الظلام يحفز مشاعر النساء في غزة

نجلاء عبد ربه من غزة: تستعد منى كوارع منذ عصر كل يوم بتجهيز بعضاً من الشمع قبل أن يسدل الليل ستارته على قطاع غزة، لتقوم بتنوير واحدة فقط وأخرى عند اللزوم. وبحسب منى فإن quot;قطع الكهرباء يريحني كثيراً في ظل توتر الوضع العام في قطاع غزةquot;.

وتتحدث منى، أم لثلاثة أطفال عن الهدوء الذي يخيم على منزلها منذ إيلاج الليل في نهار يوم غزة. وتقول لإيلاف quot;لا يجد أطفالي ما يقومون به من لعب أو غيره، فأذهب بهم إلى فراش نومهم، وسرعان ما يغوصون في نوم عميق في ظل الهدوء الصاخب الذي يعتري المنزل، حينها أجد متسعاً من الراحة النفسية والجلوس الهادئ مع زوجيquot;.

وتبتسم سماح، أم لطفلةٍ، حينما سألتها إيلاف عن أجواء المنزل الشاعرية. وقالت quot;شيء رائع أن تشعر النساء بساعات من الهدوء والرومانسية بشكل يومي، فقطع الكهرباء عن مناطق مختلفة من قطاع غزة لعدة ساعات، كما له سلبيات كثيرة جدا، فإن ناحية إيجابية ساعدت النساء في غزة على راحة وطمأنينة في بيوتهن مع أزواجهن طوال الليلquot;.

وتعترف هدى محمود أن الطقس البارد ساعد كذلك الأمر في مكوث زوجها داخل البيت. وقالت لإيلاف quot;في الصيف عندما يتم قطع الكهرباء عنا، يخرج زوجي من البيت ويسهر مع أصدقاءه لساعات طويلة، وغالباً ما يعود للمنزل فأكون أنا نائمة ولا أشعر بوجوده أبداً، لكن مع الطقس البارد، فلا أماكن لسهر زوجي غير البيت، وهذا شيء يسعدني أيضاً في ظل نوم أطفالي الإثنينquot;.

وغيّر جميع من يسكن قطاع غزة، والبالغ عددهم مليون ونصف مليون فلسطيني، حياتهم رأساً على عقب، بعدما منعت إسرائيل تزويد الفلسطينيين في غزة بالوقود اللازم لتشغيل شركة الكهرباء الوحيدة التي تغذي هؤلاء الناس.

وعقبت الطالبة سالي حسين، طالبة جامعية، على إشكالية الكهرباء التي تنقطع عن منطقتها لأكثر من 15 ساعة يومياً، أنها تلجأ للدراسة وإكمال ما عليها قبل إرخاء الليل سكينته على سماء غزة.

وأضافت لإيلاف quot;أحاول أن أنجز ما عليّ من دراسة وتحضير للمواد قبل مجيء الليلquot;. وتعترف أن هذا الأمر شاق جدا عليها، خاصة وأن النفسية، كما تقول، لن تكون جاهزة طوال النهار، فكثيراً ما أضيق ذرعاً من مشكلة ما تواجهنني، الأمر الذي يؤثر على دراستي بشكل عام في النهار، لكن عتمة الليل لها مفعول سحري معي ومع زميلاتي، وعادة ما أجلس بهدوء في فراشي وأعيش مع أحلامي ومستقبلي بإنسجامquot;.

بعض الرجال في غزة، خاصة من يسكنون القرى وأطراف المدن، تغيرت حياتهم بشكل كبير قياساً بالنساء هنا، فالعديد من هؤلاء يمسون على سهرة نارية، يشعلون خلالها النار في مكانٍ ما خارج المنزل، ويتجمعون في حلقةً أمام تلك النار ويبدؤون سهرتهم في الحديث عن مجريات الأمور.

ويقول خالد أبو سلطان (29 عاماً): لا أتحمل الجلوس في البيت دون كهرباء، فأضطر إلى الهروب خارج المنزل وفتح مواضيع سواء هامة أو غير ذي قيمة، لكنها بكل الأحوال تضيّع الوقت الضائع أصلاً من حياتنا.

ويضيف أبو سلطان لإيلاف quot;هناك من يفضل الجلوس في بيته مع زوجته وأطفاله، وهم غالباً سكان المدن في غزة، لكننا نحن نفضل السهر لو للساعات الأولى من الليل في حلقات شبابية حول نار نشعلها ونجتمع حولهاquot;.

الغزاويات، وهو اللقب الدارج لنساء غزة، يقضين معظم ليلهن في النوم والراحة ومتعة العتمة، فالجو البارد ليلاً يجعلهن يفضلّن الجلوس في البيت عن الزيارات العائلية أو غيرها.

وتقول السيدة هنادي حماد لإيلاف quot; ما أن تصبح الساعة الثامنة مساءً، حتى أجهّز فراش النوم وأصبح جاهزة للحديث مع زوجي، فأنا أعتبره صديقي أكثر منه زوجاً، كونه يعاملني بنفس الأسلوبquot;.

وتعيش مدينة غزة على وجه التحديد أسوء حالاتها قياساً بالمدن الأخرى، كالمدن الجنوبية المحاذية للحدود المصرية، فمدينة رفح تعتمد بشكل أساسي على الكهرباء من مصر. وتغذي إسرائيل القرى الشرقية والحدودية من محافظة خان يونس بالكهرباء، بينما تغذي شركة الكهرباء الرئيسية مدينة غزة والمناطق الوسطى والشمالية من قطاع غزة.

وتقول الطالبة أريج عبد الهادي أن وضعها بالنسبة للكهرباء أفضل من زميلاتها اللاتي يسكن مدينة غزة. وتضيف لإيلاف quot;في رفح الوضع أفضل من غزة، فالكهرباء تنقطع حوالي 8 ساعات، بينما في غزة يتجاوز الأمر لحوالي 15 ساعةquot;.

وإن كانت إسرائيل قد تعمدت منع تزويد الفلسطينيين بالوقود اللازم من تشغيل محطة الكهرباء الرئيسية التي تغذي مناطق واسعة من قطاع غزة، فإن إسرائيل ساعدت النساء في غزة أن يعشن حياة رومانسية إفتقدنها لأشهر.. بل لسنوات، في ظل عدم توفر الراحة العملية ومستقبل ثابت للرجال في غزة.