية بشار الأسد بعدما اتهمه بقتل والده الرئيس السابق رفيق الحريري. حصل مثل ذلك سابقا مع اختلاف في الأشخاص ، فالعام 1977 ذهب رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط إلى دمشق وصافح الرئيس السوري حافظ الأسد بل تحالف معه بعد اغتيال الزعيم كمال جنبلاط على إحدى طرق منطقة الشوف إثر خلافه مع الأسد . واليوم أيضاً بعد زيارة الحريري تصبح بعد هذه النقطة كل الأسئلة مباحة، فهل إن ما نراه لحظة تحوّل دراماتيكي في العلاقات بين البلدين والرجلين، أم هي مجرد لقاء عابر فرضته الظروف والموجبات الإقليمية. في الشكل ذهب الحريري إلى سورية من دون دعوة رسمية كان يطالب بها القريبون منه ، ولكن في الجوهر يحمل الحريري حجة في وسعه الدفاع عنها، ويتسلح بها في الغالب المحيطون به، هي أن سورية التي ذهب إليها للتعرف إلى رئيسها وقيادتها ومباشرة حوار معهما كرئيس للحكومة اللبنانية، هي التي تغيّرت، وتغيّرت أكثر مما يُعتقد، وأكثر مما يُعتقد أيضاً أن الحريري تغيّر حيالها. مفاد هذه الحجة أنه وحلفاءه في قوى ١٤ آذار/ مارس لم يُقدموا على استدارة مماثلة للمراجعة التي أجرتها دمشق بإزاء علاقاتها بلبنان. لا يزال هذا الفريق متمسكاً بالمحكمة الدولية لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، وكذلك بتطبيق القرار ١٦٨٠ الذي يتحدث، بعد التبادل الدبلوماسي، عن ترسيم الحدود بين البلدين، ويصر على العودة إلى اتفاق الهدنة مع إسرائيل على نحو لحظه البيان الوزاري لحكومة الحريري بعد اتفاق الطائف . كذلك يتشبث الحريري وفريقه برفض التدخل السوري في الشؤون اللبنانية في معرض تشبثه بعلاقات متكافئة بين الدولتين. والأكيد في رأي المحيطين به، أن عودة الحريري من زيارته دمشق لن تقترن بتخليه عن أي من تلك الثوابت.

ويقول حلفاء تاريخيون لسورية في لبنان ، من الحزب السوري القومي الإجتماعي وغيره ، على سبيل المثال ، إن quot;الشام quot; في صدد استعادة دورها الفاعل والمباشرفي البلد المجاور لبنان ، وما تريده وتعمل له هو إلغاء مفاعيل المرحلة السابقة والسنوات الممتدة من مطلع ٢٠٠٥ حتى أواسط ٢٠٠٩ ، وقد حققت نتائج جيدة في هذا الاتجاه، فالعلاقة بين الرئيسين اللبناني ميشال سليمان والسوري الاسد تأخذ طريقها الى الانسجام والثبات لتغادر مرحلة الاهتزاز بعدما اجتازت بنجاح اختبار العام الأول وفترة السماح، وعملية التنسيق الأمني بين الجيشين اللبناني والسوري تعود الى سابق عهدها في مجالات ضبط الحدود ومكافحة الارهاب وحالات التطرف، والجدار السياسي والنفسي الذي ارتفع عاليا في السنوات الماضية بين النظام في سورية وغالبية لبنانية تصدع واقترب من لحظة السقوط الكامل بعدما وطئ سعد رفيق الحريري أرض دمشق. ويبقى الهدف المباشر للسوريين في عملية تصفية آثار المرحلة السابقة وانجاز عملية الانتقال الى الوضع الجديد هو القضاء على تحالف قوى ١٤ آذار الذي يشكل مجتمعا الرمز الأبرز لتلك المرحلة والجسم السياسي الذي يعتبر رأس الحربة السياسية في المواجهة مع سورية.

ويعتبر حلفاء سورية ، هؤلاء الشديدو الصلة بها، أن حركة التعزية الكثيفة التي شهدتها سورية لمناسبة وفاة شقيق الرئيس السوري مجد الأسد هي بمثابة إستفتاء سياسي على النفوذ السوري في لبنان.

وواقع الأمر أن التحوّل الكفيل جعل قوى ١٤ آذار/ مارس أمام امتحان استمرارها، هو الموقف الذي اتخذه الحريري وإن ببطء ملحوظ، اقتداءً بحليفه النائب جنبلاط، من سلاح حزب الله والعلاقات مع النظام في سورية، وقد كان هذان البندان في صلب موقف هذه القوى وخطابها وسببا رئيسا لاستمرارها وعلى أساسهما خاضت انتخابات ٧ حزيران/ يونيو الماضي وربحتها. وفي هذا السياق قال مسؤول في الحزب الاشتراكي إنه quot;لم يعد في الامكان الحديث عن معسكري ٨ و ١٤ آذار/ مارس ، ومن لم يقتنع اليوم سيقتنع غدا، وتلك المرحلة تبقى في التاريخ كما يبقى الحنين إلى الشعارات والتوجه الى ساحة الشهداء، وهذا أمر يشبه انتهاء مرحلة الحركة الوطنية الجميلة في وقت سابق،وأدعو الى قراءة جديدة للواقع والمرحلةquot;.

