هزم إسرائيل بدموعه وخصومه ببرودة تمضغ حتى المياه

لم يسع فؤاد السنيورة إلى الأضواء بل هي سعت إليه من البدايات . فالمصادفات القدرية شاءت للرجل الذي ولد عام استقل لبنان عن فرنسا في 1943 أن يكون منذ صغره رفيقاً لرفيق الحريري ابن صيدا الفقير الذي وحوّل أسطورة نجاح في المال فالسياسة وجاء معه إلى وزارة المال بصديق عمره ابن عاصمة الجنوب الآخر فؤاد الذي نال شهادة الماجيستير في ادارة الاعمال من الجامعة الاميركية في بيروت عام 1970 وتولى التدريس في الجامعتين اللبنانية والاميركية في بيروت وأصبح عام 1982 رئيس لجنة الرقابة على المصارف. هكذا أصبح السنيورة وزير دولة للشؤون المالية في الحكومات التر ترأسها الحريري بين الأعوام 1992 - 98 19ووزيرا للمال في 2004 ، فرئيساً لمجلس الوزراء بعد اغتيال صديقه الحريري عام 2005. منصب يواجه فيه الأهوال فلا يتزحزح ولا ينفعل إلا إذا غلبته العاطفة فانهمرت دموعه حينما كان يتكلم على أطفال وطنه ضحايا القنابل الإسرائيلية أمام مجلس وزراء الخارجية العرب في بيروت الصيف الماضي. دموع سيسخر منها خصومه ويقولون ليس هكذا يواجه العدوان، لكن السنيورة عرف أن يخرج تباعاً الإسرائيليين من بلاده بدعم دولي وعربي قل نظيره، واتكأ على عزم اللبنانيين لجبه النكبات والحروب المفروضة عليهم، فكان باستحقاق رجل العام واللحظة أيضاً، مطلقاً في أزمان الأوجاع سلسلة خطب شهيرة اصابت العالم بوطنيتها اللبنانية وعروبة ابن صيدا حتى أدق الشرايين والكريات .
قامة وطنية فؤاد السنيورة ، وشخصية راهنت على استقلالها، وعلى مشروعيتها القانونية الدستورية. رئيس حكومة يصوغ كل أدواته السياسية والديبلوماسية والديموقراطية والسيادية والاستقلالية في وجه العدوان الاسرائيلي ، كما في وجه هجوم سافر عليه وعلى من يمثل يتخذ نهجاً شخصياً ضده غالباً، وذلك تحت شعارات مختلطة تستمد أبعادها من دمشق وطهران حسب يقين مؤيدي السنيورة ومناصري حكومته quot;الإستقلاليةquot; كما يصفونها، في حين يراها خصوم الرجل وخطه السياسي مغالية في الإتكال على غالبية نيابية وشعبية يشككون فيها، على الدعم العربي والدولي لها في وجه فئة واسعة من اللبنانيين المعترضين على توجهاتها، ولا سيما من quot;حزب اللهquot; وحلفائه، وما يمثل هذا الحزب.
منذ شهرين يتعرض فؤاد السنيورة لكلام شنيع قاس في شكل غير مألوف يطلقه بعض الساسة من حلفاء دمشق وطهران كأنه من الشخصيات الجوفاء التي تحويها السياسة اللبنانية ولكنه يمضي في خطه وسياسته التي يرها الأفضل للبنان المستقل ، ولخطة الإنقاذ الإقتصادية التي تعوّل على دعم quot;مؤتمر باريس- 3quot; .
لا شك أن في أن السنيورة يمثل فريقا سياسيا معينا، وانه يمثل خطا سياسيا معينا، وانه ملتزم كليا قرارات قوى14 آذار/ مارس المناهضة لسورية في الخطأ أو في الصواب. أما أن يشكك في أخلاقه وأدائه ومشاعره الوطنية، فهذا ظلم مفضوح. وهذا كلام سياسي في حرب سياسية طاحنة، تجوز فيها كل الأشياء وتستخدم فيها كل الأسلحة وتقال فيها كل التعابير، ولكن ليس فيها تهمة رئيسية واحدة تمت إلى الحقيقة.
وحتى اليوم ، وإلى أجل غير منظور يصمد السنيورة في مقر رئاسة مجلس الوزراء في السرايا المحاصرة بمعسكر الخيم والإعتصامات المتواصلة الباحثة عبثاً عن أفق لتستمر، ولم يفقد يوماً يوماً أعصابه في رده على ما يكيله له منتقدوه بفظاظة قل نظيرها. ولعلّ سره في ما روى عنه الكاتب الصحافي سمير عطالله إذ قال : quot; اخبرني أن والده (أبو سامي) قد أوصاه، ليس بأن يعد إلى العشرة قبل أن يأتي برد فعل بل إلى المئة. وقال له: laquo;من اجل أن تهضم الأشياء حقاً، يجب أن تمضغ كل شيء. كل شيء حتى المياهraquo;. والذين يسألونني من أين لفؤاد السنيورة كل هذه الأعصاب، أحيلهم على نصيحة أبي سامي، الذي عاش 104 سنوات، لا يغضب ولا ينفعلquot;.