نعمة خالد من دمشق: لا يفصلنا عن العام الجديد سوى ساعات، وعما قريب سوف تقرع الأجراس، وتملأ السماء بالألعاب النارية، وستقرع كؤوس الأنخاب في مساحة كبيرة من العالم، سيحتفلون بنهاية عام وقدوم عام جديد، مثل ذلك فعلوا في العام الماضي، وكذلك الذي سبقه، يحتفلون ولا يعرفون أن الأيام تأكل أعمارهم. وأن الأيام تخبىء أقداراً ربما لا يدركون مدى خطورتها.

هل أدرك زيد، وأنا أقصد مطلق إنسان عبثت بعمره يد القدر فرحل عن العالم حين احتفل في العام الماضي بأنه لن يرى شموع الليلة الأخيرة من سنة 2007؟
المتتبع للعام المنصرم سوف يذهله حجم الكوارث والموت التي ملأت أيامه.

ام عادل امرأة تجاوزت السبعين أسألها: كيف ستستقبلين العام الجديد، وما تقولين في العام المنصرم؟
تتنهد أم عادل وتقول: أهي سنة ومرت يما، تمنيت يوم يمر وأفتح عالأخبار وما يكون في خبر موت. كل يوم موت بالعراق وفلسطين، موت بدونيسيا.أرد عليها : تقصدين أندونيسيا.

أي يما اللي انهار عليهم الجبل وندفنوا بالحياة، يا ويلي عالأطفال اللي ما إلهم ذنب غير الفقر.
أسأل سالم الطالب الجامعي في كلية الآداب عن العام المصرم وآماله في العام القادم، فيقول:
أيام مرت، أيام دجنتنا على الموت، فأنا حين أرى خبر مجزرة في العراق أو فلسطين، أو الصومال أو الجزائر أو أي بلد في العالم، فإن الخبر يمر مرور الكرام، قد أحزن لحظتها لكن بعد حين أنسى الخبر، وأنتقل إلى سياق حياتي الطبيعي، ألا يدل ذلك على أننا قد دجنا وأصبح موت طفل أو إمرأة أو شيخ في بقعة ما من العالم العربي ليس أكثر من خبر. بحق إن عام 2007 هو عام الموت والكوارث، حتى الطبيعة قد ساهمت في جعله عام موت وكوارث، فخبر عن زلزال هنا وخبر عن بركان هناك، وخبر عن انهيار طيني، وإرهاب وتفجير، هل هذه هي الفوضى الخلاقة كما يدعون؟

في كل صباح تطالعنا نشرات الأخبار بمزيد من الموت، موت في كل مكان. ثم ذاك الذين يملأ الصحف وتعقد لأجله المؤتمرات، أقصد الانحباس الحراري الذي يزيد من كوارث الطبيعة، والمسؤولون عن ذلك أذن من طين وأذن من عجين، كأن الموت لا يعنيهم، كأنهم في بروج مشيدة ولن يطالهم الموت، أتمنى حقاً أن أغوص في دواخلهم لأعرف هل يظنون أنهم خالدين، وماذا خبأوا للجيل القادم،؟

في ظل كل ما مر أتساءل أنا الشاب الذي لم يتخرج من الجامعة بعد أي أمل يحدوني لغد؟ إنها اللاجدوى، صدقيني، هي أيام تأكل عمري، وخوفي أن يكون عام 2008 عاماً أشد كوارث، وأكثر موتاً.

نسرين فتاة عراقية، هربت من الموت إلى دمشق، أسألها عن العام الفائت، وأمنياتها في العام الجديد، ونسرين تخطو نحو الشباب فهي لم تتجاوز السلبعة عشرة من عمرها. تقول نسرين:
أبي اختطف على أيدي الإرهابيين من البيت، وبعد أيام رموه أمام باب الدار ميتاً، أمي خافت على إخوتي الصغار أن يكون مصيرهم مصير أبي، لذا هربنا إلى دمشق، عام 2007 قتل أبي وعمي وخالي، قتل الكثير من الأطفال في العراق، أطفال لا يعرفون شو يعني شيعة أو سنة، أطفال يريدون أن يلعبوا ألعابهم التي يحبون، 2007 حرمني من مدرستي وكنت أنوي أن أدرس الطب.
أما عام 2008 : فأمنيتي أن أرجع إلى ساحة الدار، إلى النافذة التي كان يقذف منها ابن الجيران رسالة حبه لي، وما كتب من أشعار لي.

علا طفلة فلسطينية، تسكن في مخيم اليرموك، هي طالبة في الصف الثاني الإعدادي، أسألها عن العام الفائي، فترد وهي مسكونة باللاجدوى: هي سنة مثل كل السنوات ، أيام تمر، عام لم أحس فيه بالفرح، وعن أمنياتها في العام القادم قالت: لا أحلام، فقط أنجح في المدرسة وبتفوق. ينادي أبوها من الغرفة المجاورة: وبلدنا يا علا؟ تبتسم وتقول: من زمان زإحنا نحلم نرجع على بلدنا، أنا ما بعرف طبريا، شفتها بالصور، بالحضانة علمونا أغاني عن البلد، عن فلسطين كل فلسطين، وهاي أنا كبرت وصرت في الصف الثامن وفلسطين بعيدة، وبيوز أختير وأصير بعمر جدي، وبيجوز أموت وما أشوف بلدنا ولا أشم ريحة ترابها.

بعد جولة إيلاف بين الضيوف توقفت وتساءلت: لماذا كل هذا التشاؤم؟ لماذا لا يحدو الأمل أياً منهم بأيام أفضل، لماذا لا يحلمون بجنة على الأرض والحلم مشروع وليس من تلسكرين على طريقة رواية جورج أورويل 1984 يراقب أحلامهم ويحسبهم عليها؟

ما من شك أن عام 2007 هو عام الكوارث والموت بجدارة، في المنطقة العربية، في أمريكا اللاتينية، في أندونيسيا، في الباكستان، في أفغانستان، هي فوضى خلاقة بجدارة للموت، لكن أليس الحلم بأيام أفضل قد يؤسس لحياة جديرة بأن تعاش؟

لنحلم معا في العام الجديد أن تطل علينا مذيعة ما في فضائية ما وتقول لنا: صباح الياسمين. وتقول أيضاً: ضجت أرض مصر بموسم قطن يكفي ليضمد جراح العام الفائت، ثم تنقل لنا خبر طفل من فلسطين، وجد مساحة له ليلعب الكرة، وطفلة من العراق، تجمع الأقحوان لتصنع أكبر إكليل يدخلها أرقام غينيس. لنحلم بأن قطاراً ما ينطلق من أصى المشرق العربي، إلى أقصى المغرب العربي، وركابه يضجون بالعافية والفرح والضحك، لم تأكل ساعات الانتظار لفيزا زمنهم. لنحلم أن انفجاراً عبثياً لن يحصل في بغداد، وأن أباتشي لن تقصف بيتاً في غزة، أليس الحلم مشروعاً ولا رقيب عليه؟.

[email protected]