النخيل العماني ينتج 40 صنفا من التمور المعروفة


حيدر عبدالرضا من مسقط: لا تخلو منطقة واحدة في عمان من أشجار النخيل، بل أصبح المرء لا يتخيل اليوم بناء شارع حديث بدون أشجار النخيل. فقد أصبحت الشوارع في العاصمة مسقط مزانة بتلك الأشجار التي يستنفع منها البشر والطيرخاصة في فترة الصيف حيث يبدأ موسم قطاف ثمارها. ونتيجة لأهمية هذه الشجرة التي ورد ذكرها في القران الكريم فقد اهتم بها كل فرد عماني وتتخذ بعض الولايات العمانية منها شعارا، في الوقت الذي تستخدم ثمرتها ونواتها وأوراقها ومنتجاتها الأخرى في مختلف شؤون الحياة.
والنخيل في عمان هي من أشهر الأشجار وأكثرها انتشارا تنتصب باسقة في كل شبر من أرض السلطنة، ويقدر عددها بحوالي ثمانية ملايين نخلة موزعة على مختلف المناطق. وفي السلطنة ككل يوجد أكثر من 40 صنفا من التمور، ولو أخذ بعين الاعتبار الأصناف الناتجة من البذرة (الفلح) فالعدد يتجاوز الثلاثمائة صنف. وبعض هذه التمور تعتبر من أجود الأصناف في العالم مثل quot;الخلاص والخصاب والزبد والمد لوكي والنغال والصلاني وأم السلا والفرض والبرني والحنضل والهلالي والمبسلي والخنيزي وأبو نارنجة والمضارب والمزناجquot; وغيرها كثيرة.
ويبدأ حصاد محصولها المبكر في الفترة من أواخر يوليو ونهاية أغسطس، والمحصول المتوسط في الأسبوع الأخير من أغسطس وحتى أواخر سبتمبر، ومن ثم المحصول المتأخر ويبدأ حصاده خلال شهر اكتوبر ونوفمبر ويستمر حتى ديسمبر. وتقدر المساحة المزروعة بالنخيل في عمان بحوالي 20000 هكتار قابلة للزيادة وذلك لكون مناخ السلطنة يتميز بجميع الصفات الملائمة لنمو ونجاح وزراعة النخيل.

زراعة النخيل

تزرع شجرة النخيل في مختلف أنواع التربة، وهي ذات قدرة على تحمل الأملاح أكثر من غيرها من أشجار الفاكهة، ولكن المحصول الجيد منها يأتي في الأراضي الخصبة الخالية من الأملاح، ويتم إكثار النخيل في السلطنة بطريقتين وهي بزراعة البذور (الفلح) أو عن طريق الفسائل وهذا الطريقة هي الاكثر اتباعا. والفسائل هي اولاد النخل. وتلد النخلة وهي صغيرة، وقد تلد عددا من الفسائل، فتنموا وتترعرع في أحضانها، وتتغذى بغذائها لا يفصلهما عنها فاصل أبدا إلى أن يبلغ هؤلاء الفسائل حدا معروفا، حيث يقوم المزارع عندئذ بفصلهم واحدا بعد الآخروفي أوقات متباعدة بمقدارعام كامل، فلوا أنهم فصلوا دفعة واحدة فإن الأم تتضرر وتمرض كثيرا بل قد تموت. ويجب أن يكون فصل الفسائل بعناية ومهارة وخبرة بحيث لا تتأثر قاعدتها (العجز) وان تكون عروقها غير مستأصلة quot;ولا مرضوضة رضاquot; يفتتها أي يجب أت تكون أصول عروقها سليمة قابلة لامتصاص الماء عند غرسها. ويجب أن يعد لها حفرة بمساحة ربع متر مربع، وبعمق متر وهذا تقدير متوسط. وعند سقيها بالماء يجب أن لا يغطي أكثر من نصف ساقها الظاهر في الحفرة، فلا ينبغي أن يغمرها بالماء وإلا تقوقعت وتوقف نموها.
والنخلة شجرة صبورة قوية في وجه الأعاصير وصامدة في العراء. وهي معمرة تعيش طويلا وتعطي كثيرا إذا وجدت من يهتم بها ويرعاها فهي تحتاج إلى من يقوم بتشذيبها وتكريبها وتنبيتها وتحديرها، وquot;التشذيبquot; هو عملية قص السعف الزائد المتيبس على النخلة، وquot;التكريبquot; عملية تهذيب الكرب حتى ييسر تسلق البيدار (المزارع) عليه الى أعلى النخلة كلما نمت، وquot;التنبيتquot; عملية التلقيح عن طريق نقل مادة اللقاح من غبار الطلع من ذكر النخيل (الفحول) إلى إناثها لكي تثمر، أما quot;التحديرquot; فهي عملية بعد التلقيح بشهر تقريبا، حيث يصعد البيدار إلى أعلى النخلة ويقوم بحني (العذق) أي الغصن الذي سيحمل ثمار البلح، وهو يحنيه حتى يبدو على شكل هلال منحني إلى أسفل، وذلك حتى يسهل عليه حين يصير رطبا أن يقطفه من النخلة، ولو لم تتم هذه العملية لارتفع العذق إلى أعلى مما يؤدي إلى صعوبة جني الرطب منه فيما بعد ونتيجة لعملية التحدير هذه فإن النخلة في موسم النضج تحمل ثمارها على شكل دائري منظم بديع.

