مروة كريدية: قصدت إيلاف حيًّا دمشقيًّا قديمًا يُعرف بحارة quot;العمارةquot;، دخلناه عبر طريق من جهة جسر الثورة، حيث رفض سائق التاكسي الدخول بسبب الازدحام المروري وكثرة المشاة، وأشار علينا إلى أن نتجه نزولا لمدة 10دقائق سيرًا على الأقدام للوصول الى هدفي المنشود، المكان يعجّ بالمارة والباعة المتجولين.


الزائر يخال نفسه في أحد المسلسلات الدرامية السورية، فاستوقفنا عجوزًا تجاوز التسعين يرتدي ملابس تقليدية، وسألناه عن حارة العمارة فأجابني quot;أختي عن أي عمارة تتكلمين quot;، فأجبت quot; وهل هناك أكثر من حارة عمارة؟، فقال انت ماذا تريدين؟ فأجبته quot;باب الفراديس quot;، قال اذن quot;حارة العمارة الجوّانيةquot;، ثم أشار عليّ إلى التوغل لجهة الجنوب ثم الدخول ثاني طريق يمينًا عقب مفرق quot;مقام السيدة رُقَيةquot;.
باب الفراديس يطل على الفردوس!


حركة الناس ملابسهم رائحة الطريق، أصوات الباعة، حيث افتُرشَت الارض بالملابس quot;المستعملة quot; الى جانب باعة الخضار الى جانب اللحامين... اتجهت نزولا بين المحال التجارية المتلاصقة وانا اقفز فوق quot;البسطات quot; الكثيرة... وامام الشارع المؤدي إلى السيدة رقية، توقفت حافلتان ترجل منهما مايزيد عن مئة زائر وزائرة ايرانية متجهين الى المقام.


اخترقت جموع العباءات السوداء، داخلة حي العمارة عبر باب يدعى quot; باب الفراديسquot;، وهو باب نحاسي ضخم، وقد علقت عليه لوحة رخامية وقد حملت تعريفًا عن الباب وتاريخ تجديده.
وبالعودة الى المراجع التاريخية فإنه يعد أحد أهم الأبواب الرئيسة في دمشق وهو باب أساسي من أبواب ما كان يُعرف بالحصن الروماني او السور العظيم لمدينة quot;دمشق quot;، و كان يُسمى باب الكوكب quot;عُطارد quot; زمن الرومان، ثم أُطلق عليه اسم quot;باب الفراديسquot;، والفراديس جمع فردوس وهي الجنان، وقد اكتسب هذه التسمية لانه كان يقابل الحدائق الغناء والبساتين، ويقع الى جهة الشمال مما يُعرف بالمدينة العتيقة، وينفتح على حي العمارة، وقد تم تجديد الباب مرات عدة كان آخرها عام 1241 للميلاد الموافق639 للهجرة زمن عماد الدين زنكي الذي لُقب بالملك العادل.

الشوارع داخل حارة العمارة الجوانية، مرصوفة بالطوب الاسود، وتحتوي على بيوت قديمة الطراز تُعرف بالبيوت العربية، وهي ابنية أثرية تمتاز بفناء داخلي واسع يسمى بquot;أرض الديارquot; تحيطه الغرف وتتوسطه بركة ماء جميلة، ويتكون من طابق او طابقين، فيه الكثير من الفنون المعمارية، وتطل على الفناء المليء بأحواض النباتات والأزهار.... فسكان دمشق مولعون بتربية النباتات لا سيما الاشجار المزهرة والورود، فلا يكاد بيت دمشقي يخلو من شجرة ياسمين أوغاردينيا.


جامع أثري وحضرة ذكر
و أمام باب الفراديس مباشرة وجدت مدخلا ضيقا تعلوه كتابة عربية قديمة لم اتمكن من قراءتها، غير ان quot;الزاروبquot; ينتهي بباب كتب عليه quot; جامع السادات المجاهدين quot;، والملاحظ ان تاريخ بناء الجامع يسبق تاريخ تجديد باب الفراديس حيث يعود بناؤه إلى عام 538 للهجرة، واعيد تجديده مؤخرا منذ عشرة أعوام اي 1419 للهجرة، فالاماكن الدينية تشكل ذاكرة المدن وأهلها وتعكس تاريخ الأحداث.
القائم على شؤون الجامع أفادنا انه رُمم من قِبل وزارة الأوقاف ومديرية أوقاف دمشق، في سلسلة ترميمات طالت ما يزيد عن ثلاثين جامعا أثريا دمشقيا وقد رمّمت بحسب الاضرار اللاحقة بها.


دخلنا المسجد وكان مكتظًا بالمصلين quot;الرجالquot; فلم اتمكن من التصوير وقد علمت انه عقب الصلاة، ستقام ما يعرف quot;بالحضرةquot;، وهي حلقة يذكر فيها الحاضرون لفظ quot;اللهquot; بصوت مرتفع، ويقوم احد الحضور بالرقص بشكل دائري في وسطها.


فهناك مرتادون كثر من ابناء الحارة يداومون على احياء هذه العادة مساء كلّ خميس ليلة الجمعة، ويقوم بالاشراف عليها quot;الشيخ صالح الحموي quot;.

طلبنا من خادم الجامع ان يصور لنا اعمدة المسجد وقببه ومحرابه، فقام بتصوير الشيخ ومريديه!