الطلاق آفة العصر الاجتماعية

نعمة خالد من دمشق: من الملاحظ في العقود الأخيرة من القرن العشرين زيادة نسبة الطلاق في المنطقة العربية، وقد وصلت في سورية في سنة من السنوات إلى نسبة تجاوزت نسبة الزواج، وتصل في أحوال كثيرة إلى نسبة:60% ، وفي معدل وسطي قد تصل النسبة إلى 40% سنوياً.وللطلاق أسباب عديدة، يرتبط بعضها بالوضع الاقتصادي، وبعضها بالوضع الاجتماعي والثقافي، وبعضها بالوضع الصحي والنفسي.
والطلاق نوعين: طلاق شرعي يعتمد قوانين الأحوال الشخصية، وطلاق نفسي لا يخضع لأي قانون، ويقع ضحيته الزوج حيناً، والزوجة غالباً.

وللطلاق نتائجه السلبية الكبيرة على الأولاد في حال وجودهم، وعلى المرأة في ظل مجتمع بطرياركي ذكوري.
المحامي محمد جبول توقف عند الطلاق الشرعي وحدث إيلاف قائلاً: quot; شرَع الزواج كوسيلة للاستقرار والتناسل، وقد أضفى عليه الشرع صفة الأبدية، ونزع عنه صفة الإكراه، فلا زواج بالإكراه، إلا أن الزواج قد تعترضه عوارض تحول دون تحقيق الغاية المرجوة منه فتصبح الحياة الزوجية جحيماً لا يطاق، لذا لا بد من علاج لذلك وهو الطلاق.

االطلاق حسب ما عرفه الشرع والقانون: هو إنهاء الحياة الزوجية. وهو أنواع أربعة:
الأول: الطلاق بإرادة منفردة، وهو الطلاق الذي يوقعه الزوج على زوجته دون رضاء منها.
الثاني: الطلاق الاتفاقي: وهو الطلاق على مال ويسمى المخالعة، وبموجبه يتفق الزوجان وبصورة رضائية على إنهاء الحياة الزوجية مقابل بدل مالي.

الثالث: الطلاق بحكم القاضي: وقد منح الشرع والقانون القاضي حق التفريق بين الزوجين بناء على طلب أحدهما وهو أربعة أنواع:
1-التفريق للعلل والعيوب والأمراض، وقد نص قانون الأحوال الشخصية في المواد 105 ولغاية 108 وهي العلل المانعة من الدخول والجنون.
2-التفريق للغيبة والسجن: وقد نص عليه قانون الأحوال الشخصية في المادة 109 وهي غياب الزوج دون عذر أو الحكم عليه بالسجن لمدة تتجاوز السنوات الثلاث.
3-التفريق لعدم الإنفاق أو الإعسار، وقد نص عليه قانون الأحوال الشخصية في المواد 110-_111 .
4-التفريق لعلة الشقاق والضرر وقد نص عليه قانون الأحوال الشخصية في المواد 112 ولغاية 115 ، وهو أكثر أنواع الطلاق شيوعاً.
الرابع: الطلاق بحكم الشرع: وهو أربعة أنواع:
1-الإيلاء وهو حلف الزوج عدم القربان من زوجته وقد كان الإيلاء في الجاهلية طلاقاً، إلا أن الإسلام اعتبره يميناً وواجب الكفارة.
2-الظهار: وهو تشبيه الزوج زوجته بمحارمهquot; أي كأمه أو أختهquot;.
3-اللعان: وهو يمين يؤديها الزوج الذي يتهم زوجته بالزنا ويرغب بنفي نسب الولد، وهي طلاقاً بائناً.
4-
وللطلاق صور ثلاثة:
الطلاق الرجعي: وهو الطلاق الأول، ويحق للزوج مراجعة زوجته أثناء العدة الشرعية.
الطلاق البائن بينونة صغرى: وفيه يحق للزوج إرجاع زوجته ولكن بعقد ومهر جديدين.
الطلاق البائن بينونة كبرى: وفيه لا يجوز إرجاع الزوج لزوجته إلا بعد أن تنكح زوجاً آخر.
وللطاق أسباب عديدة يمكن إجمالها بما يلي:
تباين طباع الزوجين، واختلاف أخلاقهما مما يترتب عليه انعدام الانسجام بين الزوجين.
اختلاف البيئة الثقافية والاجتماعية والطبقية بين الزوجين.

عقم أحد الزوجين.

