حكايات نساء الإرهاب من القاهرة إلى كابول
قصة المرأة التي شاركت في اغتيال السادات

نبيل شرف الدين من القاهرة: نبدأ بالمعلومات.. وباستعراض آلاف الوثائق الأمنية والقضائية سنكتشف حقيقة بسيطة تؤكد أنه ليس صحيحاً أن الفتاتين اللتين أطلقتا الرصاص على حافلة سياحية بميدان السيدة عائشة جنوب القاهرة مؤخراً، قبل أن تطلق إحداهما الرصاص على الأخرى ثم تنتحر، شكلتا سابقة في العمل الإرهابي، فقد كانت هناك "سوابق" كثيرة في هذا المضمار، وربما لا يعرف كثيرون أن هناك سيدة شاركت في اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، ليس بالتخطيط أو الإعداد أو إيواء الجناة، كما قد يتبادر للأذهان لأول وهلة، ولكن بالتنفيذ أيضاً، والحكاية اكتشفت أثناء عمليات البحث عن بعض المتهمين الهاربين، التي كان يضطلع بها فريق ضخم من ضباط المباحث، وسط أجواء ضاغطة بعد اتضاح أن الأمن كان حينئذ كالزوج المخدوع آخر من يعلم، وأثناء تعقب أحد من المتهمين بإحدى ضواحي القاهرة، وحين طرق الضابط ومرافقوه باب الشقة التي توافرت معلومات بأن الهارب يقطن فيها، فتحت له سيدة محجبة، لا يشي مظهرها بما يدعو للريبة، سألها الضابط عن الشخص الهارب فأجابته بهدوء بأنها شاهدته بالفعل يدخل الشقة المواجهة، وبمجرد أن استدار الضابط حتى بادرته السيدة بنفس الهدوء بإطلاق الرصاص عليه من بندقية آلية كانت تخفيها في طيات ملابسها، ولولا أن الضابط تدحرج على السلم مضرجاً في دمائه، بما اعتقدت معه السيدة، والقوة المرافقة للضابط أيضاً أنه قضى نحبه، لكن عناية الله شاءت أن يكون مصاباً، وتم إنقاذ حياته بمعجزة طبية، واقتضى الأمر أن يستكمل علاجه خارج مصر، ليحال للتقاعد لاحقاً بعد أن أصيب بعجز طبي حال دون مواصلة عمله كضابط بالشرطة.
أما الأكثر إثارة في هذه الرواية أن هذه السيدة لم يلق القبض عليها، وتمكنت بطريقة ما غير معلومة حتى الآن من الفرار خارج مصر لتسافر إلى إحدى دول الخليج، التي كانت محطتها الأولى إلى "أرض الرباط"، كما كان يطلق على أفغانستان حينذاك، حيث اعترف بعد سنوات طويلة أحمد النجار، وهو أحد أبرز "العائدين من أفغانستان" أنها كانت تمت بصلة قرابة للسيدة فوقية جبر زوجة شكري مصطفى، مؤسس جماعة "التكفير والهجرة"، وأنها تزوجت اثنين من "عتاة المجاهدين"، إذ ارتبطت بشخص مصري، كان هو زوجها الثاني إذ طلقت من الأول الذي سافرت معه إلى الخليج، ثم تزوجت للمرة الثالثة يمنياً من مرافق أسامة بن لادن الذي أبرم بنفسه عقد زواجها في المرتين، وكان شديد الإعجاب بها وطالما أطرى على صرامتها وحذرها، ليس فقط بسبب ما سمعه من روايات تشبه الأساطير عن دورها داخل مصر وحتى فرارها ووصولها إلى أفغانستان، بل أيضاً لسلوكها في المسرح الأفغاني، حيث كانت تحرص على التدريب في ساحات القتال كالرجال تماماً، واشتهرت ببراعتها في الرماية وإعداد المتفجرات والتفخيخ والتنكر وغير ذلك.

