خطط لبناء مئات المساجد الجديدة في أصقاع القارة العجوز
انتقال المساجد من الأزقة إلى الشوارع الكبيرة يثير الزعر في أوروبا


محمد حامد ndash; إيلاف: في مشهد حافل بالمتناقضات بين الفرضيات النظرية والممارسات العملية على أرض الواقع تتسع في كل يوم رقعة التسامح الأوروبي والرغبة في التعايش مع 16 مليون مسلم في القارة العجوز، وليس هناك من دلالات واضحة على مراعاة حقوق ملايين المسلمين من الارتفاع الملحوظ في عدد المساجد التي يتم تشييدها في كافة أصقاع القارة الأوروبية، بل أن هناك تغير نوعي لافت على هذا الصعيد، حيث انتقلت تلك المساجد من الأزقة والشوراع الجانبية والخلفية إلى واجهات الشوارع الشهيرة في كبريات المدن الأوروبية، وعلى الرغم من أن هناك قطاع كبير يصنفون تلك الظاهرة على أنها حق طبيعي للجاليات الإسلامية ولا فضل لأحد في هذا الأمر، إلا أن تلك التطورات تظل جديرة بالرصد والملاحظة في ظل ما يتردد ليل نهار عن وجود إضطهاد غربي للعالم الإسلامي منذ سنوات بعيدة، قبل أن ترتفع وتيرته بعد أحداث 11 سبتمر 2001.


ظاهرة انتشار المساجد في أوروبا رصدتها quot;شبيغلquot; الألمانية في تقرير موسع لها، حيث قالت أن هناك خطط لبناء مئات من المساجد الجديدة بالغة الجمال في أوروبا وبخاصة في ألمانيا. حيث تحول مجال العمارة والبناء إلى مجال لأقوى معركة أيديولوجية لـ 16 مليون مسلم في أوروبا. والقضية الرئيسية للجدل الدائر حول بناء المساجد في أوروبا، في حقيقة الأمر، هي أنه من خلال بناء المساجد سوف يصبح المسلمين في ألمانيا أكثر ظهورا في المجتمع، فلم يعد أولئك المسلمون قانعين بمجرد أماكن للعبادة يختفون فيها بعيدا عن أنظار الناس.


والأعداد الكبيرة من رموز الإسلام المنتصبة في شوارع أوروبا (أي المساجد) من الممكن أن تعمل على تغيير المجتمع بدرجة لا يمكن أن يتخيلها شخص. وفي مواجهة هذا التطور ينادي البعض بضرورة التهدئة، بينما يحذر البعض الآخر من تزايد تأثير الجماعات الأصولية. ولكل منهما وجهة نظره المبررة والتي قد تثير الغضب عند الجدل حولها. ولن تستطيع أي دولة في أوروبا أن تتفادى الجدل بخصوص هذا الملف.
إن تاريخ هجرة المسلمين إلى ألمانيا يعود إلى خمسين عاما مضت، وقد حان الوقت للمجتمع الألماني أن يقوم بدمج المسلمين المتواجدين فيه. وفي نفس الوقت يجب على ألمانيا ألا تضعف قيمها من خلال التسامح الخاطئ باسم تشجيع الحرية الدينية. حيث أن ذلك سوف يؤدي إلى تفاقم الوضع ووضع الكثير من العراقيل. وتعد المساجد نوعا من تلك العراقيل. ومن بين تلك المساجد ذلك المسجد الذي تتبنى إنشاؤه السيدة مباشرا الياس المهندسة المسلمة المتخصصة في بناء المساجد وفق طراز معماري مدهش ينبض بالجمال.


الجانب الآخر للصورة يقول أن هناك العديد من أعداء موجة المد الاسلامي في أوروبا وبناء المساجد الجديدة يرون تلك المساجد أماكن للوقاحة وليس للعبادة. كما يؤكدون أن صورة محطة البنزين أفضل عندهم من رؤية مئذنة، وإن نفس الروح هي نفسها الموجودة لدى بعض القطاعات في ايطاليا والنرويج وسويسرا ، وحتى في بريطانيا حيث يوجد أكثر من 270 ألف شخص وقعوا على التماس ضد مخططات لبناء مسجد كبير هناك. ويعد نفس الأمر حقيقيا أيضا لألمانيا، حيث من المتوقع بناء أكبر عدد من المساجد ndash; 200 مسجد تقريبا. وإن ألمانيا لا تنقصها الجمعيات الوطنية العاملة التي من الممكن أن تصوت ضد بناء مساجد جديدة.


إن المحاولات العديدة لوقف بناء المساجد توضح الصراع الخفي والذي يظهر في مجال البناء والتشييد. وأينما ذهبت السيناريو واحد: أولا تقدم شكاوى عن انتهاكات ضد البيئة الحضرية والمساومة على الأماكن الممكن البناء فيها، وارتفاع القباب والمآذن هل ستكون 15 متر أم 20 أم 55. أو يكون الوضع كما هو في ميونيخ، فيكون المسجد في شكل منافسة جمالية مع كنيسة قريبة منه. ثم يتحرك الجدل إلى قضية أكثر عمقا وهي الخوف من خطباء الكراهية والأعمال الإرهابية والجهاد والاتهام بأن كل مئذنة تبنى تجعل أوروبا تتجه إلى سلطان وسيطرة الاسلام.