إلا أن quot;إيلافquot; تأكدت من مراجع ثقة أن الأمور لا تسير في هذا السياق داخل قوى 14 آذار ، بل على النقيض تماما، بل أن quot;إعادة تموضع quot; سياسية ستحصل وسيراها ويلمسها الناس قريبا. ويمكن اختصار هذه العملية من ضمن قراءة تقول إن أحد أركان quot;انتفاضة الأرزquot; النائب جنبلاط لم يتحمل الضغوط فاستسلم، وأن ركنا آخر هو الرئيس سعد الحريري أصبح رئيسا للحكومة وهو مضطر إلى التعامل مع الأوضاع بصفته هذه وأن المتغيرات والواجبات أيضا تفرض عليه زيارة دمشق ، لكن 14 آذار مستمرة سواء بهيكليتها أو بروحيتها ، لذا ستبقى هيكليتها من دون تغيير وتتولى الشطر الرئيس منها الامانة العامة لهذه القوى، وسينشأ جسم ثقافي ndash; سياسي جديد يحمل روح هذه القوى ورسالتها خلال الأيام المقبلة ويحمل اسم quot;مؤسسة بيروت- من أجل ثقافة الحياة من أجل السلم الأهليquot;، كما سينشأ تجمع جديد يعمل مع قوى 14 آذار مجتمعة يضم الأفرقاء المسيحيين الذين يؤيدون نظرة البطريرك الماروني نصرالله صفير ولا سيما حيال سلاح quot;حزب اللهquot; والعلاقة بسورية، سواء أكان هؤلاء الأطراف منتمين إلى قوى 14 آذار أم كانوا خارجها.

أي أن quot;تيار الممانعةquot; للنفوذ السوري الساعي إلى القبض من جديد على مقدرات السياسة والقرار في لبنان عائد إلى الساحة بعد ارتخاء ، وفق ما قال لـ quot;إيلافquot; بعض المحركين الرئيسين لهذا التيار، إذا جاز وصفه كذلك.
ولم يلق السؤال عن موقف الرئيس سعد الحريري من هذه التطورات المرتقبة جوابا، لكن الذين سألتهم quot;إيلافquot; كرروا القول quot;إنناندعمه بكل قوتنا ونمحضه ثقة كاملة وبلا ترددquot;.

وقد شابت الزيارة لدمشق مسألة استدعاء القضاء السوري لشخصيات ومسؤولين لبنانيين بناء على دعوى أقامها أمامه المدير العام السابق للأمن العام اللبناني اللواء جميل السيد ، وكانت بذلت قبل الزيارة مساعي جمة تولتها جهات لبنانية وعربية، عبر قنوات دبلوماسية وسرية، لسحب موضوع الاستدعاءات لإنجاح الزيارة، لكنها لم تلق آذانا صاغية، إذ ردت دمشق بأن quot;القضية شخصيةquot;، قاطعة بذلك الطريق على كل المداخلات العربية لمعالجة الموضوع، فضلاً عن إشارات أخرى كثيرة بشأن الذهاب في المسألة حتى خواتيمها، ليس أقلها أن خطوة إصدار الإستدعاءات -التي شملت بعض مرافقي الحريري في الزيارة- قد صدرت بعد لقاءين خصصهما الرئيس بشار الأسد للواء السيّد، في ٧ تموز/ يوليو الماضي و ١٥ تشرين الأول/ أكتوبر، وأن مفاعيل الخطوة عملياً بدأت بعد المصالحة السورية - السعودية وبعد تحديد موعد زيارة الحريري لدمشق التي أرادت الإيحاء إن المسألة مفصولة عملانياً عن أي بعد أو تأثير سياسيين، وأن الموضوع قضائي بحت ولا علاقة للسياسة فيه، إلا أن أوساطquot; تيار المستقبلquot; وكذلك كل قوى 14 آذار ما فتئت تؤكد أن quot;لافصل بين القضاء والسياسة في سورية، خصوصا في قضية كهذهquot;، لتخلص إلى القول إن quot;على دمشق الكف عن ممارسة أساليب اعتدناها في المرحلة التي سبقت عام ٢٠٠٥ ، ونأمل أن يكون ما حصل خطأ في الحساب وليس عوداً على بدءquot;.
وتبقى الأسئلة بلا أجوبة واضحة ، ماذا عن quot;المستقبلquot;، ليس التيار بل العلاقة بين البلدين؟ هل هي عودة المياه إلى مجاريها بين البلدين في شكل طبيعي، ونادرا ما كانت تسير في شكل طبيعي بينهما؟ أم أنها مجرد محطة موقتة ومصافحة عابرة ؟