ألغاز المنصة
ولم تكن قصة "المقاتلة الغامضة" هي اللغز الوحيد في قضية "الجهاد الكبرى" أو اغتيال السادات، بل مازالت

الرئيس المصري السابق انور السادات
هناك سلسلة من الألغاز لم يكشف عنها حتى اليوم، ويبدو أنها باتت طي النسيان، وحسب مصادر متعددة، من بينها أوراق القضية، وشهادات ضباط سابقين شاركوا في ملاحقة عناصر التنظيم، وشهادات محامين اشتركوا في الدفاع عن المتهمين، فضلاً عن دراستين مهمتين، إحداهما لحامد الأنصاري والتي حملت عنوان (المتطرفون الإسلاميون في السياسة المصرية)، والثانية لنعمة الله جنينة بعنوان (تنظيم الجهاد.. هل هو البديل الإسلامي في مصر)، وغير ذلك من المصادر والشهادات، فقد اتضحت عدة حقائق، وثارت أيضاً عدة علامات استفهام، منها على سبيل المثال لا الحصر الدور الغامض للضابط الغامض أيضاً المقدم ممدوح أبو جبل الذي نعد بتتبع سيرته، والنبش في حقيقة دوره في تحقيقات لاحقة وكذا ما أشار إليه استعراض الأوضاع الاجتماعية والثقافية للمتهمين في هذه القضية البالغ عددهم 302 شخص، فضلاً عن 41 حدثاً، يؤكد أن هناك 23 متهماً هارباً لا توجد عنهم أي معلومات في أوراق القضية، وأن هناك تسعة عشر حوكموا غيابياً، إذ تمكنوا من الهرب خارج مصر وداخلها، ولا توجد في ملفات القضية أي معلومات عنهم، وهنا تجدر الإشارة إلى أن محكمة أمن الدولة العليا كانت قد بدأت نظر هذه القضية في شهر سبتمبر من العام 1982، وعقدت المحكمة مائة وستة وثمانين جلسة، قبل النطق بالحكم "التاريخي" في الثلاثين من سبتمبر عام 1984، تضمنت أحكاماً بالبراءة لصالح مائة وتسعين من المتهمين، وأدين مائة وعشرة أشخاص، ولم تتضمن أي حكم بالإعدام، وهنا يجب التمييز بين قضيتي "اغتيال السادات" التي حوكم فيها الضابط خالد الاسلامبولي وثلاثة وعشرين متهماً آخرين أمام محكمة عسكرية، وصدر الحكم فيها في مارس 1982، بينما كانت هناك قضية أخرى عرفت باسم "الجهاد الكبرى"
حملنا هذه الألغاز إلى المسؤول الأول عن الأمن في تلك الآونة، وهو النبوي إسماعيل وزير الداخلية الأسبق، الذي دافع عن أداء أجهزة الأمن في تلك الفترة، قائلاً إن المباحث حصلت على شريط فيديو يصور أعضاء تنظيم الجهاد أثناء تدريباتهم على الرماية ومهام قتالية أخرى في مناطق صحراوية، وأنهم أعلنوا في أكثر من مناسبة اعتزامهم اغتيال السادات، الذي أبلغه النبوي بالفعل ليلة الحادث بمخاوفه، فرد السادات "ما تخفش يا نبوي، تصبح على خير"، وأنه أبلغ السادات أيضاً أن قادة الجماعة ومنهم عبود الزمر قال لمرشد سري دسه الأمن المصري في مجموعته بعد أن طلب منهم إخفاء بعض قطع السلاح : "إحنا اتكشفنا وضايعين ضايعين، ولازم نعمل حاجة كبيرة وأخيرة"، ومن هنا فقد كان هناك خطر حقيقي على حياة الرئيس الراحل، لكنه مع ذلك أصر على استمرار كل شيء بشكل عادي، بل ورفض حتى مجرد ارتداء القميص الواقي من الرصاص، فضلاً عن أن منطقة العرض العسكري لا سلطة للشرطة عليها، لأنها ضمن مسؤوليات القوات المسلحة، وأخيراً فقد أشار النبوي إسماعيل إلى أن الجناة اعترفوا في التحقيقات بعد القبض عليهم أنهم كانوا يعتزمون استهداف الجنازة بسلسلة من التفجيرات وعمليات القناصة، بعد أن عرفوا بمشاركة رؤساء الولايات المتحدة وإسرائيل وغيرهما في الجنازة، إذ فكّروا في اعتلاء إحدى البنايات وانتحال صفة عمال بناء، غير أنهم لم يتمكنوا من تنفيذ هذه الخطة بعد القبض على بعضهم، واعتراف هؤلاء بالمخطط وإجهاضه.
