أسامة العيسة من القدس: تشكل الصخرة الموجودة في قلب مسجد قبة الصخرة المذهبة في الحرم القدسي الشريف، وتطلق عليه كثير من وسائل الإعلام خطا (المسجد الأقصى) مثالا على الخلاف بين ما يمكن تسميته quot;التدين الشعبيquot;، والمدافعين عن يمسونه quot;صحيح الدينquot; وهو الخلاف المستمر منذ قرون، وعاد للظهور مع الاهتمام الذي يبديه أفراد طائفة البهرة بها.
وعلى مدى أجيال طور حول الصخرة ميثولوجيا إسلامية، وهي عبارة عن صخرة طبيعية تتراوح أبعادها بين

البناء حول الصخرة
حوالي 13 و18 متراً، وارتفاعها نحو المترين، وبداخلها مغارة تسمى مغارة الأرواح.
وترتبط الصخرة بالاعتقاد الشعبي بأنها المكان الذي عرج منه الرسول العربي في ليلة الإسراء والمعراج، ولذا فإنها اكتسبت قداسة على مدى قرون، وكان لها نصيب من الفقه الإسلامي الذي طور فرعا له عرف باسم (فضائل بيت المقدس) كان للصخرة نصيب مهم فيه ووضعت الكتب حولها فيما سمى (فضائل صخرة بيت المقدس) رغم معارضة علماء التيار الديني الإسلامي السني الكلاسيكي لذلك.
ولفتت الصخرة انتباه الرحالة الذين زاروا القدس طوال عهود، وكتبوا بالتفصيل عن الصخرة، التي بنى عليها الخليفة الأموي عبد الملك بين مروان مسجد قبة الصخرة، الذي يحظى بشهرة عالمية كأحد أهم البنايات في العالم.
سطح الصخرة
واتهم عبد الملك بأنه بنى هذا المسجد، لصرف أنظار المسلمين عن ثورة خصمه السياسي عبد الله بن الزبير الذي سيطر على مكة المكرمة، وتحكم في الحج، واراد عبد الملك لفت انتباه المسلمين إلى أولى القبلتين ببناء مسجد فوق الصخرة يطل على المسجد الأقصى.
ومثلما حدث في عهود قديمة، فان كثيرا من زوار الحرم القدسي الشريف يزورون الصخرة وينظرون إليها بنوع من التقديس، يساعد عليه ما يروجه بعض الموظفين المحليين من كبار السن الذين يدلون الزوار على ما يقولون انه آثار قدمي النبي محمد عندما عرج إلى السماء وطارت الصخرة خلفه ولكنه توقفت وبقيت في محلها عندما أمرها النبي بان لا تلحقه.
ويتصدى بعض المهتمين من الشبان لمثل هذا الترويج مشددين على أن الحديث عن صخرة طبيعية ليس فيها أية ميزة خارقة للعادة.
ويقول الباحث احمد فتحي خليفة عن الصخرة quot;قيل فيها أقاويل كثيرة، منهم من قال أنها تقف في الهواء، ومنهم من قال أن مياها وجداول عظيمة تجري من تحتها، ومنهم من بالغ بقوله أنها لحقت رسول الله عليه والسلام عند معراجه، وكل هذه الروايات من نسج الخيال، ولم يفحص الأمر علميا ولم يرد فيه دليلquot;.
ولا تقنع مثل هذه الأقوال الذين يزورون الصخرة، ويدخلون إلى مغارتها التي يوجد فيها محراب على يمين الداخل يسمى مقام الخضر، والثاني على اليسار يسمى مقام إبراهيم.
وارتفاع المغارة يبلغ نحو ثلاثة أمتار وفي سقفها تجويف يعتقد الذين يؤمنون بقدسية الصخرة، بأنه التجويف الذي عرج منه الرسول إلى السماء ولكن خليفة يقول بأنه quot;يعود إلى عهد قديم، جعل للتهوية على من هم داخل المغارةquot;.
مدخل مغارة الصخرة
ويوجد على طرف الصخرة الغربي خزانة داخلها زجاجة يقال بأنها تحوي شعرات من راس الرسول، وتحت الخزانة حجر صغير محمول على ستة أعمدة صغيرة، يزعم أن عليه آثار قدم الرسول، وفقا للاعتقادات الشعبية.
وتنسج المعتقدات الشعبية الكثير من الهالات حول الصخرة مثل أنها من صخور الجنّة، وإليها المحضر ومنها المنشر، ومياه الأرض كلها تخرج من تحت الصخرةّّ، وعليها أثر أصابع الملائكة، وأنها على نهر من أنهار الجنّة، والمياه العذبة والرياح اللواقح من تحت صخرة ببيت المقدس، وأنها عرش الله الأدنى، ومن تحتها بسطت الأرض، وأنها وسط الدنيا، وأوسط الأرض كلها، ولها مكانة الحجر الأسود في الكعبة.
وما زال الكثيرون يعتقدون بكل ذلك واكثر منه، رغم أن الحملة التي بدأها قديما علماء مسلمون ضد هذه الاعتقادات، وكانت اشدها ما شنه الفقيه الشهير ابن تيمية الذي يلقب بشيخ الإسلام، والفقيه ابن القيم الذي شكك في صحة الأحاديث المنسوبة للنبي حول الصخرة واعتبر أن ما يدور حولها من حكايات والإشارة إلى موضع قدم النبي عليها بأنه كذب وانه quot;مما عملته أيدي المزورين، الذين يروجون لها ليكثر سواد الزائرينquot;.
وهو ربما ما يحدث حتى الان، حيث تشجع الحكايات حول الصخرة المزيد من الزوار إلى الإتيان إليها حتى من الأصقاع البعيدة مثل أفراد طائفة البهرة الذين يأتون من الهند في مجموعات مرتدين لباسا مميزا من اللونين الأبيض والبرتقالي.
ولا يختلط هؤلاء مع باقي المصلين، وقال أحدهم لمراسلنا بان زيارة القدس والحرم القدسي الشريف من أمنيات أي فرد في الطائفة، وان معظمهم يدخل إلى فلسطين عبر جسر اللنبي على نهر الأردن، مشيرا إلى انهم لا يلقون أية معاملة خاصة من السلطات الإسرائيلية، بل يتم تأخيرهم لساعات على الجسر، وإخضاعهم لاستجواب من قبل محققي جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك).
يصليان داخل مغارة الصخرة
وأشار إلى أن الطائفة مسالمة ومتماسكة، ولهذا تراهم يأتون في مجموعات من الرجال والنساء والأطفال يرتدون نفس الملابس وللحرم القدسي مكانة عظيمة لديهم.
وأضاف بأنهم يؤمنون بفضائل بيت المقدس، وبالأحاديث الشريفة حوله، وبان تقديسهم لا يقتصر على الصخرة ولكن على المسجد الأقصى والمرافق الأخرى داخل الحرم القدسي الشريف.
وقال بأنه لا يفضل الدخول في أي جدال حول الصخرة أو غيرها من مواضيع، وان المهم بالنسبة لكل شخص هو إيمانه واتساقه مع نفسه، وان لا يشكل هذا الإيمان تعديا على مشاعر الآخرين.
وختم حديثه quot;للقدس والحرم القدسي مكانة عظيمة لدينا من الصعب التعبير عنها بالكلامquot;.