المحامي محمد جبول
عرض أحد الزوجين مرضاً جنسياً.
الزواج المبكر للفتاة.
غياب الزوج مدة طويلة لسجن وغيره.
الضرر الذي يلحقه أحد الزوجين بالآخر سواء أكان الضرر مادياً أو معنوياً.
ومجمل هذه الحالات تؤدي إلى استحالة الحياة الزوجية وقلب الزواج من نعيم إلى جحيم وغياب الهدف السامي لهذا العقد المقدس المبني على الحب والحنان والمودة والرحمة.quot;
بعد هذه الجولة مع المحامي محمد جبول في وجه الطلاق الشرعي والقانوني نتساءل: ما هي النتائج التي يمكن أن تنتج عن الطلاق الشرعي؟

إن جولة سريع في مواد قانون الأحوال الشخصية بما يخص هذا الجانب، سنجد أن حيفاً كبيراً يقع على المرأة والأولاد، بدءاً بسن الحضانة المتاح للأم، وليس انتهاء بنفقة الكفاف التي لا تتجاوز الالف ليرة سورية بمعدلها الوسطي.
هذا ناهيك عن الضرر النفسي والمعنوي الذي يطال اللأطفال والمرأة على حد سواء.
على أن الإشكالية الحقيقية هي تلك التي تقبع مستترة خلف جدران البيوت، حيث المؤسسة والرابط المقدس الذي تحدث عنه المحامي ينخر فيه السوس والوجع والضيم.

وأقصد هنا الطلاق النفسي الذي قد تتجاوز نسبته ال70% في المجتمع. وفيه يقع الضيم على الطرفين الزوج والزوجة، وذلك في سبيل الحفاظ على الشكل الاجتماعي للأسرة، أو بسبب وجود أطفال يضحي الطرفين في المؤسسة الزوجية لأجلهما، أو في الغالب تكون الزوجة هي من يقع عليها الحيف لعدم وجود ملاذ لها، مما يضطرها للقبول بأي شكل للحياة مع الزوج بدل الضياع. وتعمل بالمثل القائل: ضل راجل ولا ضل حيطة.
ونتيجة للثقافة الذكورية في المجتمع فإن الزوج قد يلجأ إلى الزواج، أو إقامة علاقة غير شرعية خارج المؤسسة، وعلى المرأة أن تقبل بذلك، أو فالطلاق مصيرها.

طبعاً هذا لا ينفي أن تكون الزوجة هي من يوقع الضيم على الطرف الآخر الزوج، والزوج يقبل بالمؤسسة كمظهر اجتماعي فقط، وقد تلجأ الزوجة إلى خيانته، تحت يافطة البحث عن الحب الذي تفتقده في بيتها.
وقد ينتج عن الطلاق النفسي الكثير من المضار، أهمها المضار النفسية على الزوجين، وقد لا يستطيع الزوجين إخفاء الشقاق عن الأطفال مما قد ينعكس على البناء النفسي للطفل، وبالتالي مداركه العقلية ونموه العاطفي.
وفي حالات كثيرة يمكن للطلاق الشرعي أن يكون علاجاً أنجع من الاستمرار في الطلاق النفسي رغم نتائجه السلبية الكثيرة.

ولعل التحولات الاقتصادية السريعة التي لا تستطيع التحولات الاجتماعية أن تواكبها هي أحد أهم أسباب الطلاق بشقيه النفسي والشرعي.

والسؤال الأهم: مالسبل الكفيلة التي يمكن لها أن تشكل علاجاً لحالة التشظي للمؤسسة الزوجية؟ وهل هي حقاً مؤسسة فاشلة كما ينظر لها الكثيرون سواء في إطار علم الاجتماع أو علم النفس أو الأدب، أو الفن السابع.
أعتقد أن الوعي بأهمية هذه المؤسسة هو حجر الأساس في نجاحها، والشفافية والإيثار هما أعمدة أساسية لإنجاحها، طبعاً والحب الضرورة للزواج، لأن الزواج في زمننا أضحى صفقة تجارية قد يخوضها الزوج أو الزوجة، مع تغييب كامل للحب الضرورة للمؤسسة الزوجية. فزواج المصالح إذا لم ينتج عنه طلاق شرعي سينتج عنه بالضرورة طلاق نفسي، لذلك نجد أن نسبة الطلاق بشقيه بازدياد نتيجة التعامل مع الزواج على طريقة البزنس..