والحاصل أن هناك ألغازاً كثيرة في حادث المنصة مازالت في عهدة المستقبل، وما قد تكشفه شهادات عدة أشخاص سواء من الضالعين في الحدث، أو ممن شاركوا في الملاحقة، أو حققوا في هذه القضايا، وحتى يقرر هؤلاء الإفصاح عما لديهم من أسرار، ويحين "الوقت المناسب" الذي يمكنهم فيه الكلام، فإننا نحاول هنا مناقشة بعض هذه الألغاز.

نساء شكري
ومن المنصة وملابساتها وألغازها، نعود إلى دور المرأة في الأنشطة الحركية، وقصة تلك "المقاتلة الغامضة" التي لم تكن هي الحالة الأولى من نوعها لانخراط نساء في صفوف التنظيمات الإسلامية المسلحة، بل سبقتها عدة حالات أخرى، ربما كانت الريادة فيها ترجع إلى "جماعة المسلمين"، التي أسسها شكري مصطفى، واشتهرت إعلامياً باسم جماعة "التكفير والهجرة"، واختطفت الشيخ محمد حسين الذهبي وزير الأوقاف الأسبق، في صيف العام 1977، وساومت السلطات على مطالب مستحيلة التنفيذ ثم قتلوه حينما رفضت مطالبهم، وتشير أوراق هذه القضية التي نظرتها محكمة عسكرية برئاسة اللواء حسن صادق إلى أن هناك 22 سيدة في لائحة المتهمين بالانتماء إلى الجماعة، كما تشير إحدى أوراق القضية إلى أنه في يوم التاسع من يوليو عام 1977 وضع كمين من المباحث على شقة بالعقار رقم 33 شارع الدكتور حسن محمود بضاحية مصر الجديدة، حيث تمكن هذا الكمين من إلقاء القبض على المتهم الثالث في التنظيم، ويدعى أنور مأمون صقر، ومعه ثلاث سيدات، والمثير أن المباحث حين فتشت الشقة لم تعثر فقط على مسدسات وذخيرة ومستندات، بل عثرت بحوزة إحدى هؤلاء السيدات على عبوة متفجرات وفتيل، وعثرت أيضاً على "باروكة شعر" ذهبية اللون، بحوزة سيدة أخرى، واتضح من التحقيقات لاحقاً أن هذه السيدة كانت صاحبة فكرة تفخيخ ثلاث شقق كان يختبئ فيها أعضاء التنظيم، وقد أقنعت حينئذ قاتل الشيخ الذهبي، ضابط الشرطة الذي انخرط في صفوف التنظيم، المدعو أحمد طارق عبد العليم، بتجهيز الشقق بشراك خداعية لنسف أي محاولة لاقتحام هذه الشقق، وكان هذا هو ما حدث بالفعل، حيث تمكن خبير المفرقعات من إزالة واحدة منها كانت تقع بحي الزيتون، بينما رفع أعضاء الجماعة المتفجرات عن الثانية الكائنة بشارع خالد بن الوليد بالإسكندرية، أما الثالثة فكانت بمدينة المنصورة، وقد انفجرت بمجرد فتحها بمعرفة المباحث يوم 14 يوليو 1977، وفقد فيها المقدم فاروق القصبي إحدى عينيه وسمعه.
