محمد قاسم من بغداد: يتزامن حلول شهر محرم الحرام هذا العام في العراق مع اقتراب تنفيذ الخطة الامنية الجديدة وبداية مقدماتها مما جعل احياء الشعائر والطقوس في هذا الشهر اكثر امانا من الاعوام السابقة؛ حيث ان نقاط التفتيش منتشرة في كل مكان وخصوصا في المناطق الشعبية الشيعية والمساجد والحسينيات متشحة بالسواد والاعلام التي تذكر بما جرى في كربلاء قبل نحو1400عام. وزاد بعض السكان باكساء اسيجة البيوت بالسواد. وارتدى الشباب والنساء ملابس سودا حزنا على مقتل الامام الحسسين (ع)الذي يتم التفرغ لذكرى مقتله من معظم العراقيين بقراءة سيرته في شهر محرم من كل سنة هجرية..

ايلاف زارت اكثر المناطق انشغالا باحياء هذه المناسبة فلاحظنا ان جميع الاطفال يرتدون السواد من عمر سنة واحدة فما فوق اما الاطفال دون السنة فقد البسهم اهلهم ثياب لونها اخضر وهذه من ضمن التقاليد المعروفة في هذا الشهر تشبها باطفال الامام الحسين حسب بعض الروايات.

وكل منطقة او حي تم تخصيص احدى الساحات لاقامة مكان خاص بــ(المجلس الحسيني) والذي هو عبارة عن القاء محاضرة دينية يتطرق فيها الخطيب لقضية الامام الحسين وغالبا ماتنتهي المحاضرة ببكاء الناس الحاضرين بعدما يتطرق الخطيب لاحد محاور معركة كربلاء التي استشهد فيها الامام الحسين هو واصحابة وابنائة واخوته وبعض اطفاله.. ويختم الخطيب المحاضرة بالدعاء الى الله بغفران الذنوب وكشف الغمة عن الامة.

ثم ياتي دور (الرادود) وهو شخص عادة مايكون شاب يقوم بقراءة قصيدة من الشعر باللهجة الشعبية وتسمى (لطمية) حيث يردد الحاضرون مطلع القصيدة فقط والرادود يقرأ باقي القصيدة عليهم وهم يضربون صدورهم بايديهم حزنا على ماجرى في كربلاء.

ويشترك السنة مع الشيعة في احياء ذكرى عاشوراء اذ اتشحت بيوت اهل السنة في مدينة الصدر ومدن اخرى بالسواد ايضا فالحسين كما يقولون ملك لكل المسلمين واحياء فاجعته واجب عليهم ايضا.

ومن ضمن الشعائر التي لاحظناها هي المواكب وتسمى (المواكب الحسينية) وتتكون من عدد كبير من الشباب المتشحين بالسواد يقومون ببعض الفعاليات التي تنقسم الى قسمين:اولاًًَ الزنجيل: حيث يقوم هؤلاء الشباب بالسير لمسافات طويلة ببطء وبانتظام ويتخلل مشيهم قراءة قصيدة حسينية من قبل احد الرواديد والشباب يضربون ظهورهم بواسطة قبضة من الخشب ومعلق فيها سلاسل حديدية، ويكون الضرب متزامن مع نهاية كل مقطع من القصيدة...
والقسم الثاني: التطبير الذي يكون مشابة لموكب الزنجيل لكن الشباب يضربون رؤوسهم بواسطة سيوف حقيقية او قامات وهي سيوف مستقيمة وقصيرة فيسيل الدم من رؤوسهم بعد ان يتم احداث جرح ف مقدمة الراس اما بنفس السيف او بواسطة موس حلاقة ثم يتم الضرب بالجانب العرضي للسيف او القامة.. وهم يهتفون باسماء اهل بيت النبي وغالباا مايرددون كلمة حيدر حيدر (احد اسماء الامام علي). لكن موكب الزنجيل يكون يوميا في شهر محرم ولاكثر من مرة في اليوم اما موكب التطبير فلا يكون الا في اليوم العاشر من محرم، ويسبق هذه المواكب تناول وجبة من الطعام يقدمها راعي الموكب وعادة مايكون احد الوجهاء يقدم الاكلة المعروفة لدى العراقيين المسماة(تمن وقيمة) وهي مكونة من الرز مع حساء العدس المهروس مع اللحم.

ويعلل المتابعون اقبال شيعة العراق الكبير على احياء ذكرى عاشوراء والمبالغة بها لانها كانت ممنوعة في زمن صدام حيث كان الرفاق البعثيون يتنقلون بين البيوت والازقة من اجل ملاحقة من يقوم باي شيء يوحي باحياء هذه الواقعة. و يكون مصير من يلقى عليه القبض السجن وقبله التعذيب وربما الاعدام في بعض الاحيان، ولأن كل ممنوع مرغوب فكان البعض من الناس يقيم مجلس عزاء الحسين في بيته رغم الخطر الشديد اما اليوم فالجميع يحيي هذه المناسبة في هذه الايام من السنة بالرغم من تهديدات التكفيريين الذين يصفون هذه الفعاليات بانها كفر وشرك ويراها الشيعة بانها احياء لمناسبة اليمة تجنبا لتكرارها..
ومن بين اصحاب المواكب تعرفنا الى (ابو حيدر) وهو رجل تجاوز الـ45 من العمر و يقيم موكب تطبير كل سنة منذ عام 2003 ويقول انه لن يترك هذا الامر ابدا حتى لو تعرض للتهديد او القتل. وهو راي جميع اصحاب المواكب وهم من كبارالسن حيث يجيبون بنفس هذا الكلام مع اختلاف التعابير وهم يعلمون ابنائهم ويوصونهم بضرورة احيائها.

اما في صباح اليوم العاشر من محرم فيتجمع الناس في بعض الساحات من اجل مشاهدة ( التشابية) والتي هي مشاهد تمثيلية يقوم بها عدد من الشباب يجسدون شخصية الامام الحسين واصحابه وشخصيات اعدائه ويمثلون الواقعة التي جرت معركة كربلاء... وتتم هذه التشابية بعد تدريب على ممارسة وتوزيع الادوار حسب الشخصيات التاريخية التي تذكرها الروايات وغالبا ما ينشد الناس للتشابية وسط حالة من البكاء الشديد وبعد ان تنقضي المسألة ويتفرق الناس يتعرض بعض من جسد شخصية اعداء الامام الحسين الى المطاردة والضرب من قبل الناس فيضطر بعضهم الى احضار صديق او ابن معه ملابس سود (دشداشة) ليستبدل ثيابه بسرعة تجنبا لهجوم الغاضبين.

ولم تكن ذكرى عاشوراء تنفذ بذات الادوات اذ دخل استخدام الكميوتر اليوم وبعض الموسيقى في الاناشيد واستخدام شاشات كبيرة مع كاميرات تدور بين الحتضرين والقاريء خاصة في التجمعات الكبيرة.
لكن قصيدة (ياحسين بضاميرنا) مازالت الاكثر حضورا بالرغم من وفاة الرادود أبو ياسين الذي عرف بها وعرفت به. وهي قصيدة شعبية ساهم اعدام شاعرها في الثمانينيات بشهرتها اضافة الى كلماتها التي تنطوي على معاني سياسية تصلح لكل زمن. وهي تسمع اليوم في كل مكان حتى في سيارات الاجرة. وبدات تظهر منذ العام الماضي ظاهرة اللطميات التي تنتقد العهد الجديد في العراق وعدم تلبية حاجات المواطن.

التحقيق منشور في ايلاف دجتال يوم الاثنين 29 كانون الثاني 2007