وإن السيدة الياس هي ابنة أحد المهاجرين الباكستانيين. وقد ولدت وتربت في فرانكفورت، وأثناء سنوات دراستها بجامعة دارمشتات ركزت دراستها على المساجد كأبنية أجنبية في المدينة. وهي الآن تعد أطروحة الدكتوراة عن معمار المساجد، على الرغم من أنها تعترف بأن عملها في مواقع بناء المساجد قد جعلها تتأخر في تقدمها لنيل درجتها العلمية أكثر من اللازم. ويقع مسجد الياس في المقاطعة الشرقية لبرلين والمسماة هاينر سودورف ، وقد عملت quot;مباشرا الياسquot; في مشاريع مشابهة من قبل ولكن مسجد هاينر سودورف هو باكورة أعمالها الحقيقية.


وقد كان هذا المسجد مثارا للمشاكل منذ البداية. ففي البداية أشعلت النيران في سيارة مقاول البناء في الموقع. ثم مؤخرا اقتحم بعض الأشخاص الموقع وكتبوا بمادة رشاشة كلمات استفزازية على قبة المسجد. بالإضافة إلى المظاهرات والتي لم تخل من العنف، وقد نظم بعضها الحزب الوطني الديمقراطي اليميني المتطرف. فمنذ عدة سنوات، كان المسلمون الأتراك قد تجمعوا من أجل الصلاة في كافتيريا لشركة مناجم سابقة. وقد قرروا أن يهدموها ويبنوا مكانها مسجدا، وقد حققوا ذلك ولديهم الآن مبنى جديد رائع وبه ساحات وغرف للاجتماعات تسع حوالي 1200 شخص متعبد. لقد تلقوا منحا خاصة وإعانات عامة ولم يواجهوا أية معارضة.


ويقول امام مسجد دويسبورغ: إن كل مدينة تعمل بشكل مختلف ولم يحدث بعد تكامل بينها. وإذا سمح مجتمع بإنشاء مسجد فهذا يعني بشكل أو بآخر أن الجماعة المسلمة مقبولة إلى حد ما في هذا المجتمع. إن السؤال الذي يفرض نفسه الآن هو: هل منطقة دويسبورغ تعد منطقة حرة؟ إن الحقيقة أن خطط بناء مسجدين إضافيين في المدينة، والتي تقع في غرب ألمانيا ، قد أثارت الاحتجاجات من السكان المحليين.
يعيش حوالي 16 مليون مسلم في الإتحاد الأوروبي، وأكثر من 3 مليون منهم يعيشون في ألمانيا. إنهم جميعا يشتركون في نفس العقيدة، ولكنهم مختلفين في الأصول الجغرافية التي أتوا منها واللغة والتقاليد. فحوالي أكثر من 70 بالمائة من مسلمي ألمانيا من أصول تركية. وتقف منظمة الإتحاد الإسلامي التركية للشؤون الدينية وراء بناء العديد من المساجد في ألمانيا.


ويوجد هناك الآن حوالي 2600 مركز إسلامي للعبادة في ألمانيا بالإضافة إلى 200 مبنى آخرين من الممكن تصنيفها على أنها مساجد. ووفق المخططات الحالية، فإن هذا الرقم الأخير من المتوقع أن يتضاعف. وفي حقيقة الأمر، فهذا يعني أن تلك الجماعات تخرج من الأماكن غير المعروفة إلى أماكن واضحة ومعروفة.

إن مثل تلك التطورات تمثل تناقضا للعديد من الألمان. فلا يمكنك في البداية أن تتهم المسلمين بأنهم يقبعون في حجرات خلفية رافضين التكامل والتفاعل مع المجتمع. إن حقيقة الأمر هي أنهم يضعون أنفسهم في الأماكن العامة ويصبحوا ظاهرين للعامة ومؤثرين.

إذن أين تكمن بالضبط عنصر التحريض؟
أثناء الجدل بشأن مسجد كولونيا ، قال رالف جيوردانو، الروائي الملحد من الأصل اليهودي بأن مشروع المسجد هذا يعد اغتصاب ارض في مقاطعة أجنبية، ويعد أيضا نوع من إعلان الحرب. وفي تلك الأثناء، صدر تصريح بالبناء لمسجد إيرينفيلد،وكتب كتابا عن الجدل الدائر حول هذا المسجد والذي يعد من أكبر المساجد في المانيا. ولم يتم تسوية الأمور حتى الآن. على الرغم من أن أساقفة ألمانيا الكاثوليك قد تحدثوا في صالح بناء المساجد، إلا أنهم قالوا بأنهم سيقفون ضد أي مساعي للوصول الاسلامي إلى السلطة، كرد فعل عنيف على أحداث الحادي عشر من سبتمبر.