وتحمل أوراق قضية "التكفير والهجرة" تفاصيل مرعبة، يلزم التذكير بها في هذا السياق، فقد أقر شكري مصطفى أمام النيابة أنه فرض على الأبناء أن يتركوا أسرهم إذا لم يدخل الأب والأم في الجماعة، وعلى الزوجة أن تترك زوجها إذا لم يدخل في الجماعة التي كانت تتولى شؤون الأبناء من سن الرابعة عشرة حتى العشرين، وتلقنهم الدروس الدينية التي تحض على ترك التعليم النظامي، وترك القوات المسلحة والوظائف بصفتها دور للكفر، قبل أن تأخذ الجماعة عليهم البيعة بالسمع والطاعة حتى تسلبهم إرادتهم، ثم تجمع بين الرجل والمرأة عن طريق كشوف بأوصاف كل منهما ثم التلاقي دون خلوة، حتى يتم الزواج، فتقدم لهم الشقة المفروشة سكنا للجماعة، ثم في خلال سنتين أو ثلاث يقدم إلى الشخص عقد العمل في الخارج نظير إرسال نصف راتبه، وهكذا تضمن الجماعة لها الولاء والمورد، وإذا انشق أحد الزوجين على الجماعة تطلق الزوجة باعتبار أن الزوج خرج عن الجماعة وارتد وأصبح كافرا، وإذا لم يرض الزوج بتطليقها، اعتبر كافرا، وبالتالي تكون زوجته مطلقة، وعندما سئل شكري في التحقيقات: هل يكون لها الزواج ؟، أجاب : نعم، يكون لها حق الزواج من غيره، حتى لو لم يطلقها زوجها رسمياً لدى المأذون، إذا خرجت من البلاد حتى لا تخضع للقوانين الوضعية.
وفضلاً عما سبق، وفي سياق ذكر مثال حي لهذه الممارسات، فقد تسببت جماعة شكري مصطفى في هدم أسرة المواطن محمد عبد الرحمن عبد الجواد الذي كان يقيم مع أسرته بالفيوم، إذ تزوجت البنت الكبرى من أحد أعضاء الجماعة وخرجت عن طوع أبيها وأغرت أختها للزواج من أحد أفراد الجماعة فِأخرجتها عن طوع أبيها وزوجتها وسنها أقل من 16 سنة، ثم أغروا الأم بالهروب من زوجها واعتبروه كافرا، وبذلك اعتبرت مطلقة وشققوا الأسرة المكونة من ثمانية أفراد وأوقعوا الضغائن بينهم حتى تفرقوا وتشردوا.

حكاية سماسم
والملاحظ من خلال عمليات الرصد الاجتماعي أن فريقاً من النساء يرتدين النقاب على سبيل التطرف وحسب، والفريق الثاني يفعلن ذلك لأنهن لا يملكن سوى طاعة أزواجهن أو اخوتهن من المتشددين، أما الفريق الثالث فيرتدين النقاب لأسباب حركية ودوافع تنظيمية بحتة كالتخطيط لعمليات عنف، ومن حادث المنصة إلى حي إمبابة بالجيزة، وأثناء البحث عن القيادي الشهير جابر ريان، الذي فرض سطوته على الحي الشعبي العشوائي برمته، وأعلن ما كان يطلق عليه "تندراً" حينئذ في مصر "جمهورية إمبابة"، وحينما ألقت أجهزة الأمن القبض على ريان في شقة سيدة مطلقة كانت قد انضمت إلى جماعته وتزوجها وأصبحت تحمل لقب "أم المؤمنين"، اعترفت بأنها ومعها ثلاث سيدات أخريات كن يشاركن في حوادث إضرام النيران بأندية الفيديو ومحلات الكوافير بحي عين شمس، بالإضافة إلى قيامهن بإخفاء أعضاء الجماعات الفارين من الملاحقة.