المركبات الغذائية للنخيل واستخداماتها

تعد ثمار النخيل الرطب والتمر من الفواكه الغنية بالمركبات الغذائية الأساسية إذ تحتوي على الكربوهيدرات والبروتينات والفيتامينات والأملاح المعدنية، وتعتبر السكريات من أهم مركباتها حيث تمثل 70% من الوزن الجاف للتمور المنزوعة النوى، ونتيجة لاحتواء التمر على هذه النسبة العالية من السكريات فإنه يمنع تكاثر الجراثيم فيه مما يجعله طعاما صحيا وذلك على عكس كثير من الفواكه الطازجة الأخرى التي لها قابلية لنشر الأمراض والفساد بسرعة. وتبلغ السعرات الحرارية في التمور حوالي 280 سعر لكل 100 جرام وهو يتفوق بذلك على الأطعمة الأساسية الأخرى التي يتناولها الفرد الواحد، لذلك لا عجب إن كان الأفراد يحرصون على تناوله دوما.
وللتمر أهمية خاصة عند سكان الصحراء وكذالك البحارة في بيئتهم القاسية القاحلة حيث يعد غذاء رئيسيا يتناولونه ليمدهم بالقوة والمناعة. وفي العادات والتقاليد العمانية تعد quot;فوالةquot; التمر أو الرطب والقهوة العمانية من أهم ميزات وسمات الضيافة في البيوت العمانية. وتستخدم بذور الثمار (الفلح) مع الأصناف الرديئة كغذاء للحيوان وquot;الجذبquot; المستخرج من قلب الفاكهة لذيذة الطعم. كذلك تستخدم أغصان وجذوع وخوص وليف شجرة النخيل في الصناعات اليدوية كصناعة الأوعية والأواني وصناعة الحصر والسميم والعزف وكذلك السلال وصناعة الدعون التي تبنى بها المنازل كالعرشان والسبل، وفي صناعة قوارب الشاش التقليدية للصيد البحري، وفي صناعة quot;اقفاص الطيور والمباخر والمكانس والمشاخل وصناعة الحبال وصناعة عوارض لأسقف المنازل الطينية والعرشان وأسقف الافلاج من جذوع النخيلquot;، كما تستخدم الجذوع المجوفة لتربية النحل فيها، ومن الخوص تصنع لعب الأطفال على شكل مراوح وقناديل وحيوانات كالجمال والخيول.
وفي الصناعات الحديثة يتم الاستفادة من بقايا ومخلفات النخيل بما فيها الأغصان لصناعة الخشب المضغوط والصناعات الورقية والإستفادة من التمور في صناعة العصائر المركزة والسكر السائل والكحول الطبي وغيرها من المنتجات. وعسل التمر (الدبس) يستخدم كغذاء ودواء حيث يمزج مع عدد من أصناف المأكولات المعروفة عند العمانيين، ويستخدم كدواء لاحتوائه على نسبة أكبر من الفيتامينات والأملاح والمعادن ذات القيمة الغذائية.
ومن هذا المنطلق أعطت الحكومة العمانية أهمية كبيرا لزراعة النخيل وذلك لتنويع مصادر الدخل من المنتجات غير النفطية وباعتبارها محصول يمثل جزءا من التراث العماني. كما وفرت الخبراء المختصين لمتابعة ورعاية مزارع النخيل في عمان وارشاد المزارعين للأساليب الصحية في زراعة النخيل وجنيها وحمايتها من الأمراض، وتشجيع المزارعين لإحلال الأصناف الجيدة محل الرديئة، وتوفير طرق وأساليب الزراعة الحديثة من خرائط المسح الجوي وماكنة زراعة البساتين واستخدام الأسمدة والتشذيب لتحسين الانتاجية. كما وفرت الحكومة خدمات رش المبيدات، وساهم حظر استيراد فسائل النخيل المستوردة في حماية الأنواع المحلية من النخيل من الأمراض.

صناعة التمور العمانية

كما قامت الحكومة بإنشاء مصانع للتمور في نزوى والرستاق بهدف مساعدة المزارعين على تصريف فائض غلتهم من التمور المختلفة بأسعار مدعومة تشجيعا لهم على التمسك بزراعة النخيل والتوسع فيها، خاصة وأن جودة التمور العمانية ومطابقتها للمواصفات العالمية وقيمتها الغذائية الغالية زاد من استهلاكها محليا وخارجيا. وتقوم الحكومة كذلك بشراء وتسويق تلك التمور لاتسخامها في صناعات حديثة حيث قامت بعض مصانع المواد الغذائية اهتماما بادخال التمور في منتجات المخابز وصناعة أغذية الأطفال. وتعتبر التمور العمانية أحد مصادر الدخل القومي لما تمتاز به من شهرة عالمية. كما أصبح الزائر الأجنبي يتذوق تلك التمور على متن الرحلات الجوية العمانية والخليجية الأخرى، وغالبا ما يتم توزيعها في المعارض الدولية على الضيوف الذين يقومون بزيارة الأجنحة العمانية والخليجية. وتجرى هناك الان دراسات لزيادة الاستفادة من استخدامات التمور سواء إن كانت على شكل طازجة أو التمور اليابسة وكيفية زيادة استخداماتها في الصناعات الحديثة.