وتشير معلومات أجهزة الأمن إلى مطلقة أخرى لعبت دوراً حركياً اسمها سماسم عبد الفتاح عبد الرحيم، وكانت شابة في الثلاثين من عمرها وتقيم بضاحية عين شمس بالقاهرة حينما انضمت إلى تنظيم "الجماعة الإسلامية"، وأصبحت من العضوات النشيطات به، وتبدأ حكاية "سماسم" مع الإرهاب على يد شخص يدعى عشري محمد إبراهيم، وهو نجار حبس على ذمة إحدى قضايا الإرهاب، وكان "عشري" قد جندها قبل أن يقنعها بالطلاق من زوجها، بزعم أنه مرتد ولا يجوز لها الاستمرار في ارتباطها به، لكن عشري سقط في قبضة أجهزة الأمن لاحقاً، وكانت سماسم تتردد على زيارته في السجن واتضح في ما بعد أنها لعبت دوراً حركياً في نقل التكليفات الخاصة بخطط التنظيم الذي أحرق محال الفيديو بعين شمس والزاوية، من داخل السجن إلى العناصر المخولة بالتنفيذ.
كما تمكنت "سماسم" من تجنيد فتاتين وضمهما إلى تنظيم الجماعة الإسلامية وهما : سيدة محمد جاد الرب - 18 سنة - وهى خطيبة أحد أعضاء الجماعة الذين اتهموا في قضايا تفجير المنشآت السياحية والاعتداء على السياح الأجانب، أما الثانية فهي سيدة مرزوق والتي كانت تبلغ من العمر حينئذ نحو 25 عاما وقد أدلت السيدتان باعترافات هامة ومثيرة، قالتا فيها إنهم كانتاتخلعان النقاب عند استطلاع المواقع المستهدفة ثمتبحثان فيوسيلة لتنفيذ الخطة، وقد شاركتا بالفعل في تنفيذ 13 عملية إرهابية، شملت حرق ثلاث سيارات وأربعة محلات وخمسة أندية للفيديو ومحل كوافير سيدات، وامتد مجال نشاطهما إلى منطقتي شبرا والزيتون بالإضافة إلى منطقة عين شمس شرق القاهرة.
وكذلك استخدمت الجماعات الإسلامية الراديكالية المرأة كعنصر جذب لاستقطاب أعضاء جدد إلى صفوف التنظيم، أو كمكافأة لهم على بعض العمليات التي قاموا بتنفيذها، حيث يقوم أمير الجماعة بتزويج أحد الأعضاء بـ "أخت" من التنظيم يختارها له، وغالبا ما يكون الزواج مجانا على طريقة "وهبتك نفسي"، ولا يتوقف الإعفاء عند هذا الحد بل يشمل أيضاً أعباء المهر والمسكن وكافة النفقات الأخرى، ومن المنطقي بعد الزواج أن تتحول الزوجة إلى أداة لا تملك مجرد مناقشة أوامر الزوج، بل تتفانى في تنفيذ كل ما يطلب منها حتى لو كان ذلك يدخل في دائرة التورط في القيام بعمليات الاستطلاع أو حمل ونقل المواد المتفجرة والأسلحة، وفي بعض الأحيان تتولى مهمة بأكملها مثل القيام بحرق المحال أو السيارات التي يخطط لها التنظيم وفي أضعف الأحوال نقل التكليفات.

منتقبات وحكايات
وحسب لواء شرطة سابق عمل قرابة 35 عاماً في مجال الأمن السياسي، فإن الاستعانة بالنساء في العمل الحركي يحدث بين الحين والآخر من باب تغيير التكتيك لتضليل أجهزة الأمن عندما يتم تكثيف الإجراءات لمواجهة العناصر الإرهابية، لافتاً إلى "أن جماعات الإرهاب قطعت شوطاً طويلاً في تجنيد النساء داخل التنظيمات في إطار النشاط الحركي، وقد بلغ هذا النجاح ذروته بشكل خاص مع أقاربهم وزوجاتهم وأخواتهم، حتى يسهل اعتناق أفكارهم، وأعرب اللواء السابق الذي تحفظ على ذكر اسمه، عن مخاوفه من أنه عندما يستخدم النقاب في إخفاء القنابل أو الأسلحة أو كوسيلة للتنكر، فهنا تكمن الخطورة خاصة وأنه يصعب التعرف على شخصية هذه المنتقبة، أو حتى التحقق مما إذا كانت سيدة أم رجلا متنكراً، ولعل الواقعة الشهيرة التي حدثت داخل أحد السجون المصرية قبل أعوام، حينما تمكن سجين من الهرب بعد أن زارته إحدى المنتقبات وأخفت معها النقاب وجلباباً أسود ارتداه الرجل وخرج ببساطة دون أن يشك فيه أحد، ثم خرجت الفتاة بعده، ولم يكتشف الأمر إلا بعد أن تبين اختفاء السجين.
كان الاعتقاد السائد في أوساط أجهزة الأمن والمراقبين لفترة طويلة أن استغلال النساء في الأنشطة الإرهابية مقصورا على عملها "كبوسطجي"، بمعنى أنها تتولى مهمة توصيل الرسائل من قيادات التنظيم المحبوسين أو المعتقلين في السجون أثناء زيارتهم وإلى أعضاء الجماعات خارج السجن، وتتضمن هذه الرسائل في الغالب تكليفات بعمليات إرهابية أو التخطيط لحوادث اغتيال أو سرقة محلات للذهب أو حرق لأندية الفيديو ومحلات الكوافير وغيرها، لكن هذا الأسلوب شهد تطورات مذهلة، خاصة بعد مشاركة عضوات التنظيم في تنفيذ بعض هذه الحوادث أيضا، وهو الأمر الذي وقع بالفعل في حوادث السطو على محال الذهب، ومحال الفيديو في شبرا الخيمة وعين شمس كما أشرنا من قبل.
وكما شاركت "الأخوات المنتقبات" في تنفيذ عمليات إرهابية، فإنهن أيضا شاركن في دور آخر مفضل لدى فقهاء وأمراء جماعات الإرهاب، وقد ورد في اعترافات المتهم سيد عبد الرازق بدري الذي ألقي القبض عليه ضمن تنظيم "طلائع الفتح"، أن أمير الجماعة عادل عوض صيام قام بتزويجه لفتاة صغيرة "من الأخوات عضوات التنظيم" ودفع له مبلغ ألف جنيه لتقديمها شبكة لزوجته، واستأجر له شقة يقيمان بها، وظل "الأمير" يتولى الإنفاق عليهما قبل أن يكلفه بتنفيذ عمليات السطو المسلح على محلات الذهب بمنطقتي الزيتون والخانكة، والاشتراك في محاولة اغتيال المقدم محمد عوض مأمور سجن استئناف ليمان طرة.
كما اعترفت منال أبو رواش زوجة قائد مجموعة السطو على محال الذهب بالزيتون، أنها كانت تعلم بأنشطة زوجها الحركية الذي كان يصحو ليلا ليتدرب على إطلاق الرصاص في مكان خصصه لذلك، ولم يكن ينام إلا وبجواره سلاحه الآلي، وأضافت الزوجة في أقوالها بالتحقيقات إنه دربها على استخدام المسدسات والبنادق.
أما في محافظات الصعيد ولاعتبارات اجتماعية محضة يقل الاعتماد على المرأة في المهام الحركية، وإن كان يبقى لها دور ما في هذه العمليات كما سبقت الإشارة يقتصر عادة على مهمة "البوسطجي"، أي نقل الرسائل والأموال والتكليفات، وفي أسوأ الفروض إخفاء الهاربين من الملاحقة الأمنية، أو إخفاء الأسلحة والذخائر التي يستخدمها أعضاء التنظيم في عملياتهم.

[email protected]